مقالات متنوعة

لا يحدث إلا في السودان


حركة تمرد تقوم بمعاونة دولة أخرى لإحتلال جزء من بلادها له أهميته الإقتصادية الكبرى و تقوم مع المحتل  بالقبض على بعض الأسرى و تعذيبهم و نقلهم إلى أراضي الدولة الأخرى وتشرد السكان و تنهب الأسواق ، و هذه الحركة ، دوناً عن غيرها، هي ذات المرجعية الإسلامية و هي التي يغطيها سياسياً جناح الحركة الإسلامية الذي يزعم بأنه جناح المبادئ الذي خرج من السلطة غيرةً عليها و غضباً ممن يخونونها !!! . فإذا كان هذا هو ما قام به عسكر جناح المبادئ ، فإن سياسييه قد إنعقدت ألسنتهم طوال أيام إحتلال هجليج و هم الذين لهم في كل شأن مهما صغُر قولٌ و قول لا يتأخر أبداً ، و كانوا مرغمين هذه المرة لإنتظار إجتماع قوى تحالف جوبا ليقلِّب النظر فيما فعلت جوبا و لتدور مداولات حول : هل ندين أم لا ؟ هل نغضب أم لا ؟ ثم أتى  البيان/الفضيحة متأخراً (بعد عدة أيام الإحتلال ) و باهت و هزيل لم يعبر عن أي حالة غضب حقيقي لدى هذه القوى مما حدث ، و الغضب الحقيقي له سر غريب يتسرب من بين الكلمات و يفصح عن نفسه بقوة حين يشكل لب أي بيان ، و قد كان سقف غضب قوى الإجماع المتأخر هو هذه العبارة :  ( إدانة الهجوم علي هجليج وإحتلالها ومطالبة حكومة جنوب السودان بسحب قواتها منها فوراً ) ، و باقي البيان يجعل جوبا ترقص طرباً للدرجة التي تجعلنا نتوقع أن باقان نفسه ما كان ليتردد في التوقيع عليه قدر ترددهم !.  لم يتحدث البيان عن دعمه للقوات المسلحة لتحريرها و لم يدن التخريب المتعمد للمنشآت و تشريد المواطنين و نهب منازلهم و أسواقهم ، و حتى كلمة الإدانة هذه تسرب من داخل إجتماعات قوى الإجماع أنها جاءت بعد ولادة متعثرة و ضغوط من حزب الأمة . و قد أثبتت هذه القوى أنها لا تنشغل  بالأحداث إلا من وجهة نظر مصلحية بحتة : كيف يمكنني الإستفادة من أي حدث لأقصى درجة ؟ هذا هو السؤال الذي يراوغ ليتخفى و لكنه يأبى إلا أن يسفر عن وجهه عند تحليل ردود الأفعال و قياسها و معرفة الرسالة الأخيرة لها و تمييز متنها من هامشها ، غثها من سمينها ، ما تنشغل به و ما تمثِّل الإنشغال به . و ذلك يظهر في تعليق الأمين السياسي للشعبي.  إذ قال ( إن اعتداء جوبا على هجليج أضر نسبياً بالمعارضة في الشمال، لكنه أكسب جنوب السودان قرار مجلس الأمن رقم 2046 الذي أرغم حزب المؤتمر الوطني الحاكم للعودة إلى المفاوضات في أديس أبابا ) !!! فهو يعترف بأن احتلال هجليج قد أضر بهم و لم يشرح كيف و لماذا ؟! و لكنه وجد العزاء في أن فيه مصلحة لجوبا تمثلت في القرار الدولي !!! .. و أتت الطامة الكبرى من المحبوب عبد السلام بإجابته على سؤال لأحد الصحفيين في حوار أجراه معه : هل تقصد أن الخرطوم تمارس تصدير الأزمة إلى الخارج بافتعال الحرب..؟ فكان جواب المحبوب (ـ هم يجتمعون في الأزمات الكبيرة ويوظفون أكبر قدر من طاقتهم للخروج منها، كما حدث في الحرب على “هجليج”. ما حدث في هجليج أن قوات “الجبهة الثورية” بما فيها “حركة العدل والمساواة” احتلت المنطقة. وبسبب الصراعات داخل حكومة الجنوب نسب الأمر إليه، كان يريد “مساومة” هجليج بمنطقة “أبيي”، فتعقد المشهد الداخلي على قوى المعارضة. اجتمع أهل الحكم لإحالة الهزائم والفشل إلى انتصارات، عبأوا الشعب ونجحوا في ذلك، وحين تنقشع الأزمة يعودون إلى صراعاتهم الداخلية ) !!!! لم يهتم المحبوب لمشاركة العدل و المساواة و الجبهة الثورية بكاملها في الإحتلال و قبولها بتوظيف هجليج  في الصراعات داخل حكومة الجنوب و قبولها بأن يتم احتلال هجليج و تخريبها ليتم مساومتها بأرض سودانية أخرى ” أبيي” ، فهذا لا يعلق عليه و لا يستنكره و إنما هو ينشغل فقط بأن أهل الحكم سيعودون لصراعاتهم بعد إنقشاع الأزمة !!! . يظن المحبوب أن روايته تلك تخدم الخط الذي يدعمه و هي في حقيقة الأمر تضاعف الإدانة له .