تحقيقات وتقارير

البرلمان.. جدل التزوير والمكايدات

قبل أن ينتهي الجدل الذي أثارته الملاحظة التى قدمها رئيس الكتلة النيابية للحركة الشعبية بالبرلمان حول مراعاة حقوق غير المسلمين في مواد القانون الجنائي، التى أثارت حفيظة البعض واقتنصها آخرون لتصفية حسابات سياسية، فإذا بالنواب يكتشفون بعد كل تلك الضجة ان هناك مسودة مختلفة للقانون الجنائي الذي يتجادلون حوله بحسب ما أشار نواب الحركة الشعبية بالمجلس الوطنى.
الحركة الشعبية التى دأبت على إثارة النقاش حول القوانين من داخل قبة البرلمان، قال العضو البرلمانى بها ديفيد كوكو إن اللجنة الفنية لا تزال تناقش في القانون، وان المسودة التى عرضت على البرلمان تحوى اضافة جرائم الحرب، واضاف ان هناك نسخة أخرى تتحدث عنها الحركة الشعبية تتضمن اضافة عدد من التعديلات غير موجودة في النسخة التى أمام البرلمان، وان اللجنة الفنية لم ترفع تقريرها بعد، مطالبا بإعادة القانون لمجلس الوزراء من جديد. وكان جدل قد احتدم في البرلمان بعد ان تضاربت التصريحات حول القانون المقدم، فبينما اشار وزير العدل عبد الباسط سبدرات، بعد احتدام الجدل الى ان النواب يخلطون بين القانون الجنائي وقانون الاجراءات الجنائية، وان القانون المقدم هو قانون الاجراءات الجنائية، ذهب رئيس الكتلة النيابية للحركة الشعبية ياسر عرمان الى ان القانون الذي عرض على البرلمان هو القانون الجنائي، وقد أثبتت مداولات الايام داخل قبة البرلمان ان القانون المقدم هو القانون الجنائي وليس قانون الاجراءات الجنائية كما اشار وزير العدل عبد الباسط سبدرات.
ومازال يدور جدل حول القانون الجنائي الذي يقبع في اضابير قبة البرلمان، ومازالت مراحل العرض فيه على النواب ترواح مكانها ريثما ترسو على بر في اجازته. ولكن ما اثاره القانون الجنائي من جدل داخل قبة البرلمان لم يكن الحادثة الأولى في الحياة التشريعية داخل البرلمان التى شهدت العديد من حالات السجال الممتد حول تعديلات وتزوير لحق ببعض مسودات القوانين في مسيرة الحياة التشريعية في البلاد، وظاهرة الحديث عن تزوير مشروعات القوانين حالة ظلت تتكرر مشاهدها باستمرار في المسرح السياسي السودانى، خاصة في العقد الأخير، التى غالباً ما ترتبط بقوانين مؤثرة في الحياة العامة، غالباً ما يكون مختلف عليها بين القوى السياسية.
ويقلل قانونيون من الحديث حول التزوير الذي يلحق بمسودات مشاريع القوانين، ويشيرون الى ان هذه مشاريع اعدادية للقوانين، لا يوجد فيها تزوير إلا اذا كان هناك خطأ في الاعتماد، لأن اللجان الحزبية تقدم تصوراتها وأعمالها لترفع في النهاية لوزارة العدل، وأية صياغة للقانون تعتبر مشروعات قانون الى ان تعتمد في البرلمان، وأى عمل قبل ذلك يعتبر عملا إعداديا، وبالتالي لا يمكن الحديث فيه عن تزوير للقوانين. وكان الدكتور شيخ الدين شدو أستاذ القانون بجامعة الخرطوم قال لـ «الصحافة» في حديث سابق، «إن ما يجري لهذه القوانين وغيرها من قبل المؤتمر الوطنى ليس تزويراً، لأن التزوير لا بد أن يتوفر فيه الركن المادي والمعنوى للجريمة، وإنما هو تعديل على مشروعات القوانين يتم فيها إدخال بعض المواد، وقال إن هذه القوانين يقوم بها فنيون ويقدمون مشروعات قوانين متقنة، ولكن ينتهى دورهم عند تسليمها للمؤسسة المعنية، ليتم بعد ذلك تعديلها ما بين وزارة العدل ومجلس الوزراء قبل أن تودع منضدة البرلمان، مشيراً الى أن هذا يعد عدم أمانة ونقض للعهود والاتفاق، لأن التعديلات يجب أن تناقش بواسطة كل الأطراف وهى المرحلة التى تتم فيها المساومات».
وقد ازدادت ظاهرة الحديث عن تزوير للقوانين خلال العشر سنوات الماضية بكثرة، ففي نهاية ديسمبر الماضي ووسط ترقب لصدور وثيقة توافقية بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية على تعديل القوانين المتبقية والدفع بها منضدة البرلمان لإجازتها قبل انتهاء دورته تلك، فإذا بوزير الشؤون القانونية بحكومة الجنوب مايكل مكواى يفاجأ الجميع عبر مؤتمر صحفي عقده بالخرطوم بأن هناك تزويرا لحق بقانونى مفوضية الأراضي وحقوق الإنسان، وذلك عندما اتهم شريكه المؤتمر الوطنى بتزوير قانونى مفوضية الأراضي وحقوق الإنسان، وأعلن نفض الحركة الشعبية يدها عن القانونين اللذين تمت إجازتهما من قبل مجلس الوزراء سابقاً، وهو اتهام سرعان ما كذبته حينها عضوة اللجنة القانونية المشتركة من جانب المؤتمر الوطني، بدرية سليمان، في تصريح لـ «الصحافة» بقولها «إنها إتهامات غير صحيحة، ولأن اجتماعات اللجنة القانونية المشتركة لم تناقش اطلاقا قانوني مفوضية الاراضي وحقوق الانسان، باعتبار ان النقاش حولهما تم في مفوضية الدستور. واوضحت «سبق ان قدمت الحركة المشروعين الا اننا رفضنا نقاشهما، لأن المفوضية الدستورية فرغت منهما». وكان جدل قد حدث مشابهاً لما يجري في البرلمان اليوم حول القانون الجنائي، هو ذلك الذي ارتبط بمسودة قانون الشرطة المقدمة للبرلمان لإجازتها، حيث اشير وقتها الى أن ثلاث مسودات وصلت البرلمان باعتبارها المسودة المجازة من مجلس الوزراء، وظل ذلك الجدل مستمراً الى أن حُسم بإجازة قانون الشرطة، الذي كان الاختلاف فيه حول قومية الشرطة وولائيتها بحسب ما نص عليه الدستور وإتفاقية السلام، وهو الجدل الذي قاد دعوة ولائية الشرطة فيه د. عبد الحليم المتعافي والى الخرطوم السابق من جهة، ووزارة الداخلية وإدارة الشرطة التى تذهب بقوميتها من جهة أخرى. وقبل حسم قانون الشرطة داخل قبة البرلمان بإجازته، كان المجلس الوطنى قد شهد قبله بقليل جدلاً آخر لا يقل ضراوة عن الذي احدثه قانون الشرطة، وذلك عندما أقدم البرلمان على اجازة قانون الاحزاب لسنه 2007م، حيث اطلت الظاهرة من جديد على المسرح التشريعي، فبعد إجازة القانون أثارت كتلة التجمع الوطنى الديمقراطي بالبرلمان كثيراُ من الجدل حول تزوير لحق بالمادة الرابعه «4» التى تطالب الاحزاب غير المسجلة بتوفيق أوضاعها وفقاً للقانون، والمادة «19» ، وقالت كتلة التجمع أن تزويراً حدث للمادة «4» من القانون بعد إجازة القانون في البرلمان، وهو الأمر الذي نفته كتلتا المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية بتفنيد تلك الاتهامات عبر مؤتمر صحفي عقد بمنبر «سونا» شارك فيه د. غازى صلاح الدين رئيس الكتلة النيابية للحركة الشعبية، وغازي سليمان عن الحركة الشعبية وعدد من نواب البرلمان من الكتل الأخرى.
وبعد أن اختفت ظاهرة الحديث حول تزوير القوانين لحوالى ست سنوات منذ حادثة دستور 1998م، عادت وبشكل أكبر من خلال قانون الصحافة لعام 2004م الذي قدمه مجلس الصحافة والمطبوعات، ولكن عند بدء طرحه على طاولة البرلمان والتداول حوله لإجازته، فإذا بمن شارك في وضع المسودة يشير الى أنها ليست بالمسودة التى قدمها مجلس الصحافة، وقد اثار حينها القانون موجة من السخط في الوسط الصحفي انتهت في البرلمان بإجراء تعديلات عليه أسفرت عن القانون المطبق حالياً.
ومن أكثر حالات التزوير التى أُثير حولها دوي، ما صاحب مشروع دستور 1998م قبل إجازته، فبمجرد أن طرح الدستور للمجلس الوطنى وقتها برئاسة د. حسن الترابي لإجازته، فإذا بالساحة السياسية تفاجأ ببيان من لجنة إعداد الدستور برئاسة خلف الله الرشيد، تشير فيه الى أن الدستور الذي يُناقش ليس من صُنعها، وقد حمل ذلك الدستور في طياته ما عرف وقتها بقانون التوالى السياسي الذي اثار غير القليل من الجدل حوله من القوى السياسية، حيث لم تذهب الجهات التنفيذية للبرلمان بمشروع اللجنة الفنية، بل أن د. حسن الترابي دفع الى البرلمان بدستور جديد إعده منذ الستينيات بحسب متابعين لمسيرته، ما عد تزويرا لمسودة الدستور التى اعدتها اللجنة الفنية وقتها.
خالد البلوله ازيرق :الصحافة