بعد تفشي جرائم الخدم في السعودية .. المواطنون ينادون بـ ”بيت بلا خادمة”
“سبق” تسلط الضوء في هذا التحقيق على موضوع العاملة المنزلية، ولماذا تقدم على ارتكاب الجريمة، ونناقش حيثياته، علّنا نعود بالفائدة على ربات المنازل الكريمات وأسرنا المحترمة.
قصص واقعيةضجت وسائل الإعلام بحادثة الخادمة الإثيوبية التي أنهت، حياة مكفولتها في محافظة ميسان – جنوبي الطائف، بضربها بآلة حادة فارقت على أثرها الحياة.
كما قامت خادمة بجدة، بطعن مقيمة سودانية وقتلها، وإصابة شقيقتها، قبل أن تقوم العاملة بطعن نفسها كذلك، فيما باشرت الأجهزة الأمنية الحادثة.
كما اكتشفت سيدة أن طفلها يرفض النوم أثناء وجودها ويشعر بالقلق والخوف، وبعد المراقبة تبين أن الخادمة تقوم بضربه بقسوة عند خروج الأم لتجبره على النوم، حتى لا تقوم برعايته، وهناك عديدٌ من القصص التي تقشعر لها الأبدان، هذه الجرائم وغيرها دفعت عديداً من المواطنين للمشاركة عبر برامج التواصل الاجتماعي وإطلاق حملات توعية وتثقيفية عبر هاشتاق بعنوان “بيت بلا خادمة” وتحذّر من خطر العمالة المنزلية، وتؤكد أن هناك معتقدات قديمة لديهن يتم خلالها تقديم “القربان”.
أرقام وإحصائياتأظهر التقرير السنوي الذي أصدرته وزارة العمل أرقاماً مخيفة في عدد التأشـيرات الصـادرة للعمالـة المنزليـة لعـام 1434 /1435هـ، على مستوى المملكة، فقد استُقدم فيه 714593 عاملا وعاملة منزلية للأسر السعودية.
فيما بلغ عدد التأشيرات الصادرة للأجهزة الحكومية 57007 عمال، كما بيّن التقرير أن هناك أكثر من 65 ألف عامل وعاملة هربوا من كفلائهم؛ منهم 51 % من الذكور و49 % من الإناث، حيث بلغت نسبة الهروب ما يقارب 8 %، وتقدر المبالغ التي خسرتها الأسر السعودية من هروب عمالتها المنزلية حسب القيمة السوقية بمليار ريال.
وتدرس وزارة العمل هذين الموضوعين حالياً في مجلس الوزراء، كما تعمل الوزارة على توقيع اتفاقيات ثنائية مع الدول المرسلة للعمالة المنزلية حسب التفويض الممنوح لها من مجلس الوزراء في هذا الشأن. وتم حتى الآن توقيع اتفاقية بين وزارتَي العمل في المملكة والفلبين، كما تم توقيع اتفاقية مبدئية أخرى مع الهند؛ تمهيداً لتوقيع الاتفاقية النهائية بين وزيرَي العمل في فترة لاحقة.
الوسواس القهريبدورها قالت الأستاذ المساعد في علم نفس بجامعة الأميرة نورة الدكتورة ولاء عبد المنعم العشري، لـ “سبق”: أصبح من الضروري لدى أغلب الأسر وجود العاملة المنزلية بالمنزل لتساعد أفرادها أو ربة المنزل على القيام بالأعمال المنزلية الأساسية، لكن هل تساءل أحدٌ عن القدرات العقلية أو الاستعدادات النفسية لهذه العاملة المنزلية؟ أغلب الناس لا يهتمون بالسؤال عن الحالة النفسية أو الظروف التي تعانيها العاملة المنزلية في بلدها الأم وقبل القدوم إلى البيئة الجديدة للعمل، ونظراً لذلك يحدث عديد من المشكلات التي لا تحمد عقباها”.
وتتابع “أحيانا نجد ونسمع عن حالات عنف شديدة من قِبل الخادمات تجاه الأطفال التي من المُفترض أنها تقوم برعايتهم أو الاهتمام بهم، ويرجع ذلك نتيجة لعديد من العوامل أهمها إصابة العاملة المنزلية بأحد الأمراض النفسية، مثل: الاكتئاب أو القلق أو الوسواس القهري، وقد يكون ذلك إما لأسباب مرضية أو سمات شخصية، أو نتيجة لبُعدها عن أهلها وأسرتها وأحيانا أطفالها، علاوة على أن اختلاف العادات والتقاليد من مجتمع لآخر يؤثر بشكل كبيرفي سلوك شخصية الإنسان، كما قد تكون صغيرة بالسن أو ليست على دراية بالأسلوب الأمثل في التعامل مع الأطفال ورعايتهم”.
بيئة جغرافية وتؤكد “العشري”، أن اختلاف البيئة الجغرافية من مناخ وعوامل جوية أيضاً من ضمن العوامل التي تؤثر في سلوك الأفراد وحالتهم النفسية بشكل كبير، ولعل أبسط مثال على ذلك هو اختلاف المزاج لدى الشخص العادي من الحين للآخر، خاصة وقت تغيُّر الفصول.وكنتيجة لذلك، نجد بعض الخادمات يلجأن لأسلوب قاسٍ في التعامل مع الأطفال أو معاقبتهم وأحياناً لا تدري الأم بذلك؛ نظراً لتهديد العاملة المنزلية للأطفال أو لانشغال الأم عن أطفالها لاعتمادها عليها؛ ما يؤدي إلى إصابة الأطفال بالكوابيس أو التبول اللإرادي دون وجود سببٍ عضوي لذلك”.
وللحد من الآثار السلبية التي يعانيها الأطفال من جرّاء استخدام العنف ضدّهم من قِبل العاملة المنزلية، تقول العشري: “على رب الأسرة التأكد من سلامة القوى العقلية للعاملة المنزلية المقيمة معهم في ذات المنزل وخلوها من الأمراض النفسية أو العقلية، ويمكن التأكد من ذلك عن طريق عرضها على أخصائي أو طبيب نفسي مختص.. فكما يهتم رب الأسرة بالتأكد من خلوها من الأمراض العضوية والمعدية يجب عليه أيضا الاهتمام والتأكد من عدم معاناتها من الأمراض العقلية والنفسية، يجب احترامها والتعامل معها برفق وإعطاؤها وقتاً مخصّصاً للراحة والإجازات، كما يجب ألا تكلف بعمل فوق طاقتها، وأن تكون على تواصلٍ مستمرٍ مع أهلها وأسرتها في بلدها الأصلي، ولا ننسى أنها إنسان له حقوق ولنا في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسوة حسنة في تعامله مع الخدم، ولقد أوصانا الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالرفق بالعامل والخادم”.
معتقدات دينيةويؤكّد الباحث والمختص في علم الجريمة الدكتور فهد بن علي الزهراني، لـ “سبق”: “أن من أسباب دوافع ارتكاب العاملات المنزلية جرائم العنف وقتل الأطفال والسلوك الإجرامي إفرازات اجتماعية تنسجم مع مظاهر السلوك والتفاعلات والعمليات الاجتماعية المخالفة للقيم الاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع، وليس هنالك عامل واحد؛ بل تعدد العوامل في ارتكاب الجريمة، وهناك عوامل أخرى قد تدفع لارتكاب العنف وقتل الأطفال للحصول على اللذة والتمتع بها، وهذا السلوك الإجرامي أخطر أنواع السلوك لدى المجرمين وهو يعرف بالشخصية (السيكوباتية) وهي شخصية مريضة عدائية لا تشعر بالذنب أو القلق ولا تهتم بالنتائج وتنحصر اهتماماتها في اللذة الآنية.. فهي شخصية جوفاء عاطفياً، كما أن الانتقام والأخذ بالثأر عامل آخر لشفاء الغليل وتنفيس الأحقاد الدفينة نتيجة لتعرضها للجور والإهانة”.
وأضاف “أن أغلب العاملات المنزلية يعانين ضغوطاً نفسية، وشعوراً بالدونية والإحباط من قِبل الأسرة التي تعمل لديها، وهذا يولّد العنف تجاه الأطفال والقتل أحيانا والشعور المستمر بالإحباط يؤدي إلى العدوان، كما أن ترك الأطفال مع العاملة المنزلية طيلة الوقت يجلب لها التوتر النفسي والعصبي وتفقد فيه السيطرة على انفعالاتها وعدم ضبطها، ونتيجة لهذا الشعور الناتج من الضغط في علاقتها مع التعامل مع صراخ الأطفال وأداء المهام اليومية من أعمال المنزل بإعداد الطعام وتنظيف المنزل والغسيل وغيره من الأوامر التي لا تنتهي من قِبل أفراد الأسرة”.
“كما يمكن أن تلعب العوامل الثقافية في اختلاف ثقافة العاملة المنزلية، فهي ذات ثقافة بسيطة محدودة من مجتمعات ريفية فقيرة جداً ذات مستوى معيشي بسيط ومحدود، فهي تخرج من أسرتها وقد تكون المرة الأولى التي تخرج خارج بلدها أو حتى قريتها، وبُعدها عن الأهل وعن الزوج والأطفال؛ ما يؤدي إلى شعورٍ بالإحباط والاكتئاب، ومع تزايد الضغط عليها داخل المنزل يجعلها تعيش حالة من التوتر المستمر؛ ما يجعل ردة فعلها قوية في العنف ضدّ الأطفال وقد يصل إلى القتل من أجل الانتقام، وهذا يحدث عند عدم تفهم خطاْ العاملة المنزلية وتوجيه اللوم مباشرةً وقد يكون الرد أحياناً بالاعتداء عليها، وهذا يولد شعوراً بالانتقام والرد، وهذا الرد يكون في الأطفال بتوجيه العنف إليهم لأنهم الحلقة الأضعف”.
التعامل الحسنيطالب “الزهراني” من الأسر بأخذ الاعتبار في الشهور الأولى لعمل العاملة المنزلية لديهم بمراعاة الفوارق الثقافية والاجتماعية، والعمل على تهيئتها نفسياً والتعامل معها بالاحتواء والمعاملة الحسنة النابعة من ديننا الحنيف، الذي أوصى بالتعامل الحسن واحترام آدمية الإنسان وكرامته، ولا فرق بيننا وبينهم إلا بالتقوى، ولا ننسى أنها خرجت من بيتها لتعمل وتحصل على رزقٍ لها ولعائلتها، وهي قد تكون أماً تركت أطفالها الصغار وزوجها من أجل البحث عن لقمة العيش، ونبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – حينما عمل لديه أنس بن مالك، لم يسمع منه كلمة أو ردة فعل، يقول أنس – رضي الله عنه – “خدمت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عشر سنين لم يقل لشيء فعلته لمَ فعلته ولا لشيء لمْ أفعله لمَ لمْ تفعله”.
ويوضّح الزهراني أن أغلب مَن ارتكبن جرائم عنف ضدّ الأطفال وجرائم قتل يشتركن في خصائص عدة، منها: أصحاب أمراض نفسية واجتماعية، قلة الوازع الديني ويحملن معتقدات دينية وخزعبلات وخرافات، ذات ثقافة اجتماعية متدنية ومن بيئة فقيرة، أصحاب سوابق إجرامية.
ومَن لديهن معتقدات دينية تجعلهن يقدمن على ارتكاب العنف، وخاصة القتل بدافع التقرُّب أو بدافع عقدي منبعه معتقد من خرافات وخزعبلات تحملهن على فعل الفعلة الشنيعة.
وأخيراً إن أغلب الأسر الخليجية هي أسر صغيرة تكمن احتياجها إلى العاملة المنزلية أثناء فترة خروج المرأة للعمل، ومن هنا نطلب بفتح دور حضانة في المجمعات التجارية والحكومية والخاصّة والمدارس والجامعات وغيرها حتى نحد من اعتمادنا على العاملة المنزلية كلياً”.
ليست بديلة عن الأمأما المستشارة النفسية وأخصائية علاج إدمان ومعالجة أسرية وزوجية نوال الهوساوي، فقد قالت لـ”سبق”: كل جريمة خلفها دافعٌ مختلف والقاسم المشترك هو الضحية، فالأب لا بد أن يتحمّل المسؤولية فهو رب الأسرة، والزوجة ليست خادمة فأعباء المنزل لا بد أن تقسم بين الزوجين مناصفة”.
وتتابع “الإسلام كرّم المرأة ولا يكلف الزوجة فوق طاقتها فهي ليست ملزمة شرعاً بواجبات المنزل من تنظيفٍ وطبخٍ، والرجال الذين يردّدون شعارات برّاقة أن الإسلام كرّم المرأة، عليهم أن يتذكّروا أن شعاراتهم لا تُسمن ولا تغني من جوع طالما أن الواقع يثبت عكس ذلك، فتجد المرأة تتحمّل فوق طاقتها ما لم يكلفها الله به في حال عدم وجود العاملة المنزلية، مما يؤثر سلبياً في صحتها النفسية لزيادة الضغوط والالتزامات عليها”.
وتضيف الهوساوي “العاملة المنزلية أصبحت ضرورة، ولكن – مع الأسف – كثير من الأسر يسيئون معاملتها فيحمّلونها ما لا تطيق وكأنه نظام سخرة واستعباد، بلا ساعات راحة وترفيه ومكان خاص لائق للنوم والخلوة بهدوء وسلام فتُسجن، ولا يسمح لها بالتواصل مع أهلها رغم أن اتصالها المستمر بأهلها يريحها نفسياً، وهنا أنصح الأسر بالتعرُّف على خادماتهم والجلوس معهن والتحدث إليهن، ومحاولة فهمهن والإحسان لهن تعرفوا على أسرهن وابعثوا لهم زكاة أموالكم وخصوا أطفالهم بالهدايا في الأعياد”.
“وإذا كانت العاملة المنزلية جديدة فلا بد أن يكون هناك برنامج كامل لتدريبها لا يقل عن 3 أشهر تعامل فيها بصبر، ولا تعاقب ولا تترك مع الأطفال دون إشراف لأنها شخص غريب،
ولا بد من منع الأطفال من التطاول على العاملة المنزلية أو الإساءة إليها فبعض الثقافات ترى أنه من الإهانة أن يأمر طفلٌ شخصاً بالغاً، وإن كان خادماً والأولى تعليم الطفل احترام الكبير والاعتماد على نفسه”.
“هناك مَن يعامل العاملة المنزلية بعنصرية ويقرف من الأكل معها فيخرجون للمطعم ويأكلون وهي تنظر إليهم والمفروض ان تطعمها كما تطعم أهلك، ولا توفر مبلغاً زهيداً لا يساوي إهانة كرامة إنسان وإشعاره بالدونية وعدم الانتماء، حاول أن تجعلها تساعدك لأنها تحب أسرتك ليس لأنها مكرهة على البقاء وخير لك أن تهرب خادمتك بدلا من أن تؤذي أطفالك، ويمكن الاستعانة بكاميرات المراقبة بعد إعلام العاملة المنزلية حتى لا يصبح تجسساً عليها”.
وتؤكّد “أن العاملة المنزلية ليست بديلة عن الأم أبداً، ولا بد أن تحرص الأم على تحميم أطفالها وإرضاعهم ومراقبة أي تغيير يطرأ على صحتهم وسلوكهم، كما أن ضرب العاملة المنزلية محرمٌ شرعاً وقانوناً وهو عنفٌ اسري، قد يحدث بسببه ما لا تُحمد عقباه من جرائم وتعنيف للأطفال”.
[/JUSTIFY]
م.ت
[/FONT]