ثم ماذا بعد التشكيل
ليس من الحكمة الإصرار على الترتيب للانتخابات القادمة في العام ٢٠١٥.. لسبب بسيط جدا هو أن هذه الانتخابات لا يمكن أن تقوم دون مشاركة الأحزاب، خاصة المعارضة، بكل ندية في حلبة المنافسة.. والوضع الراهن يؤكد أن ذلك غير ممكن.. فالحرب لا تزال تستعر في أجزاء الوطن وقوى سياسية مؤثرة هي جزء من هذه الحرب.
إذا قامت الانتخابات بالوضع الراهن فستكون نسخة وتكراراً لانتخابات ٢٠١٠ وربما أسوأ.. ولابد من البحث عن معادلة تستوعب كل القوى السياسية (دون الحديث عن فترة انتقالية).. وبواقع الحال – في تقديري – أفضل حل متاح هو تقاسم مقاعد البرلمان بانتخابات (تجديد نصفي) لا يشارك فيها حزب المؤتمر الوطني طوعاً باختياره ليتيح لأحزاب المعارضة ميزة الاستحواذ على نصف البرلمان القادم.. حينها تستطيع المعارضة المشاركة في صياغة القوانين وربما الدستور، من داخل البرلمان بكل ندية وجدية..
إصرار المعارضة على حكاية حكومة قومية انتقالية فيه ضعف نظر.. لأن الحكومة لا تصنع القوانين.. الهيئة التشريعية هي التي تفعل ذلك.. بل وتسيطر على الـsoftware الذي يدير البلاد ويصوغ القوانين التي تحرك وتغير كل ما يجب تغييره.. فلا أوجب أن تجتهد المعارضة في إقناع حزب المؤتمر الوطني وحكومته بتقاسم البرلمان بدلاً من البحث عن مقاعد في مجلس الوزراء..
هذا الوضع ليس انتقاليا كما أسلفت.. فـ(التجديد النصفي) سيستمر كل عامين بانتخاب نصف البرلمان.. وعلاوة على أن ذلك يجعل البرلمان مكوناً دائماً من (قادمين وقدامى) تمتزج خبراتهم فإنه يكسر حالة الإحساس بفداحة الخسارة لمن يخسر انتخابات لا تأتي إلا كل خمس سنوات (مونديال).. وهو الإحساس الذي يتسبب في إذكاء نغمة الاتهام بالتزوير والتلاعب بالانتخابات.. تماماً مثل امتحان الشهادة السودانية يرفع حالة الإحساس بالضياع والخسارة القصوى للطالب لكونه حدثاً فريداً في عمره يسجل في صحائفه مدى العمر..
نظام التجديد الجزئي هو تقريبا نفس النظام المتبع في الولايات المتحدة الأمريكية، واحدة من أفضل ديمقراطيات العالم.
هذا الحل الرشيد مفتاح لإنهاء الاقتتال والاحتراب السياسي والعثور على نقطة بداية لمرحلة الاستقرار السياسي والتفرغ للتنمية.. فالوقت الذي ضاع منذ الاستقلال مهول وغير قابل للاسترجاع، وبصيرة المستقبل تتطلب الحكمة والتعويل على نظرة استراتيجية لصالح الوطن والشعب لا الذات الحزبية أو الشخصية.
[/JUSTIFY]حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي