عثمان ميرغني

حكومة.. غندور


[JUSTIFY]
حكومة.. غندور

أخيراً انجلت معركة (فك التسجيلات) بسؤال كبير: (ثم ماذا بعد؟؟).. وزراء قدامى عادوا.. مثل المهندس السميح الصديق الذي كان وزيراً للاستثمار ثم التجارة وغاب عن الوزارة عدة سنوات ليعود الآن وزيراً للصناعة.. وآخرون انتقلوا من كرسي إلى آخر.. مثل المهندس زراعي- إبراهيم حامد من الداخلية إلى الزراعة.. وأربعة وزراء حافظوا على مقاعدهم، الفريق أول مهندس عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع.. والأستاذ على كرتي وزير الخارجية.. والدكتور فيصل حسن صالح وزير الثروة الحيوانية والأستاذ دوسة وزير العدل.

وبكل صراحة وأسف.. فقدت الحكومة المهندس أسامة عبدالله وزير الكهرباء والسدود.. والدكتور عوض الجاز وزير النفط.. الاثنان حققا معدلات إنجاز غير مسبوقة وسيكون تحدياً صعباً لخلفيهما المحافظة على مستوى الإنجاز على أقل تقدير..

مغادرة الدكتور نافع علي نافع لمنصبيه في القصر والحزب هي الخبر الحقيقي.. لأن خلفه البروفيسور إبراهيم غندور يبدو شخصية مختلفة عنه تماماً.. فبينما أنهك نافع الأثير السياسي بخطابه الإعلامي العنيف والمصادم.. لم يعرف عن خلفه غندور إلا الخطاب الهادئ الرزين المتسامح..

تغيير نافع بغندور يعني أن المؤتمر الوطني أدرك فداحة الخسارة التي كان يدفع ثمنها من الملاسنات والعبارات الجارحة التي اُشتهر بها نافع.. ولو نجح غندور في (تغيير سياسات) المؤتمر الوطني والحكومة تجاه الآخر.. فبالتأكيد يصبح التغيير حقيقياً قابلاً للعبور بالسودان كله إلى بر الأمان بعيداً عن حالة الاحتراب والتخاصم والتقاتل السياسي والقبلي الدموي..

لكني أشك أن غندور سيجد مساحة كافية ليظهر مواهبه في التقارب مع الآخرين.. ووضح ذلك جلياً في قيادته لوفد المفاوضات مع قطاع الشمال في أديس أبابا.. انهارت المفاوضات سريعاً لأن (التعليمات) كانت صارمة.. ليست فيها مسامات تسمح لغندور بالتنفس طبيعياً..

أنضر إشراقات التعديل الوزاري هي الدكتورة سمية أبوكشوة.. بكل يقين.. هي أكبر من المنصب وأعلى قامة من كرسي وزارة التعليم العالي.. ولو وجدت الحكومة ثلاثة وزراء فقط في مثل سمية.. لكفى..

ومع ذلك.. الشعور العام للشارع السوداني أن هذا التغيير هو مجرد طلاء من الخارج لذات البيت القديم.. وأول ما برهن على ذلك أن عدد الوزراء (الكبير) ظل كما هو.. لم تدمج ولم تلغ وزارات.. لا يزال السودان (أعتى) دولة في العالم بعدد الوزراء.. حتى أمريكا بكل تعقيدات مؤسساتها الدستورية ليس لها إلا (خُمس) عدد وزرائنا..

الخاسر الأكبر في هذا التشكيل الجديد هو الدكتور الحاج آدم نائب الرئيس.. فالرجل الذي وصل للمنصب من أقصى نقطة عداء سافر للحكومة مطلوباً للعدالة بتهمة التخريب.. لم يستطع استعياب وضعه في الرئاسة فاجتهد في منافسة خطاب الدكتور نافع في الهجوم واستفزاز الآخر.. ومع ذلك وجد نفسه ومن أول لفة – خارج التشكيلة..

لو راجع الدكتور الحاج آدم تجربته في الحكم لأدرك أنه خسر كثيراً جداً.. ضيع فرصة أن يكون واسطة خير مع المعارضة التي منها جاء.. كان ذلك أنفع له ولوطنه.. لكنه فشل حتى في التوسط لإطلاق سراح إخوانه الذين زج بهم في محاولة انقلابية خاسرة دفعوا ثمنها سنوات طويلة في سجن كوبر.. ولم يستثمر فرصة كونه نائباً للرئيس في الشفاعة لهم وتقصير عذابات السجن المقيت عليهم.

[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي