تحقيقات وتقارير

حــول التعديـل الـوزراي

أجرى الرئيس عمر البشير بشكل مفاجىء ليل الخميس الماضي، تعديلا وزاريا محدودا شمل وزارتي الزراعة والثروة الحيوانية ،وولاة الخرطوم والجزيرة وشمال كردفان وجنوبها،ووزيرى دولة للتربية والتعليم والشؤون الانسانية،وبالطبع كل هذه المناصب من حصة حزب المؤتمر الوطني فى كيكة السلطة التى وزعتها اتفاقية السلام.
ومن المعلومات التي رشحت فإن التعديل الوزاري الذي طال انتظاره شهورا اعد على عجل ولم يطرح امام المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، بل تفاجأ به بعضهم ،وأبلغ به آخرون قبل اعلانه بسويعات،ومن الدلائل على انه طبخ على عجل ان احد الولاة كان في الرئاسة صباحا يتشاور حول دعوة الرئيس لافتتاح مشروع تنموي في ولايته خلال اسبوع، لكنه لم يخطر، وعندما كان في الطريق عائدا الى مقره اخطر عبر الهاتف عصرا بمصيره.
ومما تسرب ايضا ان الرئيس عمر البشير ونائبه على عثمان محمد طه جلسا وتشاورا حول التعديل، وناقشا الامر من كل جوانبه وعندما استدعي المسؤولون لابلاغهم بتحريكهم من مواقعهم وجدوهما فرغا من مشاوراتهما في اشارة مهمة ان ما جرى كان بتوافق القيادة في رد ضمني على المعلومات التى ظلت رائجة عن انسجام منقوص والحديث المتكرر عن رجال يدينون بالولاء الى هذا او ذاك.
ويبدو ان المؤتمر الوطني ينتهج سياسة المراحل فى تعديلاته الوزارية ،حيث انه منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في اغسطس 2005 جرى تحريك وزاري محدود ولكن حدثت تغييرات عدة فى ولاة الولايات الشمالية، شملت 11 ولاية بجانب ولاية اعالي النيل في الجنوب التى يحكمها المؤتمر الوطني ،خلال فترات متفاوتة فرضتها تطورات وظروف متباينة ،مما يحمل على الاعتقاد ان التعديل الوزاري الذى ينضج على نار هادئة حاليا سيزحف الى الوزارات السيادية المهمة، وان كانت التعديلات الماضية اقرب الى كونها تحريكا وتنقلات ولم تشهد وجوها ودماء جديدة الا ان المرحلة المقبلة ربما تحمل مفاجآت.
وباستعراض الاسماء التي شملها التعديل الوزاري، نجد ان شيخهم هو والى الخرطوم السابق الدكتور عبد الحليم المتعافي، الذي ظل فى المنصب نحو ثماني سنوات وترك بصمات واضحة ستجعل مهمة سلفه صعبة،ولعله وجد فرصة واستنفذ خططه وبرامجه ومن الافضل تجديد نشاطه بموقع جديد، اختارت الرئاسة ان يكون وزارة الزراعة خصوصا وانه كانت له مبادرات وافكار يمكن ان تحقق قفزة بالانتاج الزراعي الذى ينبغي ان تركز عليه الحكومة؛ لانه سيكون مخرجا من الازمة المالية ،وينتظر هذا القطاع دخول استثمارات ضخمة للنهوض به وتجاوز العراقيل التقليدية التى اقعدت به.
اما البروفيسور الزبير بشير طه، استاذ علم النفس، فهو جاد ومتجرد تنقل بين وزارات التعليم العالي والداخلية والزراعة،ويبدو ان عدم المرونة الذي يتسم به واصوليته وعدم انتهاجه البراغماتية التى تتطلبها احيانا المناصب السياسية قيدته،ولعله يجرب محطة جديدة في الجزيرة التي عرفت بأنها ولاية الفن والكرة والثقافة ومشروع الجزيرة.
وفي الولاة يعتقد كثيرون ان الرئاسة وفقت في اختيار القاضي السابق احمد هارون للانتقال من وزارة الشؤون الانسانية الى ولاية جنوب كردفان التي بدأ بها حياته، وشغل فيها اول منصب حينما عين وزيرا للشؤون الاجتماعية،كما انها ولاية معقدة وتواجه تحديات جمة في ظل اتفاق السلام الذى منحها خصوصية فى تداول حكمها وازمة ابيي التى فجرها الاتفاق اكثر ما قدم لها حلا،والتوتر بين المسيرية والرزيقات في جنوب دارفور التى تتاخمها،ولعل وجود هارون المستمر في اللجان المشتركة بين المؤتمر الوطني و»الحركة الشعبية» سيسهل مهمته فى التعاون بين الجانبين، خصوصا ان نائبه عبد العزيز الحلو من العقلاء الذين يسعون الى تعزيز الاستقرار وتحقيق التنمية لمواطنيه في الولاية،كما ان خبرته الامنية في الشرطة الشعبية ووزارة الداخلية سابقا ستساعده في معالجة المشكلات التي فرضتها ظروف المنطقة ،ويبدو ان مغادرة هارون الخرطوم الى ديار كردفان لا تخلو من ايماءة الى المجتمع الدولي.
وانتقال الدكتور فيصل حسن ابراهيم من ولاية شمال كردفان كان متوقعا منذ فترة ليست بالقصيرة، نظرا للمآزق السياسية التي وقع فيها بسبب تقسيم المحليات والصراعات الداخلية التي صرفته عن هموم مواطني الولاية، كما لم تشهد ولايته تنمية حقيقية وخدمات ذات بال،ولكنه سيجد فرصة جدية في وزارة الثروة الحيوانية التى ارادت الرئاسة ان تقول لاهل كرفان ان حظكم في معادلة السلطة الاتحادية محفوظ، ويمكن للطبيب البيطري فيصل بحكم تخصصه ان يحقق طفرة في قطاع الثروة الحيوانية الذى يمكن ان يحقق اختراقا فى موازنة الدولة في ظل تراجع اسعار النفط ،علما بأن عائد سعر الرأس من الضأن يساوى عائد برميلين من النفط.
ولعل عودة المايوي الشهير محمد احمد أبو كلابيش الى ديار اهله في شمال كردفان رسالة من الخرطوم الى مواطني ولاية غرب كردفان السابقة التى شطبها اتفاق السلام من خريطة الولايات،واشارة ود الى قبيلة حمر كبرى قبائل المنطقة التي ينتمى اليها ابو كلابيش،كما ان لسان حال الرئاسة يقول ان المؤتمر الوطني لا يتجاهل القادمين والحلفاء الجدد.
وصعد الدكتور عبد الرحمن الخضر والي القضارف السابق الى ولاية الخرطوم بعد استراحة عقب اقالته بصورة مفاجئة من موقعه السابق،العام الماضي،ولكنه نشط في المؤتمر الوطني عبر الاتصالات السياسية،ويبدو ان تعيينه كان غزلا صريحا بين المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي الديمقراطي – الاصل -خصوصا طائفة الختمية بحكم العلاقة التى تربطه برموز الطائفة،علما بأن الخضر ظل عضوا دائما في الحوار بين الحزبين منذ اتفاق جدة.
ويبدو ان مغادرة الفريق عبد الرحمن سر الختم ولاية الجزيرة ستكون استراحة محارب، ويتوقع ان يعود قريبا في موقع دستوري مهم،كما أن عمر سليمان سيجد فرصة للراحة من هموم وازمات جنوب كردفان المتجددة.
المصدر :الصحافة