رأي ومقالات

محمد الطاهر العيسابـي: الأوقاف .. مسؤوليتكم أمام الله !!


بالأمس قمت بزيارة مبنى حكومي أنيق يقع في أحد أحياء العاصمة السودانية ( الخرطوم ) الراقيّة والذي يقدر سعر الأرض فيه بالمليارات ، ودُهشت عندما علمت أن هذا المبنى ( وقف ) منذ قديم الزمان تستأجره الدولة !

فقد كان السودانيون في زمان مضى وقبل أن يتسلل حُب الدنيا والتنافس عليها إلى القلوب ، كانت سُنة ( الوقف ) حيّة و شائعة وأمر معتاد قبل أن ( تموت ) الآن ، لذا فإن عقارات الأوقاف المنتشرة داخل وخارج السودان تُقيّم أصولها بمليارات الدولارات ، ومعظم عقارات الأوقاف تقع في أفضل المواقع وأثمنها ( قيّمة ) وخاصة بالخرطوم والأراضي المقدسة ، فقد كان الواقفون ( ينفقون مما يحبون من أموالهم ) !

وعجبت قبل أيام عندما طالعتنا الأخبار بوجود حساب جار بإحدى البنوك السعودية بإسم ( سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ) !

وكان سيدنا عثمان ( رضي الله عنه ) قد أوقف ( بئر رومة ) التي كانت المورد الرئيسي للماء بالمدينة ، وبعد فترة من الزمان أصبحت النخيل تنمو حول هذه البئر، فاعتنت به الدولة العثمانية حتى كبر، وبعدها جاءت الدولة السعودية وأعتنت به أيضاً حتى وصل عدد النخيل ما يقارب ١٥٥٠ نخلة !
فأصبحت الدولة ممثلة في وزارة الزراعة السعودية تبيع التمر بالأسواق وما يأتي منه من إيراد يوزع نصفه على الأيتام والمساكين والنصف الأخر يوضع في البنك في حساب باسم عثمان بن عفان تديره وزارة الأوقاف .
وهكذا زكا المال ونما حتي أصبح في البنك ما يكفي من أموال لشراء قطعة أرض في المنطقة المركزية المجاورة للحرم النبوي !! بعد ذلك تم الشروع ببناء عمارة فندقية كبيرة من هذا الإيراد أيضا ، البناء في مراحله النهائية الآن وسوف يتم تأجيره لشركة فندقية من فئة الخمس نجوم ومن المتوقع أن تأتي بإيراد سنوي يقارب ٥٠ مليون ريال سعودي، نصفها للأيتام والمساكين ونصفها في حساب عثمان رضي الله عنه في البنك ، والجميل والعجيب ان الأرض مسجلة رسميا بالبلدية باسم عثمان بن عفان ، سبحان الله هذه تجارة مع الله بدأت واستمرت طوال 14 قرنا فكم يكون ثوابها ؟ لذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام لكل نبي رفيق ورفيقي في الجنة عثمان .

على الحكومة السودانيّة أن تتورع في مال الأوقاف وتتنزه عنه تماماً ، ولاتدخله إلى ( منفعتها ) أو تتساهل فيه ، فهذه مسؤولية ( عظيمة ) أمام الله تعالى مسؤول عنها وليّ الأمر لحمايتها والإهتمام بها ومعرفة ( مصارفها ) ، فلازالت بعض مباني الأوقاف تستخدمها الدولة وتتهاون في سداد أجرتها و ( قد ) لاتدفع إطلاقاً فأملاك الأوقاف هى ملكية خاصة وليست عامة يُنفق ريعها فيما خُصص لها، ولايمكن أن تترك ليستولى عليها أو تُسلب أو يتساهل فيها ، ومسؤولون عنها أمام الله .
إلى لقاء ..

بقلم : محمد الطاهر العيسابـي
[email]motahir222@hotmail.com[/email] صحيفة السوداني