منوعات

مدينة بلا ملامح “4” الخرطوم.. عاصمة الضجيج والزحام

[JUSTIFY]قبل مائة عام تقريباً أو يزيد قليلاً، تم تخطيط عدد قليل من طرق الخرطوم، بجانب أحياء بعينها مثلت اللبنة الأولى للعاصمة الرسمية عقب هزيمة دولة المهدية على يد جيوش الحكم الثنائي، ونقل العاصمة من أم درمان إلى الخرطوم، رغم أن ذاك التخطيط الذي نفذه المستعمر كان في وقت لم تعرف الخرطوم فيه السيارات الخاصة أو المركبات العامة، حيث كان حاكم السودان وكبار موظفيه يستغلون الدواب، لكن البعد المستقبلي كان حاضراً في التنفيذ الذي جعل إمكانية أن تستوعب تلك الطرق مئات المركبات وآلاف الراجلين في اليوم الواحد، ممكناً ولا يمثل معضلة إطلاقاً. ولهذا يبدو جلياً أن أمر التخطيط لم يكن عبثياً بأي حال من الأحوال بحسب (مهدي يس) صاحب متجر بشارع القصر، وإلا لما ظلت الشوارع وسط الخرطوم تسع الزيادة المضطردة في السير لأكثر من قرن كامل دون أن تشملها توسعة أو تحسينات!!

أكثر من قرن

نعم الخرطوم تم تخطيطها قبل قرن تقريباً، ولكن هذا التخطيط لم يكن عملاً وقتياً، وإنما قصد به المستقبل البعيد، هذا على حد قول (طارق سليمان)، بائع أحذية بشارع الجمهورية، الذي جاءت إفادته مطابقة لحديث سلفه (مهدي يس)، ولكن ما فات عليه أن شوارع الخرطوم التي تم تخطيطها في ذلك التاريخ البعيد لم تستوعب الاختناق المروري الذي ظل يتكرر بين الفينة والأخرى هذه الأيام وحسب، إنما دفعت السلطات الرسمية باللجوء لتأجير جزء منها سعياً وراء زيادة إيراداتها، مما تسبب في خلق زحام كان يمكن أن يكون مقبولاً لولا اللافتات التي انتصبت على أطراف الشوارع الرئيسة، لتعلن أن هذه الأماكن هي عبارة عن مواقف سيارات خاضعة للرسوم، ولكن (طارق سليمان) يعود ليؤكد أن تمادي محلية الخرطوم بالذات على الطرق التي تعد شريان العاصمة، يمثل انتهاكاً صريحاً لحقوق المواطن لأن الحركة في هذه الطرق صارت شبه مستحيلة خلال ساعات العمل الرسمية بسبب كثرة السيارات التي تتوقف على جوانب الشوارع دون أن تتدخل السلطات لمنعها، سعت بوضوح لتقنين هذه الفوضى المرورية بقيام مواقف للسيارات مقابل رسوم يدفعها أصحاب السيارات مقابل تعطيلهم لحركة المرور.

على أنقاض تجربة فاشلة!!

ليس المرة الأولى التي تلجأ فيها محلية الخرطوم لخلق زحمة مرورية في وسط الخرطوم، كما أفاد (موسى هارون) صاحب محل عطور بوسط العربي، بل سبق لها قبل أعوام قليلة أن مارست ذات الفعل، ولكن بصورة أقل تنظيماً، حيث كان يأتي أشخاص يحملون دفاتر في أيديهم ويتوزعون على الطرقات كالبلدية والجمهورية، ويقومون بقطع تذكرة لكل شخص يركن سيارته في تلك المناطق، والحديث لـ ( موسي) الذي قال: لكن لعدم تجاوب الناس مع الموضوع ولغرابة الطريقة التي كانت متبعة فشل المشروع، ولم يستمر طويلاً، ولكن هذه المرة أعتقد أن المحلية مصممة على نجاح المشروع فاستفادت من تلك التجربة، فقامت بتوزيع اللافتات وكوانترات التذاكر منذ وقت مبكر، حتى يألفها الناس، لتصبح واقعاً يجب تقبله عندما تشرع في التحصيل وفرض الرسوم على وقوف السيارات خاصة سيارات أصحاب المكاتب والمحلات التجارية بالمنطقة.

واعتبر (موسى) أن الفكرة قد تكون ناجحة تجارياً وتستطيع المحلية تحصيل مبالغ مالية مقدر منها في وقت وجيز، ولكن في المقابل فإنها بجانب إكمالها لحلقة تشويه وسط العاصمة الذي بدأت بتوزيع محلات تجارية في مساحات كانت في السابق تمثل منافذ للمنطقة، فإنها سوف تعيق حركة المرور تماماً، وتجعل السير في الشوارع الرئيسة كالجمهورية والقصر والبلدية والجامعة من الصعوبة بمكان جراء تكدس السيارات التي سوف يستغل أصحابها التذاكر التي يدفعوها مقابل وقوفهم ليعيقوا الحركة كلياً.

زحام مفتعل

ليس هنالك سبب وجيه يجعل العاصمة تعج بالزحام المروري كالذي نشاهده الآن، وما يحدث هو نتيجة لتغول المحليات على الشوارع والمنافذ الأخرى لغرضين، إما تأجيرها كمواقف سيارات كما فعلت محلية الخرطوم وإما منحها تصاديق مؤقتة للباعة، كما يحدث في محلية بحري التي اقتطعت جزءاً وافراً من موقف المواصلات العامة وقامت بتوزيعه للباعة كمتاجر مؤقتة، هكذا أشار (الطيب حسن) صاحب بوتيك أحذية جنوب واحة الخرطوم إلى مكامن العلة في سوء إدارة تنظيم العاصمة، وهو يجزم بأن مثل هذا التعدي السافر على العاصمة جعلها مدينة عديمة الملامح، تفتقر لجاذبية المدن العريقة، وهي أصبحت لا تتجاوز مصاف قرية مترامية الأطراف لا أكثر ولا أقل، وبعيدة كل البعد عن مظهر المدينة الجميلة.

1410353259711 اليوم التالي
خ.ي
[/JUSTIFY]