عثمان ميرغني

جثة مجهولة الهوية


[JUSTIFY]
جثة مجهولة الهوية

أكتب هذه السطور بأسى شديد تعضيداً للتحقيق الاستقصائي الذي تطالعونه في صفحة (5) داخل هذا العدد.. بالله عليكم ارجعوا ببصركم للوراء.. ليس (الوراء) القريب.. بل (الوراء) البعيد جداً.. في عمق الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.. هل تصدقون أننا منذ فجر استقلالنا كنا نصدر للعالمين العربي والأفريقي.. كنا نصدر المعلمين.. والخبراء في مختلف المجالات.. بل حتى لاعبي كرة القدم.. نعم لاعبو كرة القدم في وقت لم يكن يعرف فيه العالم العربي معنى (استيراد لاعب كرة قدم).

وصدّرنا للشقيقة دولة الإمارات أفضل الخبرات الإدارية الذين ساهموا بقدر معلى في صناعة نهضة الإمارات.. على سبيل المثال لا الحصر السيد كمال حمزة.. وخبراء سودانيون آخرون يضيق بذكرهم المجال.. في مختلف التخصصات.

وصدرنا في الإعلام نجوما مضيئة علي شمو ومحمد إبراهيم الشوش والطيب صالح.. وفي مجال العدل والقضاء تمتعت الدول العربية بأفضل خبراتنا التي وصل بعضهم إلى درجة رئيس القضاء في الدول التي تشرفنا بابتعاثهم إليها.

بالله عليكم.. بكل هذا الشرف الباذخ.. لماذا يظن البعض أننا شعب (متخلف عقلياً) تلزمه (الوصاية!!) والرعاية الأبوية التي لا تسمح لنا- نحن شعب السودان- أن نعلم أو نشارك في صنع قرارنا الوطني.. تماماً مثلما يفعل أب بطفله الصغير كلما مد يده أو بصره إلى شيء.. انتهره (عيب يا ولد..).. فنظل مجرد قطيع كبير.. تقودنا الأيام حيث تشاء..

الفاجعة المؤلمة التي أتناولها في التحقيق المنشور بالداخل.. ليست العبرة فيها بحجم الأموال الصعبة التي أُهدرت.. ولا حجم المكاسب العظيمة التي ضاعت من بين أيدينا.. بل في حجم (الحقارة!) واعذروني لهذه الكلمة الشعبية الشائعة.. (الحقارة) بشعب مستنير كامل الرشد والرشاد.. عقله (يوزن قارة) ومع ذلك تُهتك حرماته العامة في رابعة النهار.. وتمارس عليه أشنع ضروب الكذب المستهتر.. ويستغفل في صناعة قراره الوطني.. حتى تأتي الكارثة.. وعندها على رأسه هو الشعب- وحده تقع.

كلمة سحرية.. والله العظيم.. لو تمسكت بها الحكومة في العمل العام لما أصابها ولا أصاب البلاد ضرر قط.. لكن بكل أسف ذات هذه الكلمة السحرية هي التي تجعلنا في صدارة قائمة (الدول الأكثر فساداً في العالم) فالحقيقة التي قد لا يعلمها الكثيرون أن القائمة الدولية الشهيرة التي تُنشر سنوياً. لا تتحدث عن الفساد، بل عن (الشفافية).. لأنها معيار إثبات أو نفي وجود الفساد.

لو.. مارست الحكومة قدراً من (الشفافية) في مصائرنا الجسام.. وأدركت أننا شعب (عاقل بالغ) قادر على المشاركة في صنع قراره.. لما انهارت شركة في مثل تاريخ خطوطنا الجوية (سودانير).. شركة ولدت حينما كان عالمنا العربي والأفريقي يتخلق في رحم الغيب.. وبالحساب المجرد من الهوى لو استمر تطورنا بمقياس طبيعي عادي.. لكانت طائراتنا اليوم تزهو في فضاءات كل قارات العالم.

ستتابعون حلقات التحقيق بإذن الله- وستدركون أن الفجيعة ليست في حجم الأموال المنكوبة نكباً.. بل في سفور و(قوة عين).. عين من يرى فينا شعباً من (المتخلفين عقلياً).. مكتوبة على جبينه.. نفس العبارة المكتوبة على جانبي حافلات النقل الجماعي في الشقيقة السعودية (دع القيادة لنا.. واستمتع بالدهشة

حديث المدينة- صحيفة اليوم التالي[/JUSTIFY]