دارفــــور فـــي كــتاب جديــــد!

في جديد حركة النشر والتأليف في العالم العربي، ما من كتاب لافت للنظر ومثير المحتوى وعميق الفكرة والمنهج، مثل كتاب «دارفور حصاد الأزمة بعد عقد من الزمان»، أصدره مركز الجزيرة للدراسات بالدوحة التابع لقناة الجزيرة في قطر، وموطن أهمية وقيمة الكتاب، أنه يمثل مجموعة بحوث ودراسات ألفها وقام بإعدادها، مجموعة من المفكرين والأكاديميين والخبراء المختصين من داخل السودان وخارجه، وتولى تحريره الدكتور عبد الوهاب الأفندي ود. سيدي أحمد ولد أحمد سالم، بتكليف من مركز الجزيرة للدراسات، حول قضية تُعد الأبرز في العالم خلال العقد الذي مضى حتى أدركها زماع وأفول..
صدر هذا الكتاب قبل شهر ونصف تقريباً، في نوفمبر من العام الماضي، أسماء مؤلفيه تنبئ وحدها عن عصارة الأفكار والآراء والتقصي والبحث والمتابعة، التي سُكبت بين دفتيه وغلافيه، مما جعله سفراً غنيًا بما يحويه من معلومات وتحليل ورصد دقيق للأزمة من جذورها ومنبتها، ومتابعة وسبر عميق لتطوراتها وتداعياتها وآثارها، ويدخل الكتاب إلى منعطفاتها المحلية والإقليمية والدولية، ومضاعفاتها التي قادت السودان كله قبل دارفور نفسها إلى الوضع الماثل والشاخص الآن..
وقام بهذا الجهد العلمي الكبير «بروفيسور الطيب زين العابدين ود. التجاني عبد القادر حامد ود. محمد الأمين خليفة ود. خالد التجاني النور ود. حمد عمر حاوي ود. منزول عبد الله منزول عسل وأ. سامية أحمد نهار ود. محمد محجوب هرون ود. بلقيس بدري ود. فتح الرحمن القاضي ود. أليكس دو فال ود. جيروم توبيانا»، وكل اسم من هذه الأسماء يشير إلى قيمة علمية وتجربة بحثية غير مطعون أو مشكوك في رصانتها ودقتها وحيادها الممكن والمأمول.
وحاول هؤلاء الباحثون الإجابة عن أسئلة محددة حول قضية دارفور، تمثل الإجابة عنها مدخلاً مهمًا ولازمًا للحل، وهو ما انصبّ عليه البحث والتحليل، في كل محاورها الأمنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والإنسانية والاجتماعية وتجلياتها الثقافية، وتتبع الأثر الذي تركته على مجتمع دارفور والواقع شديد التعقيد المولود من رحم هذه الأزمة الشائكة التركيب.
لقد كانت أزمة دارفور في حاجة إلى تعريف في المقام الأول، حيث تتعدد الأقوال والتصنيفات لأسبابها والبيئة الحاضنة لتطوراتها، وهذا الصعود الرأسي الذي أجلسها على قمة القضايا الدولية خلال الفترة من «2003» حتى «2013م»، مع أنها بدأت تخبو رويداً رويداً لكنها تظل من دون حل نهائي ناجع، جمراً متقداً وناراً تحت الرماد..
تناولت البحوث في الكتاب، جذور الأزمة وتداعياتها بتحليل عميق للدكتور الطيب زين العابدين، وأضاف د. التجاني عبد القادر من وجهة نظر غاصت في عصب ومكامن الداء، إلى أن وضع دارفور وواقعها كجزء من كل في أزمة الدولة السودانية، وذهب إلى أن هذا الوضع هو ظل منعكس لكتلة الأزمة الكبرى في الدولة السودانية وظاهرتها السياسية التي تفسر عليها السياسات ونتاجاتها، وتناول محمد الأمين خليفة بخلفيته السياسية والعسكرية ودوره في التغيير الذي حدث في «30» يونيو «1989م» وانسلاخه من مسار التجربة في تكوين سياسي معارض، تناول الحركات المسلحة في دارفور تركيبتها وأدوارها وذلك بتحليل مستبصر ومعلومات دقيقة، وركز الدكتور حمد عمر حاوي على الدور المنتظَر لشباب دارفور من كونهم ظلوا وقوداً للحرب ويُنتظر منهم أن يكونوا صُناعاً للسلام، واتخذ الدكتور خالد التجاني الناشر والكاتب والباحث في الشأن الاقتصادي، اقتصاد الحرب والحروب الاقتصادية وأثر الصراع في دارفور عليها، وقدَّم معلومات بيانات وتحليل حول أثر هذه الحرب على حركة الإنتاج والاقتصاد في دارفور، وركز كلٌّ من الدكتور منزول عبد الله منزول ود. فتح الرحمن القاضي على الجانب الإنساني وهو أهم وجه من أوجه أزمة دارفور، وقد جلب الوجه الإنساني التدخل الدولي وأعطى مبرراً له واستمطر التعاطف العالمي ببروز أعداد كبيرة من النازحين واللاجئين وظروفهم، وكيف أن التدخل الدولي بقفازاته الإنسانية كان هو القنطرة التي عبر منها التدخل السياسي الدولي وتوابعه العسكرية وفرض الإجراءات الأممية والعقوبات، وتناول الدكتور محمد محجوب هرون ظاهرة انتشار السلاح وعلاقته بالسياسة وعلاقة هذه الأزمة بالساحة السياسية وسجالاتها وتزيداتها وحقائقها، وهو مبحث مهم للغاية يكشف عن أبعاد غوَّرت الجرح النازف من وراء بعض الضمادات السياسية التي وُضعت على الجسد المثخن بالقروح. بينما رصدت أسماء نهار الباحثة بجامعة الخرطوم دور المرأة وهي في قلب الصراع وطاحونة الحرب حيث مثلت أضخم أعباء الحرب وتمثل كذلك أبرز المساهمات في السلام وصناعته.
أما الخبيران الدوليان أليكس دو فال فقد تحرى رؤية ما وراء الدور الاقليمي في الأزمة في ابتكاراته الخلاقة في صناعة السلام أو صراعاته التي عطلت التوصل إلى حلول.. واستكناه دور المجتمع الدولي الذي بدا لجيروم توبيانا، متخبطاً في بدايات الأزمة ثم لا مبالياً، بعد بروز أزمات دولية أخرى أو نفوق البقرة الحلوب التي كانت تدر أموالاً على المنظمات وناشطيها، ومكاسب سياسية لجهات دولية عديدة جعلت منها منصة ولوحة إعلانية مضيئة. الكتاب جدير بالقراءة والاقتناء، لكن الأهم منه أن تجد فيه حكومة السودان وولاة ولايات دارفور وكل الناشطين في هذه القضية ما يفيد في تجاوز هذه الأزمة ومعالجة واقعها المرير…
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة