رقاقات إلكترونية تشتغل بتقنية تردد الراديو التعريفية
ستقلب تقنيات نظام التمييز الإلكتروني أو ما يعرف بتقنية تردد الراديو التعريفية “Radio Frequency idetification” في الرقاقات الإلكترونية مجريات حياتنا اليومية رأسا على عقب، بحيث تجعلها سهلة وأقل تعقيدا وأكثر غنى وحرية، إن لم تغد معه أكثر أمنا وأجدى فعالية وذات إنتاجية عالية.
مما يجعل هذه التقنية لأول مرة في تاريخ البشرية، تأتي في صدارة كل التقنيات التي عرفتها البشرية من حيث كم وكيف الإيجابيات. لذلك يكفي أن نغمض أعيننا قليلا ونتخيل عالما خاليا من التزوير والغش والتدليس، بحيث تغدو القرصنة والسرقة والتزييف عمليات غير ممكنة.
فضلا عن قدرة اقتفاء آثار الأفراد والبضائع أينما حلوا وارتحلوا. بالإضافة إلى عالم تُفتح فيه الأبواب والمنازل آليا، عالم خال من ثقل التدابير الإدارية وتكرار الآليات اللوجستيكية والأرشفة والتوثيق والإحصاء والتبويب، بحيث نستطيع تحديد مصدر المواد والموارد وتخزينها وحماية البيئة بطريقة بالغة السهولة، كما الحصول عليها بسرعة متناهية… مما يوفر معه فائضا في الوقت والقيمة.
وحدُّ السؤال أن نبدأ بتعريف هذه التقنية وكيف ظهرت ومتى؟ ولماذا تصلح؟ وما هي إيجابياتها وسلبياتها إن أمكن؟
إذ يتبادر إلى الذهن أنه يكفي استغلال تقنية نظام التمييز الإلكتروني أو أنظمة تردد الراديو التعريفية عن طريق الموجات الكهرومغنطيسية للاتصال أو نقل الإشارات والمعلومات عبرها بدون حاجة إلى أسلاك ” أي لاسلكيا” في كل المواد.
فيما يتم استغلال ترددات الراديو ـ التي هي عبارة عن إشعاعات كهربائية متماسكة للطاقة ـ وجعلها مفيدة في أغراض الاتصال والشحن والنقل والتعرف على الأشياء وقياس كمياتها.
علميا إن التردد الراديوي هو ذلك التردد الذي يكون فيه الإشعاع الكهرومغنطيسي المترابط للطاقة مفيدا في الاتصالات، وهو بصورة تقريبية المدى يتراوح بين 10 كيلوهرتز و100 جيهارتز.
أما إذا أضفنا إليه خاصة التعريف والالتقاط، فسيكتسب آليات إثبات الشخصية والتعيين والتمييز والتعرُّف من بعد أو عن قرب.
ومن ثم تصبح هذه التقنية نظاما تستعمل فيه إشارات راديوية نبضية تستجيب لها تلقائيا المعدات والتجهيزات والبطائق والمواد عن طريق بث شفرة نبضية. وبذلك تميز نفسها وتعرِّفها.
إذ أن تردد الراديو هو تردد يصبح عنده الإشعاع الكهربائي المغنطيسي المتماسك للطاقة مفيدا للاتصال، بحيث حددت لجنة المواصلات الفدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية الترددات الراديوية على الوجه الآتي: تردد منخفض جدا تحت 30 كيلوسيكل وتردد منخفض من 30 إلى 300 كيلوسيكل وتردد متوسط من 300 إلى 3000 كيلوسيكل وتردد عال من 3 إلى 30 ميغاسيكل وتردد عال جدا من 30 إلى 300 ميغاسيكل وتردد فوق العالي من 3000 إلى 30000 ميغاسيكل وتردد بالغ العلو من 3000 إلى 30000 ميغاسيكل.
ولنفتح أعيننا من جديد، ونمد أيدينا، لأن هذا العالم الجديد بدأ يلوح في الأفق ما دام التقدم التكنولوجي جعل المستحيل ممكنا وما كان في تعداد الخيال واقعا، بحيث نجد رقاقات ذكية في غاية الصغر، ليست أكبر من حجم شعرة صغيرة، لكنها قادرة أن تضم في محتوياتها آلاف الكتب والمجلدات، بحيث تتبادل مئات الملايين من المعلومات مع محيطها عبر إطلاق ترددات راديوية تتم عبر الموجات والذبذبات.
ومن ثم يتنبأ الخبراء بأن استعمال رقاقات أو شرائح تعمل بفضل تقنية تردد الراديو “Radio frequency” الإشعاعية، سيغرق العالم في أمد قصير، بحيث سيعمم في بطاقات الهوية وجوازات السفر ووسائل النقل وبطائق الائتمان والأداء البنكي والسلع … في انتظار وضع بطائق ملصقة على ملابسنا والمواد الغذائية والمعلبات والكتب، إن لم نغرسها في جلد الإنسان ذاته.
الأمر الذي يعني بأننا دخلنا عصرا جديدا، أهم سماته بأنه فضلا عن تواصل الأفراد، ستتمكن الأشياء من التواصل فيما بينها على الرغم منا، حيث لا يتورع معارضو استعمال تقنية تردد الراديو التعريفية من التحذير من مغبة ذلك. فضلا عن التلويح باستفحال الرقابة التقنية في حياة الإنسان عن طريق التقنية، إن لم يكن ذلك مقدمة للحد من حرية الأفراد.
أما الفريق الثاني من جمهور المناصرين، فإنه يعتبر بأن المشكلة لا تكمن في التقنية بقدر ما تكمن في ما يفعله الإنسان بها… هل كان بالإمكان أن نمنع استعمال الطباعة أو الإنترنت تحت ذريعة بأنها ستحتوي على نظريات وأيديولوجيات مقززة؟
ثم هل كان بالإمكان أن نستغني عن العجلة بدعوى أنها تساهم في نقل الأسلحة فضلا عن استعمالها في الحرث أو التجارة والسفر؟ لذلك نحن مدعوين إلى عدم التضخيم في تداعيات التكنولوجيا الجديدة بطريقة مرضية.
هذا في الوقت الذي نؤكد بأنه لا ينبغي إعفاء رجال الصناعة والابتكارات من المسؤولية بحال من الأحوال، لاسيما أنه لا يمكن لأي أمن منشود أو رغد في العيش يبرر التضحية بالحرية.
بحيث إن تعميم استعمال رقاقات تعريف راديوية تُعبد الطريق في نظر البعض أمام المراقبة الشاملة. وذلك بدعوى استعمالها في محاربة الإرهابيين. غير أن هؤلاء، هم أول من يسعى إلى التحكم في هذه التكنولوجيا وتجنب مفازاتها.
لذا إن حجج المدافعين والمعارضين لا تخل في هذا المضمار من المصداقية والشك معا، وبالتالي ما هو الجدير بالثقة؟ وكيف يمكن أن نشق طريقا وسطا بين الموقفين المتعارضين؟ وما هو السبيل إلى ذلك علميا؟
والواقع أن المنهجية العلمية تقتضي بداية استعراض حجج الفريقين، ناهيك عن طرح نفس الأسئلة المحرجة على الفريقين معا، بحيث يجيب كل طرف على اعتراضات منتقديه حتى نتمكن من استكشاف جوانب مخفية أو مسكوت عنها من الحقيقة عبر وضع الحجة مقابل الحجة الأخرى ومنطق هذا مقابل منطق ذاك.
ويرجع اكتشاف تقنية تردد الراديو إلى الأبحاث الدفاعية مثلها مثل الإنترنت، بحيث نجد أولى استعمالاتها قد انحصرت في التعرف على الصديق عبر نظام تستعمل فيه إشارات راديوية تستجيب لها تلقائيا المعدات والتجهيزات التي تحملها قوات صديقة عن طريق بث شفرة نبضية، وبذلك تميز نفسها من قوات العدو.
وكانت في الحربين العالميتين طريقة تعيِّن بها الطائرات والسفن أو القوات الأرضية الهوية الصديقة أو غير الصديقة للطائرات والسفن ووحدات الجيش الأخرى. فالألمان واليابانيون والأمريكيون والبريطانيون كانوا يستعملون الرادار الذي اخترعه روبرت ألكشندر واتسون ـ وات للتحذير من اقتراب طائرات على بعد عشرات الكيلومترات، لكن لم يكن لديها آنذاك أي وسيلة لمعرفة هل هي تابعة للأصدقاء أم الأعداء.
لذا طور البريطانيون أول نظام تعريف نشط “friend or foe” =”صديق أم عدو”, بحيث جهزوا طائراتهم بجهاز مخصص للاستجابة لذبذبة رادارية يرسل إشارة تعريفية عندما يلتقطه الرادار ويحاول التعرف عليه.
ثم ما لبثت الحكومة الأمريكية أن طورت نظاما تردد الراديو من أجل التعرف على أصل وفصل المعدات النووية وتحديد مكانها. ذلك أن براءات الاختراع الأولى تم توثيقها في سنوات السبعينات وفي الثمانينات، ثم ما لبثت أن انتقلت في استعمالات مدنية في نهاية تسعينات القرن الماضي في تأدية واجبات المرور في الطرق السيارة والأنفاق والجسور، ثم تم استعمالها في أنظمة تحديد هوية الماشية والآن يتردد استعمالها في الوثائق الرسمية لإثبات الهوية.
لكن كيف يمكن تعريف تقنيات نظام التميز الإلكتروني أو ما يعرف في الأدبيات العلمية بتقنية تردد الراديو التعريفية”RFID” أو أنظمتها؟ بحيث ليست هناك تقنية وحيدة اليوم، بل تقنيات أنظمة تردد راديوي تعريفية كثيرة تتمحور على التكنولوجيات الآتية:
- أنظمة تعريف أو تعارف، بخاصة منها التي تحمل أرقاما أو شفرات تقوم على مبدأ وحدة تعيين المعرِّف ” رمز يحدد قدرا من المعطيات”.
- تقنية تردد الراديو التعريفية أو التعارفية بوصفها تقنية التقاط آلية للمعلومات في اشتراك مع لواقط لاسلكية.
- أنظمة المعلومات وأنظمة معالجة المعلومات.
التعريف المرموز
والواقع إن ممارسة التعريف نشاط قديم مثله مثل النقوش، الكتابة والرياضيات، بحيث تمثَّل بداية في إسدال صفة على شيء ما، أو منحها تعريفا معينا، فضلا عن وضع علامة عليه تميزه عن غيره في الأخير.
ومن ثم كان الترقيم في البداية أبجديا أو حسابيا هما الوسيلتان التي بفضلهما يمكن تسمية كل شيء على حدة، لاسيما عندما تكون أحجام ما ننتج أو أعداد ما نحسب كبيرة وكثيرة.
بحيث تم خلق كثير من بطاقات التعريف والجذاذات التعريفية في المدنية الحديثة استجابة لمتطلبات التدبير الإداري التي ظهرت مع علوم جديدة مثل علم الإحصاء وعلم التدبير والإدارة، والتي تم تطويرها اليوم بفضل المعلوميات وأنظمة المعالجة.
وبالتدريج مع تطور الصناعة، أصبحت اهتمامات التدبير الإدارية الواسعة النطاق الموكولة في السابق للدولة، أصبحت أيضا من صميم عمل المقاولات والشركات، بحيث إن إشكالية تعريف وضبط هوية المواد عبر شفرات “GS1” التي تخص مواد استهلاكية مُوضَّبة ومصنفة أو استعمال الأرقام التسلسلية ”ISBN” من أجل ترقيم الكتب للتعرف عليها وتسجيل آثار تدفق السلع، لم يعد نادرا بل شائعا.
والحال أن ذلك بدأ العمل به منذ السبعينات من القرن الماضي، حيث ظهرت أول أنظمة التعرُّف على مرجعية منتوج، بخاصة على المراحل التي يمر بها إنتاج البضائع في أي سلسلة لوجستيكية، ثم تسهيل المرور بصندوق الأداء في الأسواق التجارية، فضلا عن تدبير المخزون من البضائع.
ثم ما لبثت أن تعممت هذه الشفرات أو الأرقام على جميع التطبيقات اللوجستية في ظرف ثلاثين سنة، إن لم تصبح شيئا مألوفا في واقعنا اليومي، لاسيما أنها أصبحت على واجهة جميع أشياء الحياة اليومية حاملة أرقاما أو شفرات ـ رموزا ـ مُسطَّرة.
وبالتالي أصبح للمُعرِّف المرموز أبجدية رقمية، تخضع لمعايير تفهمها أنظمة المعلوميات، وهي تمتلك صفة مميزة تضمن التعرُّف عليها دون غيرها.
تقنيات الالتقاط الآلية للمعلومات
يأتي استعمال تقنية تردد الراديو التعرفية كتتمة لما بدأ في السابق في تقنيات الالتقاط مثل الشفرات المسطَّرة ”codes à barres” الموضوعة على السلع، البطائق الممغنطة، التعرف عبر الصوت أو القياس الإحيائي ” التعرف بواسطة استعمال خصائص جسدية كالبصمات، شكل أو قسمات الوجه أو شبكة العين”، بحيث تخضع للوسائط المعلوماتية التي تمكن أنظمتها من التقاط بعض سمات وخصائص الأشياء أو الأشخاص من أجل التعرف عليها، كما أتمتة اتخاذ القرارات أو ضبط صيرورتها.
ففي مثال التدبير اللوجستيكي تتيح الشفرات المسطرة من مختلف الأنواع التقاط المعلومات الخاصة بالبضائع، مستغنية بذلك عن معالجتها بطريقة يدوية كما كان يتم في السابق. وإذا كانت الشفرات المسطَّرة “codes à barres” تتيح هذه المعالجة بطريقة آلية، فإنها تشترط وضع لوحة بصرية تقرأ الشفرة.
وهو ما يقتضي مرونة دقيقة من المحرك أو الذي يجري هذه العملية. لذا يتوقع من استعمال تقنية تردد الراديو التعريفية بأن تتجاوز حدود الشفرات المسطرة وأخطائها.
ومن ثم تنقسم تقنية نظام التمييز الإلكتروني أو ما يعرف بتقنية تردد الراديو التعريفية “Radio Frequency idetification” إلى نظامين:
- يكمن النظام الأول في بطاقة ذات قياس ترددي، تحمل رقاقة إلكترونية ـ أو شريحة ـ مجهزة بهوائية أو جهازا مخصصا للاستجابة لذبذبة راديوية، بحيث يوضع الجميع على مسند من البلاستيك شكله وعرضه متفاوت بحسب التطبيقات المراد منه.
كما أن البطاقة يمكن أن تكون مجرد بطاقة ملصقة على كرتون أو كبطاقة من النسيج مدمجة في اللباس أو كبسولة يتم حقنها في جسم حيوان. فالرقاّقة الإلكترونية التي بالكاد نراها بالعين المجردة، تحمل معلومات تعريفية، فيما تحتل الهوائية التي تختلف في الشكل والطول بحسب تطبيقاتها مجمل الركيزة, بحيث يمكن للمجموع أن يوضع على منتوج أو يحقن في جسم أو يدمج في عضو أو تتم خياطته على لباس ما.
- أما العنصر الثاني من تقنية تردد الراديو التعريفية هو الآلة القارئة التي بوسعها قراءة الرقّاقة بواسطة إرسال إشعاع راديوي، فيما يمكن في حالة بطاقة تردد راديو تعريفية غير نشطة لا ترسل إشارات عبر بطارية محمَّلة، التقاط الإشعاع عبر هوائية تنقلها إلى الرقاقة التي ترسل المعلومة باستعمال المجال المغناطيسي الذي تحدثه الآلة القارئة.
بينما في حالة الرقاقات الإلكترونية الحيوية التي تتوفر بحوزتها على طاقة داخلية، فإن الرقاقة قادرة على أن ترسل باستمرار ذبذباتها دون الحاجة إلى وجود آلات قارئة.
لكن هذه الرقاقات ـ الشرائح ـ الإلكترونية إن كانت ذات حجم كبير ولها معدل حياة محدود، فإنها عكس الرقاقات غير النشطة، قوية الإرسال بفضل توفرها على هذا المصدر من الطاقة، بحيث يمكن أن نقارن بين العديد من الرقاقات الإلكترونية، بحسب طاقتها التخزينية وتنوع مناطق المعلومات التي بداخلها، أو قابليتها للشحن من جديد أو بحسب تعطيل الوصول إلى معطياتها ومستوى الأمن الذي تحظى به معلوماتها.
فمجالات الترددات الإشعاعية المستعملة من طرف تقنيات أنظمة التمييز الإلكترونية أو تقنية<< تردد الراديو التعريفية>> متنوعة.
فيما أن خواص الذبذبات مختلفة بحسب طيف الراديو المستعمل، منه على سبيل المثال أن بعض أنواع الذبذبات قادرة أن تبث على مسافات طويلة، كما أن بعضها له قابلية أن يجتاز الحواجز أحسن من أخرى.
بينما هناك أخرى لا يمكنها التحرك إلا في مسافات قصيرة، لكنها ذات فاعلية كبيرة في أي محيط سائل أو حديدي قد يمتص ذبذبات أخرى. لذلك ثمة بروتوكول خاص للبث في خمس مناطق ترددية حول مجموع الطيف ” منخفضة أو عالية القياس”، تم نمذجتها على الصعيد العالمي من أجل إتاحة استعمال تقنية تردد الراديو التعريفية في استعمالات شتى.
ومهما كانت القدرات الخاصة بشرائط الذبذبات وحسن مطابقتها مع بعض الاستعمالات، فإنه لا ينبغي أن ننسى بأن ذبذبات الراديو هي موارد نادرة. لذا فإن استخدامها في استعمال مُوجَّه كتقنية تردد الراديو التعريفية عبر الشرائط جد مطلوب، لكنه ليس سهل المنال، بل إنه حتى في حالة التمكن من ذلك فإنه يتم في ظل شروط بث ضعيفة جدا وضمن وقت محدود.
ومن ثم تُقلص هذه الصعوبات إنجازات التكنولوجيا إلى حد كبير، لاسيما أن الأوروبيين فرضوا قيودا كبيرة حول استعمال ذبذبات شرائط “UHF” ما بين 860 ميغاهرتز و960 ميغاهرتز، ما يجعلها أقل قدرة من مثيلتها الأمريكية في المجال اللوجستيكي، حيث تقتضي قراءة أحجام الأشياء الكبيرة والمتحركة من بعد متر أو ثلاثة أمتار.
فيما إن شريط “HF” ب 13،56 ميغاهرتز فهي موجودة عالميا في تقنيات تردد الراديو التعريفية والقراءة بدون تماس، حيث يمكن قراءة الرقاقة الإلكترونية عن بعد عشرات السنتمترات وسط محيط صعب ” صلب أو سائل”.
ومن ثم إن فوائد تقنيات أنظمة التمييز الإلكترونية أو ما يعرف بتقنية تردد الراديو التعريفية بالنسبة للشفرات المسطرة كثيرة ، نذكر منها بأن هذه التقنية قادرة على التقاط أي معلومة، بمعنى أننا في غير حاجة كي نضع الرقاقة أو الشريحة الإلكترونية بجانبها ” مكانها” من أجل قراءتها والتعرف عليها.
فالقراءة التلقائية عبر الإشعاع الإلكتروني تتيح قراءة آنية لكل المواد المسجلة، ما يجعل وظيفة القراءة ذات مردودية متزايدة كما وكيفا، بحيث يتم التعرف على الأشياء حال حضورها وتواردها، وبالتالي يكون وضوح الرؤية أكثر فأكثر، ما يسهل الحصول على معلومات الأشياء وقت تدفقها وفي حينها.
هذا في الوقت الذي تستطيع تقنيات تردد الراديو التعريفية أن تحتوي على أكبر قدر من المعلومات، يفوق ما تستطيعه الشفرات المسطرة، ومن دون الحاجة إلى الرفع في حجمها.
كما تستطيع أنظمة التمييز الإلكتروني عبر تقنية تردد الراديو التعريفية استعمال شفرات تعريفية في كل بضاعة على حدة، بحيث لا يغيب عنا في السابق أننا كنا نتعرف فقط على مرجعية المنتوجات المتشابهة التي تحمل رقما تسلسليا واحدا.
بيد أن اللجوء إلى التقطيع التسلسلي عبر الترقيم الإلكتروني داخل نفس نظام المنتوجات، يمكِّن من التعرف على كل بضاعة على حدة، لاسيما أننا أصبحنا قادرين على التعرف على كل الحواسيب الإلكترونية والتفريق بينها بالرغم من كونها متشابهة وتنتمي إلى نفس النموذج، ما يضاعف من قدرات اقتفاء آثار جميع ما نتداوله من أشياء في حياتنا اليومية.
علاوة على أن الرقاقة أو الشريحة الإلكترونية لا تعدم فائدة أخرى تندرج في كون، إدماجها في صلب المادة التي تود تعريفها وتمييزها ممكن جدا. ما يضمن لهذه المادة وجودا يتطابق مع وجودها الفعلي.
كما أن إدماج الرقاقة أو الشريحة في صلب أي مادة يسهل تتبعها واقتفاء آثارها أينما حلّت وارتحلت زمانا ومكانا، ناهيك عن التعرف عن كثب على جميع عناصرها وتركيبتها الدقيقة طوال مدة حياتها، بينما يلاحظ بأن أعمار بطائق الشفرات المسطرة محدود في الزمن.
علاوة أنه من السهل إشراك تقنية التمييز الإلكتروني عبر تردد إشعاعات الراديو التعريفية مع لاقطات سلكية أو لاسلكية ـ ما يمكن من التقاط معلومات أخرى خاصة بالمحيط كالحرارة والحموضة والرطوبة والحركة. الأمر الذي لا يسمح بالتعرف عليها فحسب، بل على معطيات محيطها القريب منها.
هكذا مثلا، إن لاقطات الحرارة يمكنها بسهولة وضع الحرارة المطابقة والمرجوة في خزانات التبريد عندما تنقل بضائع طرية أو مثلجة. فيما تظل الفائدة الكبرى تكمن في إمكانية الحصول على جميع المعلومات في ظرف قياسي على الشبكة.
وإذا كانت الرقاقة الإلكترونية لا تحمل إلا رقما تعريفيا وحيدا يتيح تمييز الشيء المرقَّم، فإنه من الضروري تسجيله لكي يتم الوصول بيسر وسهولة إلى المعلومات الخاصة به. فرقم التعريف ” أبجديا أو رقميا” هو بمثابة مفتاح الفهرس للوصول إلى قواعد هذه المعطيات. ومن ثم يمكن جمع قواعد هذه المعطيات وتدبيرها باستقلالية من طرف مستعملي هذا الشيء.
وهو ما نراه عادة في الأسواق التجارية حيث أن شفرة البضاعة تستعمل كمفتاح فهرسة في قاعدة المعطيات الداخلية، ما يمكن من تدبير المخزون ومعرفة الكمية الباقية من البضائع في المستودعات.
غير أنه يمكن استعمال الشفرة أيضا للوصول إلى قواعد معطيات متعددة، حيث تتوفر كل واحدة منها على جزء من المعلومات موضوعة رهن إشارة شركاء آخرين: منه ما نراه مثلا في لائحة القوائم المدرجة على مواقع الشبكة، ما يمكن أن يصل إليها سائر الزبناء.
وبالتالي تصبح تقنيات الشبكة واقتسام المعلومات الخاضع لبروتوكول الإنترنت، كلها أجزاء مدمجة في أنظمة تقنيات تردد الراديو التعريفية.
بيد أن المستوى الجديد والراديكالي الذي تقدمه المزاوجة بين تقنيات تردد الراديو التعريفية وتقنيات الاتصال كشبكة الإنترنت، يتجلى في إمكانية تخزين واقتسام رؤية تدفق الأشياء في وقتها الحقيقي، ما دام أن كل حدث أو بضاعة أو أي شيء مرتبط برقم تعريفي.
ومن ثم إن التقاط حركة أي شيء من قبل تقنية تردد الراديو التعريفية، يُسهل تسجيله في بنوك المعطيات، مما يجمع بين الشيء ومحيطه. فضلا عن كون هذا التسجيل يتيح تحليله وتدبيره في أدق جزئياته: مكانه، اتجاهه، طبيعته، كميته، وزنه، طوله، لونه…إلخ.
ذلك أن الجمع بين شبكات المعلومات وتقنيات أنظمة التمييز الإلكتروني عبر تقنية تردد الراديو التعريفية، يسفِر عن رؤيتين مختلفتين، غير أنهما يكملان بعضهما بعضا في تطورهما.
1-إن الرؤية الأولى خاصة بالإنترنت حيث توفر الشبكات معلومات عن العديد من المعلومات، المواضيع والأشياء، لكن << إنترنت الأشياء>> هو عبارة عن مجال جديد يشمل الأشياء والأمكنة في عالمنا الواقعي. فالإنترنت في صيغته الحالية لا يتسع كي يشمل عالما غير العالم الإلكتروني.
لذا إن هدف << إنترنت الأشياء>> هو أن يتسع لكي يتم الربط بين الإنترنت والعالم الحقيقي عبر بطائق إلكترونية تحمل شفرات مسطرة أو “URLs” للأشياء والمواد أو الأمكنة. أي ما يطلق عليه بـ Uniform Resource Locator = localisateur uniforme ”، بالعربية <<العناوين الكونية>>.
إذ يمكن قراءة محتوى هذه البطائق من قبل جهاز متحرك لاسلكي للحصول على معلومات هذه الأشياء وأماكنها وإعلانها.
الأمر الذي يذكر بأنه تم تطوير هذه الرؤية بالفعل من قبل المجموعة الصناعية “EPCglobal” في سنة 2003، بخاصة من قبل كيفين أشتون ” مدير مركز “AutoID Center”” وسانجاي سرما أستاذ بمعهد ماساشوسيت التقني الشهير.
2- أما الرؤية الثانية فهي مستقبلية وبالغة التعقيد، كونها تتطلع إلى تحقيق أعتاب ثورة جديدة: ففي غضون عشرين سنة المقبلة سيكون أعداد المُبحرين في شبكة الإنترنت مهما ارتفعت أعدادهم صغيرة بالقياس إلى حجم وأرقام الأشياء التي يمكن أن تتواصل بينها عبر الاتصال الإلكتروني.
إذ يكفي الرجوع إلى تقرير الاتحاد العالمي للاتصالات السلكية واللاسلكية في سنة 2005، تحت عنوان << إنترنت الأشياء>>. سنرى كيف ستظهر خدمات جديدة، منها مثلا أن أجهزة التبريد والتسخين سيكون بوسعها تبادل المعلومات مع رفوف الأسواق التجارية، فيما أن آلات الغسيل يمكن أن تفعل نفس الشيء مع الملابس، بحيث تتواصل هذه الأخيرة مع محيطنا وتضبط إيقاعها طبقا لواقع الحال.
ومن ثم إن الربط بين العالم الافتراضي الخاص بالإنترنت ” الذي يطلق عليه أيضا << إنترنت الأشياء>>” والعالم الواقعي، ممكن جدا،لا سيما أن تبادل المعلومات والتفاعل بينهما له علاقة مع ما طوره الباحث مارك ويزر وأطلق عليه: << معلوميات دائمة الحضور>> “informatique ubiquitaire”.
