رأي ومقالات

محمد الطاهر العيسابي: الفـــاو .. من أغمض عينيك!!

كانت طفلة جميلة وديعة نضرة الوجه ، تتدلى ضفائر شعرها البهيّم على خِصرها الرشيق ، يطل صباحها الربيعي وهو يصافح الوجوه بنسمةٍ تنعش الجسم وترد الروح ، بساتينها الخضراء ، وأرضها السمراء ، وحسنواتها أين ذهبن !
كان أقصره عمراً وأسرعه مراً كذلك أوقات المسرات إذ تذكرت أيام ربيعك وقد كسى جبالك ألوان النباتات وفتح النور أفواحاً معطرة أهاجنى نفح هاتيك الفويهات !
الفاو .. من أغمض عينيك الجميلتين ومن أطفأ بريقهما الفاتن ، ومن ذهب بنور وجهك البشوش الذي لايعرف التكشير والعبوس ! ،

كنتِ مرتع صبانا الندي ، وقِبلة إستجمامنا ومحطّ نزهاتنا .لماذا أصاب جسدك الوهن ليصبح مُنهكاً لايقوى على شيء ، ولماذا بدأ وجهك كالحا ًعبوسا !

زرتك وشوارعِك المخضرة قد إغبرت ، فأين إختفى جمالها وطلاّت أغصان بساتينها التي كانت تمتد لتصافحك ، أين تلك الأيادي الخضراء التي يبُست وتلاشت !

أين خُضرة مشروعك ، وهدير عُمالك ، ووفير إنتاجك ، وتسامح جيرانك الذين غادروك وإختفوا !
هل هانوا عليك أم هُنتِ عليهم !

أين الأعمام محمود والنعمان والبدوي و أحمدون ، وأين الأخوال مصطفى و الانصاري والجار الله وعثمان ، غيّب بعضهم الموت ، فهل سمعتي بهم ، وهل لازال دمع فراقهم على وجنتيك ؟

لماذا أصبحتِ كئيبة حزينة كأنك سجينة تنام باكيّة في أول المساء وتصحو موجوعة في الصباح ، أين مقاهي شبابك وأنديتهم و نشاطهم وضحكاتهم المجلجلة التي كانت تشق دُجى الليل ، أين حُسام ومحمد وطارق وناصر وياسر وعُبيدة المقدام .

الفاو .. حشد من الذكريات في زمان بريّق المدن والجمال ، بيوت موظفيها المتراصة المصفوفة ترسم لوحة لازالت مطبوعة في الخيال . أفراحهم أحزانهم آلآمهم أوجاعهم يتشاركونها كما هي ( صينيّة ) الطعام !

سأقول فيك نظم ( مطران ) ولقد ذكرتـك والنهار مودع والقلب بين مهابة ورجاء .. وخواطري تبدو تجاة نواظري كلمى كدامية السحاب إزائي .. والدمع من جفني يسيل مشعشعاً بسنى الشعاع الغارب المترائي .. والشمس في شفق يسيل نضاره فوق العقيق على ذرى سوداء .. مرت خلال غمامتين تحدرا وتقطرت كالدمعة الحـمراء .. فكأن آخر دمعة للكون قد مزجت بآخر أدمعي لرثائى .. وكأنني آنست يومي زائلا فرأيت في المرآة كيف مسائي !
الفاو .. من أغمض عينيك ( للرحيل ) ؟ ألم يؤلمه طرفك الكحيّل ؟ ووجهك البريء الحزين ؟؟ وقلبك المفتوح للجميع ؟؟ وصدرك الحنون ، ولسانك الطروب ، وجمالك المحبوب ؟؟

هل تعودين كما كان ؟ وهل يستدير الزمان ؟ ونصافح الأغصان في الطرقات ، ونطرق الأبواب ونصاحب الأصحاب والأحباب والجيران؟ أم هذا محال؟

بقلم : محمد الطاهر العيسابي
[email]motahir222@hotmail.com[/email] إلى لقــاء ..
لصحيفتي السوداني والوفاق