رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : مطهرات «الفاتح» بعد تقرير المراجعة

[JUSTIFY]كلما أطلق «المراجع العام» تقريره نهاية كل عام وأبان فيه أرقام التجاوزات المالية سواء أكانت إدارية أو جنائية، قام نفرٌ من الناس كاتباً أو متحدثاً يتساءل: وماذا بعد هذه السرقة الضخمة؟ والكل ينتظر أن تأتي الحكومة «الجهاز التنفيذي» باللصوص على جناح السرعة إلى ساحة القضاء، تقدم بواسطة النيابة الجنائية فلاناً وعلاناً وفلتكاناً، لكن من هم اللصوص؟ هذا السؤال لا يجيب عليه «المراجع العام» الذي انتهى دوره بإطلاق التقرير. هذا السؤال يجيب عليه «القضاء» وحده.
أما الجهاز التنفيذي فدوره الابتدائي هو أن يستدعي مديري المؤسسات التي وقعت فيها حالات السرقة.. سرقة المال العام.. بعد ذلك تحمل المسؤولية لمن صرف أو وجه بصرف الشيكات واستلام أموال الميزانيات الإنفاقية أو التمويلية من البنوك. وتبدأ عملية التحري الجنائي… وهذا ما يحدث في كل مرة، فيسترد المال ويُدان اللصوص. والسجون لا تخلو من لصوص المال العام في الميزانيات السابقة.

أما نجاة بعض اللصوص من الكشف وبالتالي القبض عليهم، فهذا يعود إلى عدم كفاية القرائن لتوجيه الاتهام أو عدم كفاية الأدلة إذا وجه الاتهام.. والسبب ذكره رئيس البرلمان أو بالأحرى جرى على لسانه دون أن يحدده كسبب لنجاة بعض اللصوص، وهو قوله بأن «الأداء المالي للحكومة توجد فيه اختلالات، وأن الخطوة تقتضي وضع المطهرات على الجرح مهما كان موجعاً» انتهى.
إذن البلاد على موعد العام القادم بأن تشهد آثار وضع المطهرات على الجرح!! إن رئيس البرلمان الدكتور الفاتح عز الدين يقوم هو الآخر إذن بمراجعة سياسية بطريقة غير مباشرة بعد أن فرغ المراجع العام الطاهر عبد القيوم من المراجعة المالية. ورئيس البرلمان إذ يتحدث عن اختلال في الأداء المالي للدولة فإن هذا يعني لا شعارات الانقلاب في 30 يونيو 1989، ولا التحول الديمقراطي الأول عام 2000م، ولا الثاني عام 2005م لا في واحدة من هذه تمت في ظلها معالجة الأداء المالي للدولة، إذن حديث الفاتح عز الدين جاء بمثابة تقرير للمراجعة السياسية. وطبعاً لا يمكن أن تعكس المراجعة المالية أرقاماً إيجابية توضح ارتفاع النمو وخفض التضخم، وأرقاماً صفرية أو قريبة الى ذلك حول الاعتداء على المال العام، دون أن يقوم ذلك على مراجعة سياسية تبدأ من البرلمان.
وها هو رئيس البرلمان يعد بوضع المطهرات على الجرح، ونرجو ألا تكون مجرد محاولة امتصاص للدهشة التي أصابت الناس من أرقام المخالفات في تقرير المراجع العام.

الآن التناول والنقد الإعلامي لأرقام المخالفات في تقرير المراجع العام لن يفيد. والدولة ليست في انتظار من يقول لها اقيمي دعاوى جنائية، فهي كل عام تفعل ذلك، وقد تحدث التقرير عن استرداد اموال ضخمة مسروقة. لكن الدور الإعلامي هو توعية الجهاز التنفيذي بعكس آراء ومعلومات وتحليلات خبراء الاقتصاد في البلاد وخارج البلاد، وهذا هو أوجب واجبات الإعلام، سواء أكان رسمياً أو مستقلاً أو معارضاً. وأحياناً أشعر بأن الحكومة تستفيد من صحف تجاهر بمعارضتها لها حين تنشر مواد ذات قيمة توعوية في الاقتصاد أو الأمن أو الدبلوماسية. إن الاعلام الجاد لا تهتم به الأغلبية وسط الشعب، ثم لا ننسى أن من آثار الحروب التي تشعلها القوى الأجنبية من خلال بعض أبناء الوطن، من آثارها حالات الفساد المالي. ولهذا تفاصيل مملة طبعاً لا يسعها المجال هنا، لكن مثلاً حينما ترصد ميزانية لمشروع تنموي تواجه البلاد بأوضاع أمنية جديدة من ورائها التمرد تستدعي تحويل ميزانية التنمية إلى مواجهة منصرفات حماية المدنيين وممتلكاتهم، وطبعاً من أهداف الاستهداف الأجنبي للبلاد من خلال التمرد تحويل كل ميزانيات مشروعات التنمية والإنتاج والرفاهية للصرف على صد الحرب، فالقوى الأجنبية لا تستفيد من القتل والدمار حتى تنفق على المتمردين، لكنها تستهدف البنى التحتية والقدرات الاقتصادية حتى لا تبور أسواق الغرب بعد أن تتهيأ البلاد لاكتساب التكنولوجيا، لذلك كانت العراق ضحية، وقبلها كان الاتحاد السوفيتي ضحية، والفكرة واضحة. على أية حال ننتظر وضع المطهرات إذا في العمر بقية.

صحيفة الإنتباهة
ت.أ[/JUSTIFY]