تحقيقات وتقارير

ملفها حبيس جدار المختصين :المبيدات … الخطر القاتل !!

برغم الأثر السلبي المباشر الذى تحدثه المبيدات وإستخداماتها على صحة الإنسان والبيئة الا ان ملفها مازال حبيس جدران مكاتب المختصين .. مع قصور الاخيرة فى توفير الدراسات اللازمة لتحديد الكميات الفعلية للمواسم ووضع خريطة علمية لترشيد الإستخدام الذى ينطوى عليه الكثير من المؤشرات السالبة منها تراكم المبيدات وتلفها وفقدانها الصلاحية فى ظل عدم فعالية لجان المراقبة وجهل المستخدم المباشر « المزارع « بإشتراطات التعامل مع المادة لعدم فعالية مكاتب الإرشاد الزراعى واخيرا دخول مبيدات غير مطابقة للمواصفات ناتجه عن حدوث نزاعات قانونية بين المستورد والشركات تستمر حتى تتلف المبيدات …
قبل ان نناقش هذه الامور عبر مختصين لابد وان نبدأ بإفادة المزارع بمشروع الجزيرة قسم وادى سعير عبدالإله عمر والذى يقول : هنالك تجار مرخص لهم بالعمل فى هذا المجال يقوم المزارع بشراء حاجته منهم ويتعامل معهم فى الغالب مزارعو الخضروات والفاكهة.. سألته هل يقوم المزارع برشها بنفسه أجاب : نعم ويضيف قسم وقاية النباتات بوادى سعير يستخدم الطائرات فى رش محصولى القطن والقمح فقط اما بقية المحاصيل بمافيها الفول والذره والخضر والفاكهة غير مشموله بالأبحاث .. هذا الموسم قام القسم برش الذرة مره واحده وانت وحظك « ياصدقت يالا « .. لكن هل هنالك تدريب على طرق التعامل مع هذه المبيدات لإعتبار سميتها ؟ هكذا وجهت سؤالى فقال : ليس هنالك أى تدريب للمزارعين فالمزارع يتعامل بصورة مباشرة مع المبيدات فهو يحمل « رمتها « على ظهره وتكون عليه « فنيله داخليه « دون اى معرفة بما يمكن ان يحدث فالكثير منهم يجهل سميتها .. سألته عن علاقتهم بمكتب الوقاية فقال : نذهب اليهم للإستشاره ونحمل معنا عينة من المزروع لنتحصل على إفادة منهم .. ليس هنالك زيارات من قبلهم للمشاريع ولايتم تفتيش للمزارع …
ربما لاتختلف إفادات المزارع زكريا أبايزيد ومعتصم من مشروع حلفا الجديدة الزراعى كثيرا عن إفادات عبد الإله فى التعامل المباشر من قبل المزارعين مع الأسمدة وإفتقارهم للوعى بمخاطرها …
فني وقاية النباتات بقسم وادي سعير الفاتح احمد الشيخ فى حديثه معنا فرق بين عملهم فى الوقاية وبين مايجرى على أيدى مزارعى الخضروات قائلا : نحن نعمل على وقاية محصولين هما القطن والقمح وهنالك معاملات اخرى تجرى على أيدى مزارعى الخضروات بعيدا عن إشرافنا بالنسبة للقطن نعمل على وقايته من بداية زراعته حتى جنيه وكذلك القمح من إنباته حتى حصاده من الطيور والجراد والحشرات بجانب الحشائش .. يواصل : نعمل على المكافحة الحشرية بواسطة الطيران وفقا لمقاسات محددة مثلا الجالون يكفى لرش 12 فدان البرميل سعته 200 لتر وتانكر الطائرة سعته 2 ألف لتر يضيف قائلا : دائما مانحرص على عدم ترك متبقى من المبيد وان وجد يتم تسليمه للمخزن ليتم إستعماله فى الرشه التالية اما بالنسبة لزارعي الخضروات فيقول : ليس لديهم مقاسات دقيقة لتحديد الجرعة اللازمة للفدان الواحد فمعظمهم يتعامل باللتر وليس لديهم مضخات للرش بل يستخدمون فروع نبات العدسى « يبل الفرع وينفضو « فى رش المساحة المخصصة ويذهب الى انه إنتشرت فى الآونة الأخيرة ظاهرة الرش بالطلمبات والتى يكون لديها تسريب فى بعض اجزائها مما يجعل هنالك تركيز للمبيد فى بعض المواقع واخرى لم يصلها بالمرة ويضيف الفاتح انهم لايتبعون إشتراطات سلامتهم من ملابس واقية وكمامة ونظارة واحذية تغطى القدم حتى يتجنب بذلك ملامستها لجسمه ويرجع ذلك الى عدم الوعى الكافى لدى هؤلاء بخطورة المبيدات بجانب انهم يتعاملون بصورة مباشرة مع تجار المبيدات المنتشرين بصورة كبيرة دون الرجوع الى إدارة الوقاية لتقوم بتوعيتهم فكل مايفعله التاجر تمليك المزارع المبيد المطلوب دون أن يعرف هل هو المناسب ام لا وكذلك الجرعات . وفى إجابته عن سؤال بخصوص فوارغ المبيدات قال : فى الماضى كانت إدارة الوقاية تبيعه لتجار المواد البترولية ويدخل عائده فى خزنة المشروع لكن حدث مؤخرا إختلاف مابين إدارة المشروع وإتحاد المزارعين حول من يستحق عائدها ويذهب الفاتح الى إستعراض بعض الحوادث العارضة المصاحبة لعملهم عند رش مبيد الحشائش والذى يتم بواسطة التراكتورات والتى تتأثر بعدم إستواء التربة الامر الذى يتسبب فى كسر التانكر مما يزيد من حجم الجرعة فى بعض المواقع والتى تؤثر على النبات فينمو ضعيفا ومصفرا قائلا يمكن التقليل من هذا الأثر بزيادة نسبة الرى اما بالنسبة للمبيدات الحشرية فيقول : « تانكر الطائرة مرات بيكون كابس بيرشح المبيد لو الزول ما لابس نظارة او ملابس واقية بيتضرر» ، ويضيف كذلك قد يصاب المزارع بالإختناق إذا تواجد أثناء عمليات الرش داخل حواشته وهذا لايحدث كثيرا فهنالك تنبيهات نطلقها قبل البدء فى عمليات الرش كذلك المبيد الحشرى له أضرار مباشرةعلى الإنسان والحيوان فى اليومين الاول والثاني من بدء عملية الرش.
إتفق الباحث « متقاعد « فى هيئة البحوث الزراعية بروفيسور محمد الفاتح خالد مع الفنى الفاتح بالإستخدام غير المرشد للمبيدات من قبل المزارعين بل اكد بعدم وجود عمليات إرشاد واضحة لهم من مكاتب الإرشاد الزراعى ونقل التقانة خصوصا فى المشاريع الكبيرة ويفترض انه من الواجب ان تكون هذه الإدارات على صلة مباشرة بالمزارع لترشده على نوعية المبيدات وكميتها التى تتناسب والآفة الموجودة فى حواشته ويذهب الى ان زيادة او نقصان المبيد عن الحد اللازم وكذلك نوعية المبيد له آثار سالبة من حيث تمليك الآفة مناعة ضد المبيد الأمر الذى يجعلها تقضى على المحصول دون ان تتأثر بالمبيد فى الوقت الذى يزيد فيه المزارع دون وعى بالمبيد ما يجعله يتركز في بقية المحصول الذى لم تقضِ عليه الآفة وهذا المتبقى يكون مشبعا بالمبيد «وفى الغالب يكون خضروات « ولهذا أثره المعروف والمباشر على صحة الإنسان أو الحيوان الذى يتناوله .. قلت له هنالك تبريرات تقول ان هذه الإدارات تفتقد لوسائل الحركة الامر الذى يجعل هنالك صعوبة فى وصولها لكل مزارع فى موقعه فأجاب : نعم من ناحية عملية لايمتلك الإرشاد الزراعى الإمكانيات لكن لحساسية الامر لابد وان تكون هنالك طريقة ما ليتحصل المزارع على المبيد المناسب والجرعات المناسبة فهو يحتاج لمن يكتب له الروشتة فلابد ان يكون هنالك توجيه للتجار بعدم صرف اى مبيد دون روشته من الجهات المختصة والتى تكتبها بعد إجراء الفحوصات اللازمة وتحديد نوعية الداء ومن ثم يتم صرفها من قبل الجهات التى تتاجر فى هذه الأصناف وهذه حسب علمى مرخص لها بالعمل ويشترط فى الترخيص ان يكون للحاصل عليه المعرفة الكافية بهذه المبيدات ليملكها للمتعاملين معه من المزارعين وهذا للأسف به كثير من التجاوزات. وفى شرحه للاسباب المؤدية الى وجود متبقيات من المبيد على الخضروات ومن ثم تلوثها اجاب : هنالك إشتراط بعدم حصاد الخضروات قبل 7 أيام من رش المبيد لقوله بوجود متبقى منها فى ثمار المحصول مما يجعل الكثير منها عند وصوله السوق ملوثا الامر الذى يجعل ضرره على من يتناوله مؤكدا ويتفق مع الآخرين فى عدم إلتزام المزارعين بإشتراطات السلامة من ملابس واقية وإستخدام رشاشات الى غيرها من التى تضمن عدم وصول جرعات المبيد السامة الى الجسم ويذهب الى إستبعاد منظمة الصحة العالمية والغذاء العالمى لبعض المبيدات لضررها على الإنسان والبيئة ويرى ان المشاريع الكبيرة تواجه مشاكل فى التخزين لعدم مناسبة طرق تخزينها مع كمياتها الكبيرة التى تفوق إحتياجات الموسم مما يعرضها للتلف واعتبر فوارغ المبيدات مشكلة حقيقية خصوصا فى المشاريع الكبيرة مشيرا الى انه كونت قبل عامين لجنة للبحث فى كيفية التخلص منها قائلا ان الدول المتقدمة لديها محارق خاصة للتخلص منها وهذه كما قال غير متوفره فى السودان .
حسب المنسق القومى لبرنامج الملوثات العضوية الثابتة بالمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية على محمد على ان الأسباب التى تؤدى الى تراكم المبيدات وتلفها أوفقدانها للصلاحية هى : منع استخدامها عالميا أو محليا اوالغاء التسجيل مع وجود وتوفر كميات بالبلاد لإستيراد كميات أكثر من احتياجات الموسم أوالغرض لعدم الدقة فى تحديد الكميات المطلوبة بواسطة اللجان المعنية أو المبالغة فيها وعدم المقدرة على التنبؤ بمستوى آفات الموسم الذى تم الاستيراد من أجله بجانب تغيير التركيبة المحصولية والتغير المفاجئ فى التركيبة الحشرية فى موسم ما أو عدة مواسم متتالية إضافة لسوء التخزين وسوء ادارة المخازن بحيث يتم استخدام المبيدات الجديدة وتترك مبيدات المواسم السابقة بالمخازن حتى تتلف وتركيز المسؤولين عن الرش على المبيدات الجديدة وتجاهل مبيدات المواسم السابقة مع تهربهم من معاملة المحاصيل بالمبيدات غير الأصلية (البديلة (Geneics أى الأسماء التجارية الجديدة، التى اعتادوا عليها والتركيز على الأسماء القديمة ودخول مبيدات غير مطابقة للمواصفات وحدوث نزاعات قانونية بين المستورد والشركات تستمر حتى تتلف المبيدات (مثال: اندوسلفان دايانا) مع عدم وجود تقنيات للتخلص من المبيدات التالفة (مثال: المحارق). ويستعرض على فى ورقة علمية منشورة الأسباب التى تؤدى الى تلف المبيدات منها عدم اتباع الأسس الصحيحة للتخزين مع عدم تفعيل قاعدة ما خزن أولا يستخدم أولا يضاف لها عدم وجود ملصقات بالعبوات وبالتالى عدم معرفة المحتويات واستجلاب مبيدات رخيصة الثمن وغير مطابقة للمواصفات.
ويذهب على محمد على فى ذات الدراسة الى انه تم اجراء حصر شامل فى العام 1996 م ،وقدرت الكمية الكلية للمبيدات التالفة بحوالى 666 طن توجد بالمشاريع الزراعية ومخازن وقاية النباتات فى حوالى 30 موقع، اضافة الى حوالى 10 آلاف طن من التربة الملوثة و160 طن من العبوات الفارغة
وتم كما قال فى (يوليه 2004 الى مارس 2005) حصركل المخازن بالسودان (كل الولايات) من وادى حلفا شمالا حتى جوبا جنوبا، ومن بورتسودان شرقا حتى الجنينة غربا، وعددها 340 مخزنا، تتبع لادارة وقاية النباتات (وزارة الزراعة)، وزارة الصحة، مشروع الجزيرة وامتداد المناقل، مؤسسة الرهد الزراعية، مؤسسة حلفا الزراعية، مؤسسة السوكى الزراعية، مؤسسة النيل الأزرق الزراعية، مؤسسة النيل الأبيض الزراعية (سابقا)، مؤسسة جبال النوبة الزراعية، الزراعة الآلية، سكر كنانة، سكر الجنيد، سكر عسلاية، سكر حلفا، سكر سنار، المنظمات الدولية والمنظمات الطوعية كانت جملة المبيدات التابعة للملوثات المعنية = 1264.5 طنا (منها 900 طن بذرة قطن ملوثة) والملوثة 10000 طنا والفوارغ والآليات الملوثة 740 طنا.
ما سبق من إفادات يمكن ان يعطى مؤشرا خطيرا فيما يخص التساهل فى التعامل مع المبيدات من قبل الجهات المختصه فى ظل إفتقار المزارع للوعى الكافى بخطورتها الامر الذى يجعلنا نكشف المزيد من المعلومات للتنبيه بخطورة الامر فقد كشفت منظمة الصحة العالمية فى نهاية القرن الماضى عن 500 ألف حالة تسمم بالمبيدات أدت الى وفاة 5 ألف وكان ذلك بالتحديد فى العام 1994 حول العالم بينما أعطت وكالة حماية البيئة أرقاما فى ذات العام تتراوح مابين 10 الى 20 ألف حالة تسمم فى اوساط المزارعين بالولايات المتحدة الامريكية ، وكانت الارقام تعطى مؤشرات اكثر خطرا من ذات الوكالة بالدول النامية عندما اجرت دراسة فى مزارع صغيرة للقطن بجنوب أفريقيا وجدت إفتقار هؤلاء للتدريب الجيد على وسائل الإستخدام بجانب عدم إرتدائهم للملابس الواقية مما جعل نصف المزارعين يعلنون عن إصابات مرضية نتيجة للتسمم فإذا دار محور السؤال عن وضعنا فى السودان فالإجابة تبدو واضحة مما نقلناه سابقا .
ماتجدر الإشارة اليه أن متوسط استهلاك المبيدات عالميا فى العام يقدر بحوالى 2378.2 كجم مادة فعالة active ingredient (a.i.)، تأتى مبيدات الحشائش فى المرتبة الأولى (37%)، ثم المبيدات الحشرية (25%) ثم المجموعة التى تضمن المدخنات ومبيدات القوارض ومبيدات القواقع، ومبيدات الطيور والأسماك والكبريت والزيوت البترولية وتشكل 29%. مبيدات الفطريات تشكل نسبة تتراوح مابين 9-10% فقط وتبلغ مشتريات السودان من المبيدات (بالدولار الأميريكى: مليون)،إذ يستهلك مابين 2.54 الى 4.7% مما تستهلكة كل الدول الأفريقية مجتمعة (4% من استهلاك العالم) فى حين أن دولة جنوب أفريقيا (أغنى الدول الأفريقية) تستهلك ماقيمته 101.498 مليون دولار، وزيمبابوى 32.487 مليون دولار، وساحل العاج ماقيمته 19.5 مليون دولار، وتنزانيا (أفقر الدول الأفريقية) حوالى 10.1 مليون دولار.
نبوية سرالختم :الصحافة