مقالات متنوعة

الصادق المهدى وفن الممكن -1-


كانت حكومة الديمقراطية الثالثة بمثابة فريسة الكل يريد ان يصطادها قبل الاخر ورئيس الوزراء شكل كذا حكومة للخروج من الازمة ولم ينجح الامر وكان يعرف المتربصين بالحكم ومن المضحك ان حزب البعث حذر رئيس الوزراء من ان الجبهة الاسلامية تريد الانقضاض على السلطة ورئيس الوزراء يعلم ذلك كما يعلم ايضا ان حزب البعث نفسه متربص بالحكومة وربما يريد من رئيس الوزراء قفل الباب امام الجبهة الاسلامية حتى تسنح له الفرصة لينقض على الحكومة, الذكاء المتواضع لحزب البعث لم يسعفه امام الذكاء الكبير لرئيس الوزراء.
فى اخر انتخابات ديمقراطية فى العام 1985 كان حزب الجبهة الاسلامية فى المرتبة الثالثة بعد الحزب الاتحادى الديمقراطى وهذا يعنى ان عضوية الجبهة الاسلامية فى تزايد كبير خاصة وسط الصفوة فاذا استمر الوضع بهذه الصورة فانه خلال عشرين سنة ربما كانت نتيجة الانتخابات الديمقراطية ترجح كفة الجبهة الاسلامية, وتنامى عضوية الجبهة الاسلامية سببه الدعاية المنظمة للجبهة الاسلامية بانهم حماة الدين ودعمو حق المراة فى الترشح واخترقوا الجيش والمنظمات الاجنبية والمحلية كما انشأوا المنظمات الخاصة بهم ودعوا لتطبيق الشريعة واسلمة المجتمع وكثفوا نشاطهم وسط طلاب الجامعات وحصدوا أعضاء كثيرون والمد مستمر.
رئيس الوزراء يعلم ان الجبهة الاسلامية وقادتها ما هم الا براغماتية يريدون استغلال الدين سياسيا ولكن كيف له ان يتكلم بهذا الامر او حتى يقنع به الشعب السودانى . فكان لابد من ان يجرب الشعب السودانى حكمهم .
فكر رئيس الوزراء وقدر ثم نظر ثم وضع لهم فخ ليعدمهم الى الابد من الحياة السياسية السودانية متمثلا فى ذلك مقولة الاستاذ محمود محمد طه(من الأفضل للشعب السوداني أن يمر بتجربة حكم جماعة الهوس الديني. وسوف تكون تجربة مفيدة للغاية. إذ أنها بلا شك ستبين لأبناء هذا الشعب مدى زيف شعارات هذه الجماعة. وسوف تسيطر هذه الجماعة على السودان سياسياً واقتصادياً حتى ولو بالوسائل العسكرية. وسوف يذيقون الشعب الأمرين. وسوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها إلى ليل. وسوف تنتهي فيما بينهم. وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعاً)

وذلك فيه مكاسب كبيرة للحزب وللشعب ففرش لهم الطريق بالورد ووقعوا فى الفخ واستلموا السلطة بليل ووضعوا شعاراتهم الاقتصادية والجهادية وغنوا لمشروعهم الحضارى وقال زعيمهم ضاحكا : اذهب للقصر رئيسا وانا اذهب للسجن حبيسا )وكان يسخر من صديق الامس خال ابنائه ويظن انه قد اوقع به ولم تمر سنوات قليلة او شهور حتى ادرك الشعب السودانى زيف الشعارات والنفاق الكبير لجماعة الحركة الاسلامية وهذا هو الذى راهن عليه رئيس الوزراء ومحمود محمد طه وقد حدث بالفعل وما زال زعيم الجماعة فى ضحكاته الساخرة وكلماته المستفزة ثم صحى من قفوته وادرك ان صهره قد اوقع به وبحزبه للابد فابتلع سخرياته وضحكاته الماكرة وملا الغيظ قلبه واصطنع الخلافات مع تلاميذه حتى يخرج من المازق الذى اوقعه فيه صهره ولكن هيهات قد سبق السيف العزل واخيرا خرج من الحكومة فى عشر سنوات قضاها مازحا وضاحكا وساخرا.
ماذا يفعل زعيم الحركة الاسلامية للانتقام من صهره ؟ لقد فكر وقدر ثم نظر ووجد ان قواعد حزب رئيس الوزراء تتركز غالبيتها فى دارفور وكردفان والنيل الابيض.
فى دارفور قبل الانقاذ كانت هناك حروب قبلية محدودة وقطاع طرق هنا وهناك,زعيم الحركة الاسلامية خلال حكمه للبلاد فى العشر سنوات الاولى وقد كان الآمر والناهى والمتسلط لم يقدم لدارفور اى خدمة من ناحية التعليم والصحة والبنى التحتية ولا حتى الخدمات البسيطة من مياه شرب وتحسين معيشة, وعندما بدات الخلافات بينه وبين تلاميذه والتى كان الشعب السودانى يعتبرها مسرحية والحقيقة تقول انها فعلا كانت مسرحية ولكنها من جانب زعيم الحركة الاسلامية فقط ليخرج من الحرج البالغ الذى اوقعه فيه خال ابنائه فعندما بدأت هذه الخلافات أصبح زعيم الحركة الاسلامية ينفخ فى نار الحرب فظهر الكتاب الاسود كما ظهرت اسوا العبارات التى تشعل نار العنصرية ومن فمه هو مباشرة وزعم زعيم الحركة الاسلامية بان اهل دارفور مضطهدون ومهمشون وما الى ذلك , نعم هذا كله صحيح ولكن ألم تكن انت الآمر والناهى فى بداية الحكم ؟ فالموضوع كله كلمات حق اريد بها باطل , فتسيست حروب دارفور واصبحت حروب منظمة لها قادتها واصبح اهل دارفور بين قتيل ونازح ومتشرد ومغلوب على امره وتم ضرب قواعد حزب رئيس الوزراء فى مقتل ولم يشف غليله هذا الفعل بل بين الحين والاخر تنشب صراعات شخصية بينهما ويتم احتواءها ثم تطفو الى السطح مرة اخرى
اترك للقارئ النبيه ان يحدد من هو البطل ومن هو الخائن فى هذا الفيلم الهوليودى , اما كاتب المقال فيرى ان الشعب السودانى وحده هو الخاسر فى صراع الافيال هذا.

حماد صالح
المملكة العربية السعودية المدينة المنورة