سر أبوحفيظة الذي لم يدركه باسم يوسف
من وجهة نظري المتواضعة، أرى أن برنامج أبوحفيظة نقلة نوعية حقيقية في الإعلام المصري، بدأها باسم يوسف وكان الرائد فيها بجدارة، إذ خط الخطوط العريضة والأساسية في مجال البرامج السياسية الساخرة على مدار السنوات الأخيرة عقب ثورة 25 يناير 2011. ونرى بعض الأثر لذلك في برنامج أبوحفيظة من حيث استخدام الاسكتشات الساخرة، والأغاني المعروفة بعد تغيير الكلمات للسخرية من القضية تحت النقاش، أو حتى تشابه محتوى النقد. ومع ذلك فالفرق بين البرنامجين بيّن، فأبوحفيظة شخصية مصرية صميمة من تأليف مؤديها أكرم حسني، تصل للمشاهد بسرعة وسلاسة عفوية. ثانياً، طريقة أبوحفيظة النقدية الساخرة تتماشي مع المجتمع المصري المحافظ الذي قال النقاد إنهم تأذوا من استخدام باسم يوسف الإيحاءات الجنسية المباشرة، حيث يوجه أبوحفيظه النقد الخاطف، غير المباشر ولا الشخصي، على عكس باسم يوسف الذي تفنن في توجيه النقد اللاذع، المباشر، وأحيانا التجريح الشخصي، خاصة للشخصيات العامة، والإعلامية والسياسية (النخبة).
وعندما حاول «البرنامج» تناول القضايا الشائكة عقب ثورة 30 يونيو، تجاهل مشاعر الملايين المؤيدة للسيسي والجيش، والمزاج العام الذي لم يكن متقبلا لوجهة نظر بديلة، فاستفز باسم يوسف قطاعا عريضا من الرأي العام الرافض آنذاك لأي انتقاض للمؤسسة العسكرية. أما أكرم حسني فربما كان أذكى في التعامل مع تغير المزاج العام، حيث بدأ في تناول القضايا الاجتماعية في الموسم الثاني، مقارنة بالتركيز على السياسة في الموسم الأول، فاستطاع الخروج من المأزق بسلاسة.
باسم يوسف اختار أن يكون على شاكلة الإعلامي الأمريكي الساخر جون ستيوارت، فتناول القضايا الحرجة على الطريقة الأمريكية «أميريكان ستايل»، حيث النقد اللاذع المباشر والشخصي. أما أبوحفيظه، فهو رمز اللمسة أو «التاتش المصري» الذي يبرع المصريون في وضعه على كل شيء، فيُشعر المشاهدين أنه «واحد منهم»، يتحدث بمفرداتهم. باسم يوسف حقق نجاحأ مدويأ لم يصل له بعد أكرم حسني، بالرغم من أنه أقل إثارة للجدل من باسم يوسف، إلا أن الأخير في اعتقادي نجح في استغلال توحد جميع فئات الشعب ضد الإخوان قبل 30 يونيو، فأدمنه جميع فئات الشعب، رواد المقاهي البلدي والنخبة، وحتى الناس الذين قد لا يؤرقهم الشأن العام كثيرا ولكنهم كانوا «مخنوقين» من الإخوان، ورأوا في باسم يوسف من ينفث عن احتقانهم.
بالإضافة إلى أن باسم يوسف من يوم ظهوره على اليوتيوب مناصرا ثورة يناير، ويعتبره شباب الثورة الفاعلون على مواقع التواصل الاجتماعي بطلهم المعبر عن مطالب الثورة. وهذا هو في اعتقادي أهم أسباب عدم استمرار باسم يوسف كثيرا في العهد الجديد، إذ حصر باسم نفسه في إطار الناقد السياسي اللاذع منذ أيام الإخوان، ونظراً لأن ظهير باسم يوسف الأول هو شباب الثورة، فلم يكن ليرضوا بأن ينصرف باسم قليلاً عن النقد السياسي للسيسي والتركيز على القضايا الاجتماعية ولو مؤقتاً، ولاتهموه حينها «بالتطبيل» للنظام. أما أكرم حسني فليس عليه مثل هذا العبء، ولذلك استطاع الخروج بسلاسة من شرنقة النقد السياسي ليتوسع إلى تناول القضايا الاجتماعية (ذات المردود السياسي) التي تشغل المجتمع ببراعة تحسب له، إذ يحاول دائما عرض المشكلة وحلها، واستضافة من هم لديهم أفكار وحلول، أو من هم يمثلون «فكرة» في حد ذاتهم مثل أيمن بهجت قمر والشاعر هشام الجخ، إلخ.
وأتفق مع ضيفه خالد حبيب الإعلامي وخبير التطوير، الذي نصح بأن يظهر أكرم حسني أكثر بدلا من أن تكون الحلقة كلها بشخصية أبوحفيظة. في رأيي يمكن لأكرم حسني أن يقدم بنفسه فقرة الضيف، حيث أحيانا يفرض وجود أبوحفيظة أن يستمر الحوار بنفس النمط الساخر المتبع من أول الحلقة، ولكنه لا يتناسب بالضرورة مع الحوار الهادف الذي يحاول أن يديره مع الضيف، فيشعر المشاهد بصراع خفي بين رغبة أبوحفيظة في السخرية وبين رغبة الضيف في الاسترسال في فكرة بناءة، وينتهي الحال بأن الفقرة «تقلش» منه.
الفكرة الأهم لتطوير برنامج أبوحفيظة هى ضرورة وجود جمهور يتفاعل مع أكرم حسني أثناء تصوير الحلقة، ليس تقليدا لباسم يوسف، ولكن كضرورة حقيقية لإضفاء الحيوية الناجمة عن تفاعل الجمهور مع أبوحفيظة وفريق العمل في البرنامج. لا ينبغي لأبوحفية أن يصبح محصورا في إطار فرضه على نفسه كما فعل باسم يوسف، حتى يستطيع الاستمرار والتكيف مع المتغيرات المجتمعية والمزاج العام المتقلب.
المصري اليوم