عثمان ميرغني

ما أسوأ أن تكون شعباً

[JUSTIFY]
ما أسوأ أن تكون شعباً

صديقي البروفسيور عبد اللطيف البوني روى في عموده – زمان عندما كان جاري في أخيرة الرأي العام- حكاية المجنون الذي وقف في صينية الحركة وهو يصيح بأعلى صوته (ما أسوأ أن تكون شعباً).. وبكل يقين مثل هذا الجنون هو عين العقل.. ففعلاً ما أسوأ أن تكون شعباً.. وبالتحديد شعباً سودانياً..

سيكشف هذه الحكمة السادة الوزراء والدستوريون الذين أحالهم التعديل الوزاري الأخير إلى مقاعد الشعب.. سيكتشفون مرارة (أن تكون شعباً).. طبعاً بعد فترة من الزمن بعد تمامت لاشيء جاه المنصب..

(أن تكون شعباً) يعني أن تفقد كرامتك.. أصغر موظف في أصغر وحدة حكومية يستطيع ودون أن يطرف له جفن أن (يبهدلك) قبل أن يضع توقيعه الكريم على الورقة التي تتقدم بها لطلب خدمة حكومية ،(أن تكون شعباً).. يعني أن تفقد حقوقك.. بعلمك أو بدونه.. بإذنك أو بدون.. بخاطرك أم غصباً عنك..

حالة كونك شعباً تعني أن تسير قي الشارع وتنتظر إشارة المرور لتضئ بالأخضر مثل غيرك.. وترفع يديك بـ(الفاتحة) في سرادق العزاء وبالكاد يقف للرد واحد فتجلس على أقرب كرسي ولا تجد من يؤانسك.. لأنك صرت (شعباً)

أذكر قبل عدة سنوات وقع نظري على سياسي كبير لكنه تقاعس وترك الكرسي.. كنا في بيت عزاء كان وحيداً يتجول بعينيه في الناس من حوله وهم مشغولون بتبادل الأحاديث والنقاش دون أن يكترث له أحد رغم أنه قبل تقاعده كان إذا أطل في جمع اجتمعت عليه الأنفس والنظرات وتزلفت إليه الجموع ترجو القرب منه..

المحك – بعد التقاعد- أن يجد الوزير نفسه كمن عاد الى حضن أمه .. لاغريب وجه ولا لسان ولاجنان،. الذي يحفظ الناس في المنصب يحفظه الناس بعد المنصب.. يجدهم حوله بلا من ولا أذى يستمر نفس الألق بذات الحب والعرفان..

قبل أيام روى لي وزير (سابق) ترك الكرسي قبل بضع سنين أن هاتفه ماعاد يرن.. صامت كأهل الكهف.. يكاد يطير من الفرح لو سمع رنين الموبايل أو حتى رسالة أو مجرد (مس كول).. وقبل ذلك حينما كانت تجري من حلقه الصافرات الجياد.. لم يكن ينعم بثانية من الصمت .. هاتفه يرن وتجري من تحته الرجاءات والبسمات والخدمات..

لهذا أنصح كل وزير جديد.. أن يعمل بهمة من يدرك أنه مهما طالت وزارته فهو لابد يوماً عائد لحالة كونه شعباً.. و(ما أسوأ أن تكون شعباً ).. على رأي مجنون البوني..

[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي