مقالات متنوعة

زمن الضحكة بقت مفقودة

زمن الضحكة بقت مفقودة
المكان : مكان سري للغاية لدرجة إنه حتى أنا لا أعرف أين هو بالضبط
الزمان : لا أهمية له على الإطلاق في هذه القصة
في مقر مكافحة جراثيم الفيسبوك يجلس سيادة المقدم (س) مهموما ..
لماذا من دون الجميع إختاروه ليرأس هذه الإدارة الكئيبة المملة ؟ كل ما عليه فعله هو الجلوس على مكتبه ومراقبة عشرات من رجاله جالسين في قاعة طويلة أمام أجهزة الكومبيوتر يردون وينشرون ويتصدون لكل المتفلتين وناشري الشائعات والمتمردين على شبكة الفيسبوك الواسعة … لا شئ جديد يحدث .. اليوم مثل الأمس وغدا .. هكذا فكر ثم قرر فجأة أن يغير هذا النظام العقيم ، بشئ جديد أكثر تسلية وإثارة .. إنتصب في قعدته وصاح مناديا :
– برعي .. حمزة
دخل برعي وحمزة وهما عبارة عن كتل من العضلات ترتدي ملابس ، قال لهم :
– شوفو يا شباب أنا قررت أغير شوية بدل نقعد نرد على الناس في الفيس نحن نقبضهم ونجيبهم عندنا هنا نشوف فهمهم شنو
تبادل برعي وحمزة النظرات ورد الأول :
– والله فكرة كويسة سيادتك لكن إنت عارف في كم جرثومة حايمة في الفيس ؟ يعني تقريبا حنقبض على نص الشعب
قال له المقدم بغضب :
– قصدك إنو نص الشعب معارض لينا ؟
– ده النص العندو حساب في الفيس يا سيادتك
تراجع المقدم في مقعده مفكرا ثم قال :
– طيب عايز ناس الصفحات .. الناس العندهم صفحات وبيسخرو مننا طوالي ديل جيبوهم لي واحد واحد
قال له حمزة :
– قصدك الكتاب الساخرين يا سيادتك ؟
– أيواااا ديل زاتم ، أنا عايزهم هنا عشان أكمل ليهم فهمهم ده
فكر برعي لحظة ثم قال بحذر :
– نجيب ليك الفاتح جبرا ؟ ده راس هوس كبير وعنيد شديد
حك المقدم قنه مغمغما :
– لا الزول ده شعبيتو كبيرة شديد وصحفي مسجل رسميا وممكن يعمل لينا مشاكل ، يعني ما جرثومة زي البقية ، أنا عايز ناس ما معروفين إلا على مستوى الفيسبوك بس
– طيب جعفر عباس ينفع ؟
قال له المقدم بحدة :
– إنت غبي ؟ البينطبق على جبرا بينطبق على ده وبعين تجيبو كيف وهو أصلا ما عايش في السودان ؟
فكر برعي وحمزة قليلا ثم بدأت الإقتراحات تتوالى :
– نجيب دكتور أحمد الفحل ؟
– ده خلى الكتابة بدري
– نجيب ليك محمد بلال بتاع الكيبورد الساخر؟
– ده بره السودان برضو
– أخخخ لو قاعد كان جبتو ، يزوغو بره البلد ويكتبو براحتهم من هناك
قال له برعي كأنه وجد كنزا :
– أقول ليك حنجيب ليك واحد إسمو يوسف أحمد
حك المقدم رأسه مفكرا :
– همممم ما سمعت بيهو ده .. ده كاتب وقاعد يسخر مننا ؟
– ده بيسخر من أي حاجة سيادتك
أصدر المقدم قراره :
– شيلوه جيبوه لي
– أحم
– في حاجة يا برعي ؟
قال له برعي وهو يناوله صورة من الفيسبوك :
– ممكن نجيبو يا سيادتك لكن بالنسبة للشيل حيكون صعب شوية
نظر المقدم لصورة الفتى البدين الملتحي الضاحك ، ثم قال :
– تشيلوه ، تجروه تدردقوه زي أنبوبة البوتجاز ما يهمني المهم عايزو معاي هنا الليلة عشان يقعد يحكي لينا شوية ونشوف آخرو
وأنطلق برعي وحمزة لتنفيذ المهمة .. وفي اليوم التالي في نفس الزمن جلس المقدم مرة أخرى مهموما وأمامه برعي وحمزة :
– أنا عايز واحد تاني
