تحقيقات وتقارير

الدستورية السودانية أبطلت قرارات جهاز الأمن والمخابرات


المار بتقاطعي شارع “البلدية” و”مكتب القبول” لن يفوته ملاحظة اللافتة الحديدية القديمة التي لم تصلها يد الحداثة، وتقف عنواناً لـ”المحكمة الدستورية”.

ولن يكون بمقدور اللافتة المطلية باللونين الأبيض والأصفر، والمكتوب في جزئها الأبيض بخط اليد “المحكمة الدستورية” بينما تزيأ جزئها الأصفر بذات وصف المحكمة ولكن باللغة الانجليزية The Constitutional Court؛ لن يكون بمقدورها؛ أن تقف حائلاً دون لفت الأنظار لقرارات قضاتها التسع والتي سطروها يوم (الأحد) المنصرم، بحق الشرطة، في القضية التي تقدم بها النقيب أبو زيد عبد الله صالح.

وكانت الدستورية قد أصدرت قراراً قضى بعدم دستورية الأحكام الجنائية الصادرة بحق النقيب أبو زيد، والتي انتهت بفصله من سلك العمل الشرطي. وطالبت المحكمة بإعادة البزة العسكرية المرصعة بثلاث نجمات، للنقيب أبو زيد، وبصورة فورية. وذلك بعد ما تم فصله عن العمل، وصدر حكم بسجنه، على خلفية تقدمه بمذكرة لرئاسة الجمهورية بشأن ما قال إنه ملفات تميط اللثام عن عمليات فساد.

وحُظي قرار الدستورية الرابضة في “شارع القبول”؛ بقبول بدا واضحاً في كلمات المحامي، اللواء حقوقي (م) الطيب عبد الجليل والذي عبّر عن احترامه للقرارت الصادرة عن المحكمة.

ومن قرارات الدستورية -كذلك- التي حظيت بارتياح كبير في الأوساط الصحفية قرارها القاضي بعودة صحيفة “التيار”.

الدستورية أبطلت قرارات جهاز الأمن والمخابرات القاضية بوقف الصحيفة عن الصدور لعام ونيف، ورأى رئيس تحرير “التيار” المهندس عثمان ميرغني في قرار المحكمة، انتصار لحرية الصحافة.

ومن قرارت المحكمة الشهيرة، موقفها حيال قضية متقاعدي البنوك الحكومية في العام 2008م. حيث أبطل قضاة المحكمة القرار الوزاري بالرقم (1110) بحسبانه يصادر حقوق المتقاعدين المكتسبة في نيل مترتبات مالية على خدمتهم في القطاع المصرفي.

المثير في المسألة، أن قرار الدستورية والتي تعتبر ملزمة؛ تكسرت على يد بنك السودان المركزي ما اضطر المتقاعدين لتنفيذ عدد من الوقفات الاحتجاجية، وأخرها في يونيو المنصرم.

ولمرة ثانية أطل بنك السودان برأسه في أروقة الدستورية، وتحديداً في حيثيات القضية المرفوعة ضد محافظ المركزي، من مترافعين عن حكومة يوغسلافيا. يومها أمر قضاة المحكمة الدستورية التسع، بوقف تنفيذ قرارات صادرة عن المحكمة التجارية بشأن مديونيات على السودان.

واستندت الدستورية في حيثيات حكمها على كون الدين، ديناً خارجي، يعود إلى حقبة الثمانينات وبالتالي تم قبول الطعن القانوني الذي تقدمت به إدارة البنك في أحقية السودان بالحصول على أموال للتنمية مع تسهيلات تمكن من الإيفاء بهذه الديون، في آمادٍ زمنية طويلة الأجل.

وكما يحق للناشطات الحقوقيات، الافتخار بإبطال قرارات والي الخرطوم الراحل الدكتور مجذوب الخليفة، والتي حرّمت على النساء مزاولة العمل في محطات الوقود والفنادق والمطاعم؛ فإن قرارات الدستورية كان لها القدح المعلى في تحويل ذلك السخط البادئ عند النساء والإعلام على حد سواء؛ إلى قرارات ملموسة بمقتضاها ما زلن النسوة يتمتعن بحقوقهن الدستورية في العمل.

وسياساً؛ دخلت المحكمة الدستورية بين النائب الأول لرئيس الجمهورية، ورئيس دولة جنوب السودان حالياً، سلفا كير ميارديت، وبين غريمه في انتخابات العام 2010م، ورئيس حزب الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي، الدكتور لام أكول.

التدخل كان هذه المرة، بإبطال الدستورية لقرارات كير والتي بموجبها تم حرمان أكول من ممارسة الأنشطة الحزبية في ولايات الجنوب كافة.

لكن بالرغم من الأحكام الكثيرة التي حظيت بالقبول والرضا عند الأهالي، فإن المحكمة الدستورية ظلت هدفاً لانتقادات السياسيين ممن يروا أن قرارات المحكمة إما هي مجيرة لصالح حزب المؤتمر الوطني الحاكم، أو متحاملة على المعارضين.

وضمن شواهد عديدة يقول بها المعارضين، تبرز حادثة رئيس المحكمة السابق، عبد الله أحمد عبد الله، والذي استقال من منصبه، إثر حملة قوية ضده في الإعلام والوسائط الإلكترونية، بعد ما قبل أن يكون محكماً في نزاع شركة (متكوت) العالمية، مع شركة الأقطان السودانية.

وعلى كلٍ؛ ينبغي على من يتبنى فرضيات التحيز والتحامل عند قضاة الدستورية، تجريب ذلك عملياً بالذهاب إلى المحكمة بقضية كاملة الأركان ومن ثم انتظار أحكامها. أحكام قد تكون قيمة مضافة لقرارات الدستورية التي أبطلت ذات مرة أوامر صادرة عن جهاز الأمن ذاته.

الخرطوم- مقداد خالد- الصيحة


تعليق واحد