تحقيقات وتقارير

مازالوا يناضلون من أجل الحصول على التعويضات .. المتضررون من حرب الخليج .. حصاد السراب بعد سنين الاغتراب

[JUSTIFY]المتضررون من حرب الخليج .. حصاد السراب بعد سنين الاغتراب ..(1ـ2)
رئيس لجنة المتضررين : الحكومة مازالت تماطل في تسديد أموالنا التي استدانتها منا.
غالبية المتضررين لم يستلموا أموال التعويضات .. رغم استلام متضرري بقية الدول .

تعويضاتنا أدخلت الى السوق عبر نافذين وقفوا خلف حل اللجنة الوطنية
حينما يقدم أي مواطن على اتخاذ قرار السفر الى دولة أخرى من أجل تغيير واقعة المعيش ، يكون متشوقاً للعودة الى أهله وبلده ، ومستعداً لتقديم أي دعم لأسرته وبلاده ، وخير مثال لأولئك المغتربين هم السودانيون الذين كانوا في العراق قبل اندلاع حرب الخليج الثانية ، الذين قدموا كل مدخراتهم المالية للحكومة إبان فترة الحصار الاقتصادي المفروض على السودان ، ولكنهم تفاجأوا بنكران الجميل الذي قدموه للحكومة السودانية ؛ التى قابلت جميلهم بمعاملة سيئة عقب عودتهم الى البلاد ، وحتى اليوم لم ترد إليهم مدخراتهم التي ائتمنوا عليها الحكومة السوددانية ، ولا على أموال التعويضات التي قررتها الأمم المتحدة لكل أجنبي تضرر من حرب الخليج الثانية .

مدخل تعتبر قضية السودانيين المتضررين من حرب الخليج الثانية التى اندلعت بعد عشرة أعوام من اجتياح القوات العراقية دولة الكويت عام 1991، وانتهت بدخول القوات الأمريكية لدولة العراق عام 2003م ، وأسقطت نظام الرئيس العراقي صدام حسين . من أكبر القضايا المطلبية الشائكة في الوقت الراهن ، إذ فشلت الحكومة السودانية في إيجاد حل جذري لها ، فالمتضررون من تلك الحرب يبلغ عددهم قرابة (42800) متضرر، مازالوا يعانون حتى اليوم ؛ في سبيل الوصول الى التعويضات المالية التي أرسلت لهم عبر الأمم المتحدة ، وسلمت الى الحكومة السودانية ، وظلوا يطاردون الجهات الحكومية المسؤولة من تلك الملفات ؛ من أجل الحصول على على أموال تساعدهم في إعالة أسرهم بعدما فقدوا كل شيء عقب اندلاع تلك الحرب التي حولت حياتهم الى جحيم لأنهم أرسلوا كل مدخراتهم المالية الى الحكومة السودانية ، ولكن لم يحصلوا عليها حتى اليوم ، وكذلك غالبيتهم لم يستلموا أموال التعويضات ؛ بالرغم من أن كل الدول الأخرى التي كانت لديها رعايا في العراق استلموا تلك التعويضات .

نوايا حسنة قضية المتضررين من حرب الخليج تتكون من شقين : الأول يتعلق بالتحويلات المالية التى أرسلوها للحكومة السودانية في (30 سبتمبر1992م ) عندما كانت الحكومة السودانية تعاني من حصار اقتصادي أثر في الاقتصاد السوداني ؛ وجعله مهدداً بالانهيار ، حسب حديث رئيس اللجنة التنفيذية لمتضرري حرب الخليج” أنور عبد الجبار” ، الذي قال للمستقلة : إن الحكومة عقب ازدياد الحصار أرسلت وفداً برئاسة وزير المالية حينها عبد الرحيم حمدي ، ووزير الاستثمار الحالي مصطفى عثمان اسماعيل ؛ للطواف على المغتربين في الخارج لإقناعهم بتحويل مدخراتهم المالية الى حكومة السودان من أجل إنقاذ الاقتصاد السوداني من الانهيار الذي كان يواجه ضائقة خانقة ، وأشار إلى أن الوفد زار كل الدول العربية وقابل المغتربين هناك ؛ إلا أنه لم يجد استجابة كبيرة إلا من السودانيين المغتربين في العراق ؛ الذين رحبوا باللجنة ، والتي وعدتهم بتسليم أي أموال يقومون بتحويلها للحكومة عند حضورهم الى مطار الخرطوم ، وأضاف ؛ أن التحويلات كانت تتم عبر البنك المركزي العراقي الى حساب الحكومة فى البنك المركزي السوداني ، وزاد كل شخص يحول مدخراته لحساب الحكومة يعطى مستند يسمى (الورقة الصفراء) التي تثبت إرساله للمال، وتابع : أن التحويلات بلغت أكثر من ثمانية مليارات جنيه سوداني .

بداية المأساة وأوضح عبد الجبار أن بداية مأساة المتضررين من حرب الخليج بدأت عقب العودة الإجبارية الى السودان مع بداية اندلاع الحرب بالعراق ، وعند وصولهم الى مطار الخرطوم كانوا يأملون في الحصول على تلك المدخرات كما وعدتهم اللجنه ؛ إلا أنهم تفاجأوا بعدم تجهيز مدخراتهم ، كما وعدتهم اللجنة الحكومية التي قابلتهم في العراق ، وأقنعتهم بتحويل مدخراتهم المالية . ويواصل : وجدنا معاملة سيئة خلال رحلة الحصول على أموالنا التي حولناها للحكومة ، ونكران جميل لما قدمنا من دعم لحكومة الإنقاذ في سنيّها الأولى ، خاصة في الإجراءات المعقدة التي اتبعتها البنوك آنذاك ، والتي استغرقت قرابة العام في المطاردة مابين وزارة المالية والبنك المركزي والبنوك الفرعية الأخرى ، بنك المزارع والنيلين والخرطوم والعمال الوطني من أجل إثبات تحويل الأموال.

موضحاً أن غالبية الذين حولوا أموالهم هناك تلاعب في حجم الأموال التي حولوها للبنوك ؛ بالرغم من امتلاكهم مستندات تثبت تحويلها من البنك المركزي العراقي ، ويواصل في السرد : وجدنا تدخلاً من سماسرة طالبوا من المتضررين التنازل عن ثلث أموالهم من أجل تسهيل عملية حصولهم عليها ، وبعض البنوك تصرفت في الأموال ، بعضها تقول : إنها سلمت الأموال الى وزارة المالية السودانية ، وبعد معاناة شديدة وافقت وزارة المالية على رد بعض الأموال التي حولت عبر البنوك وصدقت بأموال تبلغ حوالي ملياري جنيه فقط ؛ لم تلتزم بدفع مبالغ تقدر بأكثر من خمسة مليارات وستمائة ألف جنيه ؛ حتى اليوم .

رحلة البحث عن حل وبذلت لجنة المتضررين من حرب الخليج مساعي عديدة لإيجاد حلول لقضيتهم إلا أن الفشل كان حليفها في كل المحاولات ، لأن الحكومة كانت تتحجج بعدم توفر موارد مالية لديلها ، وتعدهم بجدولة التعويضات إلا أنهما لا تفي بالالتزام بتسديد بقية المستحقات المالية حتى اليوم ، الأمر الذي أحبط المتضررين وأسرهم لأنهم لم يتسلموا أي قرش بالرغم من الوعود العديدة التي تلقوها من قبل عدد من قيادات الحكومة السودانية.

وأشار عبد الجبار إلى أن الشق الثاني من مأساتهم يتمثل في عدم حصول غالبيتهم على أموال التعويضات التى خصصت للمتضررين من حرب الخليج ، والتي قدرها المجلس الحاكم للتعويضات الذي كونته الأمم المتحدة لتعويض المتضررين من الحرب عبر الآلية المساعدة المكونة من مجلس الأمن الدولي التي استقطعت أموالاً من برنامج النفط مقابل الغذاء الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية للعراق يقول عبد الجبار : الحكومة لم تتعامل معهم بشفافية في أموال التعويضات ؛ الأمر الذي أدى إلى حدوث عمليات تلاعب وسرقة للأموال التي أرسلت الى الحكومة السودانية ؛ لكي تسلمها للمتضررين من الحرب مضيفاً : يقف خلف التلاعب عدد من النافذين في الحكومة السودانية الذين أدخلوا تلك الأموال في استثمارت إلا أن تلك الاستثمارات تعرضت لخسائر ؛ مما أدى ضياعها قبل وصولها للمتضررين .
وقال إن أموال التعويضات المختفية تبلغ حوالي (171) مليون دولار أمريكي حولت على دفعات للحكومة السودانية ، (100) ألف دولار لكل متضرر من الحرب .

وأشار إلى أن الحكومة عوضت بعض المتضررين بمبالغ مالية تتراوح مابين (1500) دولار و(4000) ألف دولار، وزعت بطرق عشوائية عبر اللجنة الوطنية ؛ التي كونتها لمتابعة تعويضات المتضررين لتوزيع أموال المتضررين من حرب الخليج ، والتى كانت ترأسها آمال البيلي ، لكن الحكومة حلت تلك اللجنة عام 2012م ، قبل أن تكمل عمليات تعويض كل المتضررين من الحرب ، وقال إن اللجنة لم تعمل بكتيب التعويضات الصادر من الأمم المتحدة الذي يحدد فئات المضررين ، حسب الفترة التي قضوها في العراق ، وأضاف : أننا طالبنا اللجنة بإبراز الكتيب ؛ قالت إن ذلك أسرار دولة ، ولا يمكن أن يعطى للمتضررين ، واتهم عبد الجبار اللجنة بأنها لم تعمل على التستر على الجريمة التى ارتكبها بعض النافذين في حق المتضررين وأسرهم لذلك ضغط النافذون على الحكومة حتى تحلها .

حقوق شرعية ويقول عبد الجبار : إن المتضررين من حرب الخليج لن يتنازلوا عن حقوقهم المشروعة ؛ وفقاً للقوانين الدولية التي تشير إلى أن أي شخص تواجد في منطقة شهدت نزاعاً أوكوارث ؛ يجب أن يعوض تعويضاً مجزياً عن الضرر الذي تعرض له ، وقال : إن مماطلة الحكومة في الإيفاء بحقوقهم المالية المشروعة التي أرسلت اليها عبر الأمم المتحدة ، قد يدخلها فى إشكاليات مع المجتمع الدولي ، بالرغم من منعهم توصيل قضيتهم الى الأمم المتحدة ، ناشد عبد الجبار الرئيس عمر البشير بإيجاد حلول فورية لقضيتهم المشروعة ولأموالهم التي تم الاستيلاء عليها من قبل نافذين في الحكومة ؛ بطرق غير مشروعة ، مما أدخلهم في ظروف مادية سيئة للغاية ، وجعل المتضررين من حرب الخليج عالة على أسرهم ، ودعا الى فتح تحقيق حول اختفاء أموال التعويضات التي أرسلت عبر الأمم المتحدة ؛ لأن كل الأجانب الذين كانوا معهم في العراق قبل حرب الخليج استلموا تعويضاتهم المالية قبل عدة سنوات ؛ خاصة المتضررين من دول مصر وتونس وتشاد .

تحقيق: مصطفى إبراهيم
صحيفة المستقلة
ت.أ[/JUSTIFY]