– ويوسف يا سيادتك ؟
– حأخليهو عبرة لمن يعتبر عشان تاني ما يسخر مننا في حتتنا
فكر حمزة ثم قال :
– نجيب ليك حامد ؟
– حامد منو ؟
– حامد يا سيادتك بتاع أحمد وسوسن ؟
– أهااااا بتاع أحمد وسوسن ؟ هو نحن ناقصين أحمد وسوسن ؟ قاعد يسخر من الحكومة برضو؟
– ده بيسخر من نفسو لما ما يلقى حاجة يسخر منها
– هاتولي الكلب ده
وهكذا جاءت اللحظة التي وجدت فيها نفسي مقيدا من أطرافي الأربعة في كرسي كبير وأمامي المقدم (س) وحولي ثورين أدميين إسمهما برعي وحمزة .. قال المقدم مبتسما :
– يا أهلا والله .. أستاذ حامد .. دكتور حامد .. هاا عيال صغار وعاملين ليكم صفحات والناس تشبككم أستاذ أستاذ وإنتو ما مصدقين تشيلو وتنبذو فينا
يا نهار أسود يا حامد .. شكلك وقعت يا مان .. هكذا فكرت وأنا أرد :
– والله العظيم غلطة .. غلطة وما حتتكرر .. عندي أصحابي شجعوني إني أكتب وأعمل لي صفحة واحد منهم إسمو عبدون أقبضوه وعذبوه وهو حيعترف بكل حاجة لكن أنا برئ
قال لي ضاحكا كأنه يخاطب طفل صغير :
– لا لا لا .. ما تخاف للدرجة دي إنت ضيف كريم عندنا وعايزنك تحكي لينا شوية من قصصك الحلوة .. أي قصة تعجبني حأكفأك وأفك ليك يد أو رجل من الكلباش موافق ؟
– إنتو مش قريتو القصص كلها في الصفحة ؟
– عايزين قصص جديدة تألفها هنا ونحن نسمعك ، حتحكي ولا تلحق صحبك يوسف ؟
صرخت فيهم :
– يوسف ؟ عملتو فيهو شنو ؟ الود ده مسكين والله وطيب
قال لي :
– خليك في نفسك حاليا ، حنجيب ليك قهوة مظبوطة كده تشرب وتبدأ تألف
في ظرف ثانيتين حضرت القهوة ووضع الكوب أمامي فنظرت له كما ينظر القط لقطعة الجبن .. لا يوجد أي مستقبلات للقهوة في رأسي لهذا أعلنت لهم :
– ما قاعد أشرب قهوة جيبو لي شاي بنعناع
تحرك برعي لتنفيذ الأمر فقال لي المقدم :
– عايزين قصص هادفة .. أوع تسخر من الحكومة وما تجيب طاري الفساد ولا تتكلم عن المسئولين ولا مشكلة دارفور ولا العنصرية ولا علاقتنا مع إيران
فكرت لحظة في كلامه ، ووجدت في رأسي قصة مسلية حتى بدون شاي وبدأت أحكي :
– …………………………………..وبعدين إتلاقو …………………… ……………………………………………………………………………………………………………………….وقام جاري ………………………………. وطاقيتو وقعت …………………. وخلاص إنتهت
ضرب المنضدة بيده ناهرا :
– ده شنو الكلام الفارغ ده أنا عايز قصة ما عايز سطور فاضية
– بشروطك دي أنا إنشاء بتاعة أساس ما بقدر أكتبها
حضر الشاي المنعنع ووضع امامي … كوب كبير دافئ به فرع نضير من النعناع .. تتسرب الرائحة المنعشة لرأسي وتبدأ الماكينات المتوقفة في الحركة والدوران .. القص واللصق والترجمة والتصوير .. تبدأ القصة التي ستخلصني من ورطتي في النمو .. عندي عشرات المواضيع التي تصلح قصص ولكنها مبتورة وتحتاج لتكملة .. إذا ماذا أحكي لهم ؟ قلت له أخيرا :
– لقيت ليك واحدة ظابطة ممكن تعجبك .. برعي ممكن تناولني بقة شاي لأنو يديني مربوطة ؟
ناولني برعي الشاي فأنتعشت وأكلمت :
– حأحكي ليك قصة مستورة
– مستورة ؟؟
قلت مبتسما وأنا أفكر في القصة التي كدت أنساها :
– أيوا .. مستورة الأسطورة
( يتبع )
نلتقي غدا مع مستورة الأسطورة إن شاء الله

الكاتب : د/ حامد موسى بشير