رجوع القمرة لي وطن القماري!!
خبر صغير نشرته الزميلة «آخر لحظة» في صفحتها الخبرية الداخلية بعددها الصادر أمس، مفاده أن هناك مباحثات سرية لإقناع تيار الإصلاح المُبعد عن المؤتمر الوطني بالعودة لأحضان الحزب وأعشاشه القديمة.. ونُسب الخبر لمصدر قيادي بالحزب الحاكم فضَّل حجب اسمه كما جاء في الخبر، وقال بالحرف الواحد: «لن نيأس من مساعي عودة غازي والمجموعة الإصلاحية…»، واعتبر القيادي أن خروجهم خسارة كبيرة وليس من مصلحة الحزب حدوث انشقاقات في الوقت الراهن!
بالرغم من أن هذا الحديث صار الآن مجرد أمانٍ ستذهب أدراج الرياح، نسبة لانسداد كل الأبواب والطرق المؤدية لعودة مجموعة د. غازي وحسن رزق، وقد أكد الطرفان «المؤتمر الوطني وقادة التيار الإصلاحي» عدم رغبتهما في الالتئام مرة أخرى وأُحرقت كل مراكب العودة.. وأُوصدت كل البوابات ووُضعت عليها المزلاجات، إلا أنه في الوقت نفسه لم تيأس مجموعة من الحادبين الصادقين من محاولة رتق الفتق وتضميد الجرح النازف، فقد كانت بالفعل هناك مساعٍ تقودها مجموعة مؤثرة وصادقة من قيادات الوطني خلال الفترة الماضية اصطدمت بمواقف متصلبة من هنا وهناك، لكنها لم تقطع العشم.. ولم ترجع بخفي حنين كما يقال!
وتبدو القضايا أكثر وضوحاً في هذا الشأن، فقيادة المؤتمر الوطني تعاملت بصرامة وحسم مع ملف الإصلاحيين، ولا تُبدي أي رغبة في رجوعهم، إلا إذا تنازلوا بالفعل عن محددات مذكرتهم الإصلاحية وقدموا اعتذاراً معلناً عن كل ما قاموا به، ومن ثم يُعاد النظر في قرار مجلس الشورى الذي انعقد مؤخراً وأيد فصل القيادات الثلاثة «غازي ورزق وفضل الله…»!
وهناك استمساك بعدم إبطال مفعول قرار الشورى المؤيد لقرار المكتب القيادي، إلا بحدوث اعتذار أو تراجع أو ما يُشبه التوبة، حتى تُفتح الأبواب الموصدة لعودة كل ابن ضال!
أما في جانب الإصلاحيين أنفسهم، فقد زهدوا تمامًا في هذه العودة إلى أوكار ووكنات المؤتمر الوطني التي عرفوها وخبروها مهما كانت الظروف والدواعي، فالقرارات والإجراءات التي اتُّخذت ضدهم، خلَّفت في نفوسهم مرارات وإحنًا من الصعب تجاوزها، وهم يُعدُّون من أهل السبق والصدق معاً، وقدموا في سبيل هذه الدعوة والمشروع أغلى ما عندهم وتنكَّر لهم إخوانهم ولم يغفروا لهم ما فعلوه وهم يظنونه صواباً وليس هفوة أو كبوة عابرة..
ولذلك بالعودة للخبر المنشور في الزميلة «آخر لحظة»، فإنه يصعب التكهن بنجاح المساعي السرية التي جاءت تفاصيلها في الخبر الصغير، لانعدام كل شروط النجاح الآن..
فالمجموعة الإصلاحية نشطت في تكوين وتسجيل حزبها بالرغم من الاختلاف بين أصحاب التيار وجماعة سائحون حول الاسم «الإصلاح والنهضة»، ولا يوجد شيء يدعوها للرجوع خطوات للخلف، فقد حددت خياراتها ولن تتصالح مرة أخرى مع المؤتمر الوطني وأثر فأسه لا يزال شاخصاً..
ولعل القيادي في المؤتمر الوطني الذي اختار حجب اسمه، يعبِّر عن تمنيات ونوايا حسنة لدى عدد كبير من قيادات وكوادر وأتباع المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية الذين يرفضون التمزق والتبعثر والخلافات، ولذلك عبَّر عمَّا كان موجوداً في الأيام الأولى للخلاف بين التيار الإصلاحي وقيادة الحزب الحاكم، وهذا الاتجاه ضعيف للغاية ويكاد يتلاشى بسبب حدة المواقف وتصلبها، وهي موهنة لأي طموح، وقاتلة لأي تقارب، ومهلكة لكل جماعة سياسية دقت في ما بينها عطر منشم!
لكن الخشية من أن تتناسل بكتيريا الخلافات والانشقاقات داخل المؤتمر الوطني في مستويات مختلفة تجعل الحزب يتأكَّل بسرعة، ففي ولاية غرب كردفان استعرت معارك داخلية وحرب بيانات ستتحول لمواقف وانشقاقات إن لم يتم التعامل معها بحزم، وتوجد مثلها في شمال دارفور ونزاعات داخلية مكتومة في جنوب دارفور وفي البحر الأحمر والنيل الأبيض وسنار وربما في الجزيرة.. إن لم تحسن قيادة الحزب التعامل مع هذا الواقع وتُلجم أحصنة الخلافات العاصفة، فسيكون هناك حزب له رأس كبير في الخرطوم وجسد هزيل ضعيف وأرجل عجفاء لا تحمله وأيدٍ مشلولة غير قادرة على فعل شيء!
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة