تحقيقات وتقارير

جنوب السودان .. حصاد «260» يوماً من الحرب

[JUSTIFY]هذه الأيام حشد طرفا النزاع في دولة جنوب السودان مئات الجنود والعتاد العسكري استعداداً لمواجهة عسكرية مقبلة وحرب جديدة. ونقلت مصادر متابعة للأحداث في ولايات الوحدة وأعالي النيل وجونقلي وبحر الغزال، تأكيدات بحشد الطرفين لقواتهما وتسليحها بغية اشتباكات جديدة على ما يبدو إثر فشل الاتفاق الأخير بين الطرفين، وذكرت المصادر أن قوات المعارضة سمَّت حاكماً جديداً على مقاطعة ميوم التي تشهد أكبر عمليات الاستعداد من قبل القوات الحكومية لاستعادتها. وفي غضون ذلك بدأت قوات تابعة للحكومة بالتوجه إلى بانتيو تمهيداً لاستعادتها أيضاً من أيدي المعارضة. بالمقابل ربما تبدأ صورة الحرب في الصعود من جديد بين الطرفين عقب تلك الحشود العسكرية، وبنهاية اليوم تكون دولة جنوب السودان قد أكملت حوالي «260» يوماً من الحرب.
من يحكم في العام 2015 في العام 2010 وصل التفاهم بين الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه د.رياك مشار لطريق مسدود بشأن التوافق على قائمة الانتخابات، ووصل الامر الى حد المواجهة عندما طالب مشار الرئيس في ذاك الوقت بالإعلان عن عدم ترشحه لدورة رئاسية اخرى عقب انتخابات 2010، وهو ما وافق عليه سلفاكير بيد أنه اشترط قبول الفكرة بعدم الإعلان وترك أمره لوقت لاحق. ومنذ ذلك التوقيت توسعت شقة الخلاف بين الرجلين ونقشت المخاوف أحلام كلاهما بشأن مستقبل الانتخابات المقبلة وصار كل واحد منهما يرتب حاله لخوض انتخابات 2015 المقبلة منفرداً. قصة الصراع الدائر الآن سببه الانتخابات «حلم مشار ومخاوف سلفاكير»، وأرض الانتخابات المقبلة فجرت الصراع في العام 2013 أو بالأحرى منتصف ديسمبر الماضي بين الرئيس سلفاكير ونائبه السابق د.رياك، ونقلت الصحيفة قبل الصراع بأشهر هذا التحليل بان الانتخابات ربما تضع الجنوب أو الدولة الجديدة على الخارطة الافريقية على كف الخلاف المسلح خاصة عقب اعلان مشار لبرنامج انتخابي متسلسل في ابريل العام 2013,وكان ذلك البرنامج هو قاصمة الظهر التي عجلت بذهاب سلفاكير بالتفكير بعيداً في اقصاء كل من يحاول التقرب من كرسيه، وأصدر في تلك الاثناء قرارات وصفها البعض بالصادمة، عندما قرر تجريد نائبه من كافة صلاحياته وعزله عن قيادة ملف المصالحات الوطنية وأوكل أمرها الى شخص آخر.
ووفق ما ذكر سابقاً صار الآن الخلاف البائن عنوان حدث جديد بدأ في التراصص والتراكم أمام المشهد السياسي الجنوبي، المكتنز بصعوبات امنية كبيرة للغاية. وبحسب بعض التقديرات يستند مشار علي قاعدة قبلية عسكرية تابعة للجيش الشعبي تمثل «89%» من عدد قواته واساس ودافع قبلي مكتظ بالتأييد المطلق لابن النوير ـ الخليفة المرتقب ـ بحسب نبوءات قديمة، لكن ما يُدهِش أو يستغرب له البعض بحسب الاساطير الجنوبية، أن شجرة كبيرة « شجرة الزعيم»، في بانتيو سقطت لوحدها يوم 5 يوليو وبالتحديد هذه الخرافة التي يستبعدها الدينكا، تداولتها الأوساط الجنوبية في الاسبوع الاخير من شهر يوليو من العام 2013، وقيل إن مشار أبلغ مقربين منه بتكرار هذه الاسطورة في الاحلام ليومين متتاليين، في المقابل يضع الدينكا ألف حساب لكثير من الاساطير وشوهد الرئيس سلفاكير يرتدي «رباط» على يده يمثل شكلاً من اشكال صد الاساطير النويرية وفق معتقدات زعماء الدينكا، ومثلت تلك الاسطورة أسبوعاً مرعباً لعموم الدينكا، بان الشجرة الكبيرة تمثل رأس الدولة وان وقوعها يمثل سقوط الرئيس وسقوط الحكم من أيدي القبيلة واتجاهه لواحد من النوير.
هذا العام وحتى نهايته ربما يشهد أحداثاً عاصفة بدولة جنوب السودان، ربما ستكون مثار تغيير عميق في هيكل الدولة. ويرى احد المثقفين الجنوبيين ان الحالة الراهنة تمثل – وفق رأيه- آخر اعوام سلفاكير الرئاسية لاسباب عددها، في فقدان الرئيس لتحالف قديم بينه ومشار وباقان، ويعتقد المثقف ان سلفاكير باستناده على القبيلة فقد أكثر من «70%» من أراضيه وبات يعيش في عزلة عن التحالفات السياسية والجماهير الاخرى وسط غضب على قبيلته، جراء كثير من الممارسات السياسية والاقتصادية التي تجري في الدولة.
وسابقاً وبالتحديد عشية الاحتفال بالذكرى الثانية لانفصال جنوب السودان في يوليو 2013، ندّد مسؤولون أميركيون كانوا قد دعموا بقوة انفصال جنوب السودان قبل عامين في رسالة للرئيس سلفاكير، بعدم تحقيق اي تقدم في الخدمات او البُنى التحتية وبما وصفوها بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، ما يفقد هنا سلفاكير جزءاً من الدعم الدولي اوالغربي له في الانتخابات.
الرسالة عكست رأي المسؤولين بالقول إن مستقبل الدولة الناشئة غير واضح المعالم، وبعد ان ادانوا الادلة الواضحة على الفساد دعوا إلى إصلاحات عميقة ومن الذين وقعوا على الرسالة المدير السابق للشؤون الافريقية في مجلس الامن القومي الاميركي جون برندر غاست، والمسؤول السابق فى هيئة المعونة الامريكية وروجر وينتر، والمسؤول السابق في مكتبة الكونغرس الذي كان مستشاراً لفترة وجيزة لحكومة جوبا. وجاء في الرسالة التي وقعها من يطلقون على أنفسهم أصدقاء جنوب السودان «يعاني الكثيرون هناك ويبدو أن أعضاء الحكومة يفكرون في أنفسهم فقط». وأكدوا لرئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت انهم رافقوه في معركة الحركة ضد ما سموه في رسالتهم بتجاوزات نظام الخرطوم واضافوا«لكن لا يمكننا ان نغض الطرف حين يتحول ضحايا الامس إلى مرتكبي جرائم».
كل هذه الرسائل جاءت في توقيت تغيرت فيه كل الاحوال السياسية وغيرها بدولة جنوب السودان، مع استمرار الخلافات بين قيادات الحركة الشعبية حول حل الحكومة القديمة وإبدالها باخرى يغلب على تشكيلتها عناصر مؤيدة لسلفاكير، وترجح هذه الرسائل كفة مشار في قيادة الدولة مع استمرار نشاطه في التواصل مع القوي الغربية بغية طرح بساط اخر للوصول لكرسي الحكم عبر جسر الدعم الغربي.
وفي ظل تلك المعطيات لابد من العودة لتاريخ طويل من الخلافات بين سلفاكير ومشار، بدأ إبان عودة مشار للحركة الشعبية في العام 2001 وما تلى ذلك من خلافات عنيفة كان مسرحها مجلس التحرير القومي للحركة الشعبية، الذي اقر سلفاكير نائباً لقرنق ما حدا بمشار باظهار اعتراض عنيف للغاية صدم زعيم الحركة جون قرنق برفض مشار لهذا التصعيد الجديد لسلفاكير، وأكد في خطاب تاريخي امام قرنق بانه يعتبر اقدم من سلفا كير في الحركة والجيش الشعبي، بل وذهب أكثر من ذلك باستعراض رتبته العسكرية في العام 1986 عندما عمل سلفاكير تحت إمرته ببعض المناطق في اعالي النيل، فيما تشير هيلدا جونسون في كتابها اندلاع السلام، للخلاف بطريقة خفية عندما سردت قصة الحديث الذي دار بين ربيكا قرنق وزوجها جون قرنق وسلفاكير ومشار قبل ايام من رحلته الاخيرة ليوغندا، وتوصية قرنق وتخوفات ربيكا من الرحلة بالقول«ذكر قرنق لزوجته اطمئني هناك نائب لي حال حدث مكروه». وفي ذلك الوقت قال القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم قطبي المهدي، في تصريحات نقلتها صحيفة «الأهرام اليوم» عقب إعلان سلفاكير تشكيل حكومته الجديدة في مطلع اغسطس 2013 إن الصراع في الجنوب مقدمة لحرب قبلية ». وأضاف «أن الصراع الدائر بين سلفاكير ومشار وجنرالات الجيش الشعبي مقدمة لنشوء دويلات قبلية في الجنوب». وأكد المهدي أن تأثيرات الصراع الجنوبي ستلقي بظلال سالبة على الأوضاع بالسودان، قائلاً «إن الآمال بعد الانفصال كانت معلقة بدولة تقودها حكومة مسؤولة تؤسس لعلاقات حسن جوار وتعاون ومصالح مشتركة».
خلافات الرئاسة والبرلمان
يتكون برلمان الجنوب من «170» عضواً منتخباً في انتخابات 2010 التي دارت بدولة جنوب السوان قبل الانفصال و«96» عضواً آخرين هم من الاعضاء الذين تم تعيينهم وفق انتخابهم بالدوائر الجغرافية في البرلمان السوداني قبل الانفصال وتم استيعابهم ببرلمان جوبا بعد الانفصال، و«66» آخرين قام الرئيس سلفاكير بتعيينهم بقرار رئاسي، وعقب تشكيل الحكومة الجديدة الاخيرة مطلع اغسطس 2013 أوصت لجنة التدقيق في شهادات الوزراء ومؤهلاتهم برفض تعيين تيلار دينق وزيراً للعدل لافتقاده لشهادة جامعية في مجال القانون، وبذلك فتحت اللجنة ابواب الخلاف بين الرئاسة والبرلمان وقام الرئيس سلفاكير باستدعاء رئيس البرلمان جيمس واني ايقا ونائبيه منتصف اغسطس 2013 لمعرفة اسباب رفض البرلمان لقراره بتعيين تيلارا احد ابرز المقربين لسلفا كير ومهندس عمليات ما يطلق عليه «مجموعة 8» السرية، وقبل رفض اللجنة قرار سلفاكير بتعيين تيلار رفعت كتلة ابناء رومبيك بالبرلمان وتعد هذه احدى اقوى الكتل داخل البرلمان، مذكرة شديدة اللهجة للرئيس ترفض بعنف تعيين تيلار وذهبت بعيداً بالقول ان تيلار في الاصل لا ينتمي الى رومبيك ومسقط رأسه في ولاية اخرى، وبهذا الرفض يكون سلفاكير فقد واحداً من اهم داعميه في الترشح للانتخابات 2015 وربما بفقدان تيلار في وظيفة الوزير العدلي يكون جزء مهم للغاية من فصول مسرحية تجهيز الرئيس ودعمه، قد فشل في الظهور على خشبة مسرح الصراع بينه ود.مشار.
البرلمان كذلك استدعى النائب السابق للرئيس وطلب شهادته في تقرير قال فيه تيلار انه عمل تحت امرة القاضي رياك مشار باعالي النيل في فترة 1983وبالفعل ادلى مشار بشهادته للجنة، وشهادة اخرى تتعلق بعمله تحت امرة القاضي لام اكول اجاوين باعالي النيل في الفترة 1984، وبتلك الشهادات يبدو الامر كأنما وجه مشار لطمة كبيرة للتحالف الجديد المساند لترشيح سلفاكير لفترة رئاسية جديدة، وبالامكان ايضاً القول ان مشار نجح في اقصاء احد افضل العناصر التخطيطية التي سيتند عليها الرئيس سلفاكير في هندسة تخطيط وتشريع ما يمكن ان يقوي موقفه في الفوز بالانتخابات الاولى بدولة الجنوب لاختيار رئيسها.
أغسطس 2013
في 18 أغسطس 2013 قام نائب رئيس دولة جنوب السودان السابق د.رياك مشار بزيارة الى العاصمة البريطانية بغية مشاركة ابنه الافراح بمناسبة زواجه، وشهدت تلك الزيارة تحركات سياسية مكثفة لمشار بالعاصمة البريطانية ومقابلته لعدد من المسؤولين البريطانيين.
سبتمبر 2013
شهر سبتمبر من العام 2013 شهد بداية الأزمة الحقيقية وشهدت الساحة الجنوبية السياسية أعمالاً كثيرة وكثيفة للمعسكرين المتصارعين ونشأت في تلك الاثناء صراعات بدات في الظهور على السطح وتمثلت في جملة من الاعفاءات والاستقالات وكثير من التجهيزات للانضمام لأحد المعسكرين.
أكتوبر 2013
بدأ شهر اكتوبر من العام 2013 هادئاً على الساحة الجنوبية، رغم مرور بعض الخلافات داخل الحكومة نفسها وبدأت في الاثناء تتعالى أصوات رفض أبناء النوير لكثير من السياسات الحكومية خاصة بالجيش الشعبي، وقابل أبناء النوير قرارات نقل واعادة تسليح وتسليم سلاح بالرفض في كثير من المناطق العسكرية وربما كان الشهر هو بداية الاحداث الحقيقة.
نوفمبر 2013
جاءت في هذه الفترة اجتماعات المكتب السياسي ومجلس التحرير والاستعدا لها، وكانت تلك الاجتماعات هي قاصمة الظهر التي اودت بجنوب السودان ناحية الحرب، ففيما اظهرت تقارير استخبارية للحكومة بان هناك عدداً من الانفلاتات العسكرية في عديد من المناطق العسكرية، إلا أن سرعة وتيرة الانشغال السياسي لقادة الحركة على رأسهم سلفاكير لم تمكن من حسم الانفلاتات ليأتي منتصف ديسمبر وتنفجر الاحداث داخل مبنى الحرس الرئاسي في جوبا.
ديسمبر 2013
والجنوب يستعد لاستقبال عام جديد وسط وساطات من المشايخ وزعماء القبائل لقادة المعسكرين وحسم امر خلافاتهم في وقت لاحق، مع اقتراب عدد من الاعياد المختلفة لابناء الجنوب لم يكن مفاجئاً ان تقع واحدة من أعنف المواجهات ليل منتصف ديسمبر داخل مبنى رئاسة الحرس الرئاسي في جوبا، لتستمر قصة صراع حتى الآن تدور في فلك الساحة الجنوبية،أوقعت آلاف القتلى وشردت الملايين من أبناء الجنوب وفرقتهم لاجئين على دول الجوار.
«260» يوماً الحصاد النهائي:
– آلاف القتلى من الجنوبيين ومطالبة المعارضة بتشكيل لجنة للتحقيق في تصفية الآلاف من ابناء النوير بالعاصمة جوبا
– حوالي «2» مليون لاجئ جنوبي بدول السودان وأثيوبيا ويوغندا وكينيا
– عمليات عسكرية طاحنة طالت ثلاث ولايات هي الوحدة وجونقلي وأعالي النيل ظلت مسرحاً دائماً للقتال بين الطرفين
– سياسة حربية عنيفة يتبعها الطرفان باحتلال المعارضة للمدن ومن ثم استعادتها بواسطة القوات الحكومية
– شلل تام في المؤسسات المختلفة بالولايات الثلاث
– محاولة من الطرفين لجذب قبائل أومجموعات لصف الحرب
– بدء مشاركة قوات ومجموعات وحركات مسلحة في الصراع من خارج الدولة في يناير 2014 في صف الحكومة
– بداية مشاورات للجنة الوساطة الافريقية التي تمثلها ايقاد لوقف القتال
– أول اجتماع بين سلفاكير ومشار بأديس أبابا
– وصول زعيم المعارضة الجنوبية الى دولة أثيوبيا براً
– اتفاق بين الطرفين على وقف إطلاق النار ونشر مراقبين
– انهيار الهدنة عقب أيام من التوقيع واشتباكات بمدينة ملكال
– نشر قوات يوغندية في ولاية جونقلي بأمر من جوبا
– بدء عمليات عسكرية للمعارضة بمناطق النفط
– انتقال العمل العسكري لولاية بحر الغزال عقب انضمام اللواء داو داك اطور للمعارضة
– زيارة مفاجئة لزعيم المعارضة إلى منطقة بانتيو وبرفقته قادة المعارضة
– مقتل «1800» شخص في يناير 2014 احصائية غير رسمية
– اعتقال عدد كبير من جنود المجموعات المسلحة في أعالي النيل
– مقتل المئات من جنود المجموعات المسلحة في بانتيو
– سقوط أكثر من «600» قتيل في اشتباكات لاستعادة منطقة ميوم
– الجيش الأبيض يحتل بانتيو وبكونا وميوم
– تهديدات من المعارضة بالهجوم على العاصمة جوبا
– خروج اللواء قبريال تانج من السجن والتحاقه بالمعارضة
– تحالف جديد بين المعارضة وقوات تابعة للجيش الشعبي في الوحدة
– زيارة خاطفة لرئيس دولة الجنوب للخرطوم
– زيارة وزير الدفاع الجنوبي للخرطوم
– عودة عدد من المناطق لسيطرة الحكومة عقب معارك مختلفة في بور والوحدة وأعالي النيل
– هجوم كاسح للمعارضة بقيادة تانج واحتلال ملكال
– عودة ملكال للجيش الحكومي عقب معارك عنيفة
– زيارة مثيرة للجدل لزعيم المعارضة للخرطوم
– وقمة أخيرة بين سلفاكير ومشار تنتهي بالفشل.

صحيفة الانتباهة
هيثم عثمان
ت.إ[/JUSTIFY]