إجمالا إن هذين الرؤيتين غير متعارضتين، بل يمكن القول بأن إنترنت الأشياء مرحلة ضرورية نحو << معلوميات دائمة الحضور>>، ستمكننا من مخاطبة الأشياء الموصولة فيما بينها إلكترونيا.
وهو ما يندرج في ما أعلنته فيفيان ردينغ المندوبة الأوروبية في مركز “CeBIT” في مدينة هانوفر سنة 2006، بأن << الربط بين نظام غاليليو الفضائي ونظام الاتصال بدون أسلاك من جهة، وتقنية نظام التمييز الإلكتروني عبر تقنية تردد الراديو التعريفية والذكاء الاصطناعي من جهة أخرى سيخلق هندسة ذكية، بحيث يمكن لأي شيء أن يكون له عنوان في شبكة الإنترنت، مما نتوجه معه نحو انصهار بين عالم المعطيات وعالم الأشياء>>.
وبالتالي فإن مستقبلا من هذا النوع سيجمع بين شبكات غير مرئية لرقاقات وشرائح إلكترونية تتواصل فيما بينها، دون أن نعي حقيقة ما يجري بينها.
استعمالات تقنيات التمييز الإلكتروني
يمكن القول بأن هذه التقنيات ستقدم خدمات جليلة للمجتمع بصفة عامة والشركات بصفة خاصة، فاستعمال الرقاقات أو الشرائح الإلكترونية في هذه التقنية يحقق تطورا هاما في مجال مكافحة التزوير والغش.
كما يساهم في ميدان الصحة العمومية بخدمات لا تعد ولا تحصى. لكن مساهمتها الأساسية تتجلى في قدرتها الواسعة على التعرُّف وتسجيل أي موضوع من ناحية، ثم الربط بين المعطيات الخاصة به في بنوك المعلومات، ما يسهل عملية معالجتها والتصرف فيها من ناحية أخرى.
وهو ما ينذر بتطبيقات شتى لهذه التقنية في الأمد القريب والمتوسط، نذكر منها على سبيل الحصر، ما يخص الشركات وتدبيرها لمواردها البشرية وما يتعلق بحماية البيئة مثلا.
فالشركات تواجه يوميا العديد من الصعوبات، بخاصة منها ما يتعلق بصيرورة الإنتاج والتخزين والنقل وتوزيع منتوجها في الأسواق، فهي مطالبة دائما بالاستجابة لطلبات زبائنها واحترام القوانين الجاري بها العمل.
فضلا عن ضمان جودة البضائع المقدمة للاستهلاك. لذا نرى أنها فهمت مبكرا أكثر من غيرها جدوى استعمال هذه التقنيات، فالتعرُّف على منتوج من خلال وضع بطائق ملصقة عليه تحمل أرقاما، يتيح لها معرفة كمية المواد المصرفة وتسلسها الزمني في دورة الإنتاج ثم صلاحيتها الزمنية، بحيث تتوفر لها معطيات غنية من المعلومات، يساهم في فاعلية اقتصادها.
وإذا تأملنا تقرير “Aberdeen Research” الذي تم نشره في سنة 2007، سنرى أن 38 %من الشركات التي تستعمل تقنية تردد الراديو التعريفية “Radio Frequency idetification” تحسن من كلفة المصاريف وتكون قدرتها التأمينية موثوقة.
لكن الفائدة الكبرى تأتي من استعمالها في شبكات التوزيع التجارية، بحيث تلجأ إلى استعمال الشفرات المسطرة على أكياس السلع أو وضع أرقام مشفرة على كل سلعة، يسهل معه معرفة الكمية المباعة منها، ناهيك عن ضبط عمليات التخزين في المستودعات والكمية الموجودة في المتاجر عبر مدار الساعات تباعا.
مما يتيح ربح وقت هام في العمليات التجارية بدءا من خروج البضائع من المصنع وصولا إلى رفوف الأسواق ومرورا بنقاط التوزيع وشبكات النقل. ناهيك عن معرفة الكميات التي لم تبع وعدد المرجوعات فضلا عن حصر الأرقام التالفة منها، كما نقاط البيع أكثر رواجا…
مما يجعل من إلصاق بطاقة عبر تقنية تردد الراديو التعريفية عاملا مهما في زيادة الإنتاجية، لأنها تساهم في تصريف ما تبقى في المخازن من بضائع والاستجابة للطلبات الآتية من متجر دون آخر. علاوة على التحكم في مسار تسريع وتيرة نقل البضائع وتسجيلها والتأكد من وصولها للمخازن والرفوف ثم سلامتها.
وهو ما نلمسه على سبيل المثال من سرعة في توزيع الرسائل التي تحمل بطاقات رقمية ملصقة، ما يتيح تتبع مسارها بدءا من نقطة الإرسال حتى نقطة الوصول والتأكد من وصولها من عدمه.
وتساهم هذه التقنية الجديدة في المحافظة على البيئة، بخاصة أنها تُقلِّص من وقت انتظار الشاحنات وربح الوقت أمام أبواب المصانع وفي الطرقات والموانئ، بحيث تسهل كثيرا عمليات نقل البضائع وتسجيلها.
كما يمكن أن نشير بأن شركات “Marks & Spencer” في انجلترا وشركات “Kaufhof” في ألمانيا عندما عمدت إلى وضع بطاقات ملصقة تشتغل بهذه التقنية على الملابس، سهَّل التأكد من وجود كل أنماط القماش المطلوبة وتوفر الألبسة في الرفوف ” جميع الألوان والمقاسات…” بمقادير كافية تناسب جميع الأذواق.
ثانيا، إن استعمال هذه التقنية في مترو الأنفاق يساعد على معرفة حجم تدفق المسافرين وكمياتهم واتخاذ التدابير اللازمة التي تسهل عملية تنقلهم، فضلا أن موزع الكتب الهولندي ”Boekhandels Nederlands=BGN” عمد إلى وضع بطائق تشتغل بتقنية تردد الراديو التعريفية في جميع الكتب، فكانت النتائج جد باهرة، بحيث مكّن ذلك من معرفة دقيقة لرغبات القراء من خلال تصفحهم للكتب عبر جدولة يومية تساهم في التعرف على رغبات القراء ووضع الكتب المناسبة والمطلوبة على واجهة الرفوف.
ويمكن أن نوجز إيجابيات هذه التقنيات ومساهمتها في وضوح عمليات التوزيع والنقل والتحكم في تدفق البضائع بنجاعة وفعالية، فضلا عن كونها تساهم في التحكم في سيرورة الإنتاج بجميع حلقاته.
كما التأكد من وجود كميات مناسبة من قطع الغيار على نحو يمكن القول معه بأن هذه التقنية تساهم في التعرف على موضوعاتها وتتبع جميع خطواتها وتنقلاتها من مكان إلى مكان دون الحاجة إلى إحضار الشيء في الزمن والمكان بطريقة آلية تخضع للأتمتة ” الآلية”. إذ يمكن معرفة كمية البضائع في نقاط التخزين والتوزيع والطرقات والموانئ والمطارات في حينها، ما يتيح تدبيرا عالي الجودة.
والأهم من ذلك أنها تساهم بالنسبة للمستهلك في تسهيل تحركاته اليومية، فمن منا لا يشعر بغبطة أمام انفتاح الأبواب والمصاعد بطريقة آلية وعدم الانتظار وقتا طويلا بفضل سهولة الأداء في قضاء حاجياتنا…
بيد أن الأهم من ذلك مساهمتها في توفير الأمن الغذائي واحترام المعايير الصحية، علاوة على مكافحة الغش والتأكد من مصدر الجهة البائعة والمنتجة على حد سواء… بحيث تتيح المعلومات المخزنة في الرقاقات والشرائح الإلكترونية عناصر المنتوج وتاريخه ومكان وتاريخ تصنيعه ورقم السلسلة وصلاحيته الزمنية، مما يسهل إجراءات سحبها من الأسواق في حالة حدوث مكروه.
كما أن وجود جهاز تبريد أو ثلاجة مثلا، تشتغل بتقنية نظام التمييز الإلكتروني عبر تقنية تردد الراديو التعريفية ستخبرنا عن محتواها وصلاحية زمن استهلاك المواد الغذائية بداخلها، ويمكن على غرار ذلك القيام بطلبات للمحل الذي نشتري منه حاجياتنا.
ومن يدري غدا بأن مجموع التكنولوجيات ”المعلوميات، الإلكترونية” المستخدمة في البيت يمكن تدبيرها آليا عبر هذه الرقاقات الإلكترونية التي تشتغل بتقنية تردد الراديو التعريفية.
غير أنه إذا كنا لا نملك علة وجه اليقين حصرا شاملا للنتائج السلبية الناجمة عن استعمال هذه التقنية، فإنه يمكن الإشارة إلى ما يلي: سهولة المس بالحياة الخاصة للأفراد واختراقها، ما يعجل بظهور مجتمع الرقابة الإلكترونية والجاسوسية المعممة في جميع ثنايا المجتمع وعلى المواطنين، كما أن خطر وقوع أخطاء وانتحال هوية الغير بقصد الضرر والغش عبر اختراق معطيات البيانات الشخصية.
الأمر الذي يكون فيه الضرر بالغا بالحريات العامة. وهو ما سنتعرض إليه بتفصيل في حلقة أخرى وبشكل مستقل…
المصدر :العرب اونلاين