الصادق الرزيقي

نحــــن ودولـــة الجـــــنــوب!

[JUSTIFY][SIZE=5] [CENTER]نحــــن ودولـــة الجـــــنــوب![/CENTER]

كما جاء في الأخبار فقد توقفت الوساطة التي تقودها الإيقاد بعد قمتها الأسبوع الفائت بنيروبي، عن مواصلة مساعيها لوقف الحرب الجارية في دولة جنوب السودان، وتدخل دولة جنوب السودان نفقاً مظلماً لا تُعرف أي نهايات له إن لم تضع الحرب أوزارها ويتم الاتفاق على حل كل الخلافات بين طرفي النزاع بالطرق السلمية والحوار.. ويزداد الوضع تعقيداً حيث لا يُرى أي أفق للحل برغم الجهود التي تُبذل من عدة أطراف إقليمية ودولية..
تعاطي السودان وتعامُله مع هذه الأزمة رغم معقوليته، إلا أنه مع تطورات الأوضاع على الأرض يجب أن يتطور ويتبدَّل بتغيُّر الظروف على الأرض، حيث لا مصلحة للسودان في استمرار الصراع المسلح بين الجنوبيين، لما يترتب على ذلك من التزامات واجبة تجاه من يلجأ إلى الأراضي السودانية من رعايا هذه الدولة الجارة إلي بلدهم السابق..
ومُنتظر أن يلعب السودان دوراً في الوساطة بشكل مباشر لاتقاء آثار هذه الحرب، واتخاذ كل ما من شأنه الوقاية من مضاعفاتها وآثارها الجانبية عليه..
وقد تُلقي الحرب الجنوبية بظلالها الكثيفة على السودان نظراً لحدوده الطويلة مع دولة الجنوب «حوالى ألفي كيلومتر» ويمكن بسهولة أن تنتقل إليه، خاصة أن مناطق الثروات والنفط تقع في الجزء الشمالي من الدولة الوليدة وتتاخم حدود السودان الجنوبية، كما أن الكثافة السكانية في دولة الجنوب توجد في المناطق المجاورة لحدودنا.. فانتقال الحرب إلى داخل الأراضي السودانية يزداد احتمالاً بوجود الحركات المتمردة السودانية مثل الجبهة الثورية ومكوناتها خاصة قطاع الشمال وحركات دارفور..
وإذا استمرت هذه الحرب أكثر مما هي عليه الآن فالجنوب مرشح للانقسام إلى ثلاث دول، وإذا افترضنا سيطرة طرف من طرفي النزاع على كامل التراب الجنوبي، فإن ذلك لا يُلغي أن الانقسام القبلي سيكون مسيطراً على الواقع الجنوبي لسنوات طويلة، ولذلك في كلتا الحالتين سواء تقسم الجنوب إلى دويلات أو بقي دولة موحدة متناحرة لا توجد فيه سيطرة كاملة لحكومة مركزية… علينا في السودان وضع إستراتيجية تجاه الجنوب ومآلاته ومستقبله السياسي.
إذا سيطر الدينكا وحلفاؤهم وفرضوا هيمنتهم على الجنوب، أو حدث العكس نجح النوير ومن يقف معهم في إطاحة حكومة سلفا كير الحالية، فإن الجنوب سيكون بين نارين، فكيف سيتم التعامل بالنسبة لنا في السودان مع القوتين العظميين في دولة تجاورنا ونعرف عنها كل صغيرة وكبيرة؟
لا سبيل أمامنا ولا خيار، إلا التعامل مع الطرفين في آنٍ واحد، في وضع شبيه بحالة العراق وإيران عقب حربهما الشهيرة في عقد الثمانينيات، حين اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية يومها ما يسمى بإستراتيجية الاحتواء المزدوج للدولتين المتحاربتين معًا، ولا مناص بالنسبة للخرطوم في حالة التنازع الجنوبي من اعتماد سياسة وإستراتيجية شبيهة بتلك التي اعتمدتها واشنطون في حرب الخليج الأولى للاحتواء المزدوج..
فالقبيلتان الكبريان الدينكا والنوير، تجاوران السودان في مفاصل مهمة للغاية، إضافة للعلاقات التاريخية والصلات القديمة، فالدينكا يتمدَّدون في شريط طويل يمتد من حدود ولايات دارفور الجنوبية وعلى امتدادات بحر العرب حتى حدود جنوب كردفان، ويلتقي النوير بحدود جنوب كردفان ويلاصقون مناطق هجليج وحقول البترول السودانية التي ترتبط جغرافياً بمناطق البترول في ولاية الوحدة، فالدينكا لدينا حدود طويلة معهم تمثل حدودًا رعوية ومنافذ تواصل وتجارة تشكِّل مصالح حيوية معهم، والنوير لدينا معهم ذات الخصائص أضف إليها حقول النفط المتجاورة..
وعليه لا يمكن للسودان أن يكون حليفًا لأيّ قبيلة من القبليتين منفردة، ولا يمكنه الاستغناء عن واحدة ويحتضن الأخرى، يجب التعامل معهما في نفس الوقت سواء كان احتواء إيجابياً أو احتواء لاتقاء شرور الحرب والنزاع..
ومن هنا تنبع أهمية العصف الذهني في دوائر صناعة القرار لاعتماد رؤية وسياسة وإستراتيجية وخطة واضحة، للتعامل مع تداعيات الحرب ونتائجها المتوقعة، وأذكر هنا حديثين، للدكتور علي الحاج نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي، عندما ذكر لي قبل عام في مهجره بألمانيا، أن للحركة الإسلامية خطة وإستراتيجية واضحة منذ العام «1982» وُضعت في اجتماع مشهود في ذلك التاريخ رُسمت فيه معالم التوقعات ومعطيات الواقع لمستقبل الجنوب… وقال بأسى إن شيئاً منها لم ينفَّذ للأسف..
والحديث الثاني للدكتور غازي صلاح الدين رئيس حركة الإصلاح الآن، الذي ذكر لي وهو في السلطة أنه ظل ينادي بوضع تصور ورؤية تجاه دولة الجنوب بعد إعلانها… وللأسف أن ذلك لم يتم أيضاً وذهبت كلماتُه أدراج الرياح..
فهل من رؤية وتصور وإستراتيجية جديدة بعد أن طرقت حرب الجنوب الحالية أبوابنا؟!

أما قبل : صحيفة الانتباهة [/SIZE][/JUSTIFY]