تحقيقات وتقارير
السودان..بين الوفرة والندرة .مسيرة الاقتصاد منذ الاستقلال
علي الرغم من الجهودالتنموية والإصلاحية التي بذلت لتحسين وضعية الاقتصاد السوداني إلا أنه مازال يعاني من اختلالات جوهرية تتعلق ببنائه الهيكلي.وتعتبر قضية الاقتصاد متداخلة فهناك اقتصاد محلى واقتصاد قومى واقتصاد عالمى وما يعنينا هو الاقتصاد السودانى الذى لابد التحدث عنه بصورة متصلة نسبة لانه اقتصاد تراكمى متصل فى سلسلة زمنية هى عبارة عن فترات محددة فيها متغيرات اقتصادية يأخذ بعضها بعضا ولابد لاى اقتصاد ان يستند الى ماضيه والى التجارب السابقة والمتغيرات السالبة التى تأثر بها منذ الاستقلال المجيد وحتى هذه اللحظة.
مر الاقتصاد السودانى بحقب اقتصادية مختلفة ولكل حقبة من هذه الحقب سمات ومظاهر مختلفة . فقد طبقنا الاقتصاد الرأسمالى فى فترة من الفترات وهو نظام يكرس الثروة فى ايد مجموعة من الرأسماليين وكان سائدا فى حقبتى الخمسينيات وستينيت القرن الماضى ..ثم طبقنا النظام الاشتراكى فى مطلع سبعينيات القرن الماضى ويقول الخبيرالاقتصادي د. محمد الناير ان الاقتصاد السودانى اعتمد في نهاية مطلع السبعينيات على القطاع الزراعي بالتركيز على المحصولات النقدية لصادر القطن “الذهب الابيض ” والصمغ العربي، وكان عدد السكان آنذاك قليلا وكانت الخدمة المدنية رشيقة والثقافة الاستهلاكية والغذائية مختلفة عن ما يحدث الآن، ثم طبقنا الاقتصاد المشترك ..
يمتاز الاقتصاد السوداني بثراء وتنوع موارده مما يجعله عرضة للأطماع الخارجية ويعتبرمن ابرز مقومات الاقتصاد السوداني النشاط الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، فقطاع الزراعة هو القطاع الأكبر مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بنسبة تتراوح مابين 35% و45% ، كما أن النسبة الأكبر من السكان ترتبط أعمالهم وأنشطتهم بهذا القطاع.
يشكل النشاط الصناعي مقوّماً آخر من مقومات الاقتصاد السوداني، غير أن أثره ظل محدودا على مستوى البناء الهيكلي للاقتصاد القومي، وعلى مستوى استيعاب القوة العاملة، وعلى مستوى المساهمة في هيكل الصادرات. و يعتمد على بعض الصناعات التحويلية الخفيفة المرتبطة بالإنتاج الاستهلاكي المباشر مثل صناعة السكر والصناعات الغذائية الأخرى وصناعة النسيج وصناعة الأسمنت وغيرها من الصناعات التقليدية والأنشطة الحرفية. والتطور الوحيد الذي حدث في هذا القطاع، بجانب صناعة تكرير النفط، هو قيام صناعة تجميع السيارات والآليات التي تولتها شركة جياد ضمن أنشطتها الصناعية المتعددة. وبفضل هذا التطور قفزت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى نسبة تتراوح مابين 21%- 34%). كما أنه، ومنذ عام 1999، أصبح يساهم عن طريق النفط ومشتقاته بأكثر من 90% من صادرات السودان.
مقوم آخر من مقومات الاقتصاد السوداني هو قطاع الخدمات الاقتصادية كالنقل والاتصالات والمصارف. وهو القطاع الوحيد من بين قطاعات الاقتصاد السوداني الذي حدثت فيه تطورات نوعية خلال العقدين الماضيين مقارنة بما حدث في القطاعات الأخرى.اما قطاع الاتصالات فهو الاستثناء الأكثر وضوحاً من حيث التطور الذي حدث فيه، وذلك بفضل الاستثمارات الكبيرة التي قام بها القطاع الخاص الأجنبي والمحلي منذ منتصف تسعينات القرن الماضي. حيث أصبحت خدمات الاتصالات تغطي أجزاء واسعة من مناطق السودان المختلفة. وتعد الخدمات التي تقدمها الشركات العاملة في هذا المجال هي الأفضل والأكثر تطورا مقارنة بعدد من الدول العربية والأفريقية.
مقوّم آخر من مقومات الاقتصاد السوداني هو قطاع السياحة، حيث يمتلك السودان إمكانات سياحية كبيرة تتوزع بين غربه (جبل مرة)، وشماله (البجراوية والمناطق الأثرية)، ووسطه (حظيرة الدندر) وشرقه ( قرية عروس والحدائق المرجانية وسواحل البحر الأحمر).
أخيراً ثمة مورد اقتصادي مهم يتمتع به السودان ويشكل مقوماً أساسياً من مقومات اقتصاده، وهو المورد البشري، حيث يعتبر السودان من الدول المأهولة بالسكان مقارنة بدول إفريقية وعربية أخرى، فقد بلغ عدد سكانه حسب بعض المصادر حوالي 44 مليون نسمة ( قبل انفصال الجنوب) ، تشكل القوة العاملة نسبة كبيرة.
ان التحسن النسبي الذي طرأ على أداء الاقتصاد السوداني يعود بدرجة اساسية إلى دخول النفط ضمن مكونات الاقتصاد السوداني، وليس بسبب أي تغيير جذري في بنية الاقتصاد أو تحسن نوعي في أداء هياكله القائمة، وإلا لما ظل العجز قائماً ومستمراً في الميزان التجاري للسودان ، ولما تدهورت قيمة الجنيه السوداني.
في عقود ماضية كانت حركة السياحة نشطة نوعاً ما، وكانت مصدراً للنقد الأجنبي في السودان. وعلى الرغم من الركود الذي أصاب هذا القطاع لأسباب مختلفة، على رأسها عدم الاستقرار السياسي الذي عاني منه السودان خلال العقود الثلاثة الماضية بسبب النزاعات والحروب الداخلية، إلا الفرصة مازالت قائمة لزيادة حركة السياحة وتطوير النشاط المتعلق بها.
إن المصدر الأساسي للازمات والمشكلات التي عادة ما يقع فيها الاقتصاد السوداني هو الخلل الكامن في بنيته الهيكلية، لاسيما اعتماده الكبير على قطاع الإنتاج الأولي المتمثل في القطاع الزراعي. ومعالجة هذا الإشكال الجوهري لا تتم إلا عن طريق توسيع وتنويع قاعدة الإنتاج وتقوية هياكله، والفرص المتاحة للسودان تمكنه من ذلك في حال التعامل معها بجدية وارادة حقيقية , ومن حُسن الحظ أن الخدمات الاقتصادية المساندة للقطاعات الانتاجية والداعمة لها شهدت تحسناً كبيراً ، خاصة في مجال الإتصالات والنقل والخدمات المصرفية ، الأمر الذي لم يكن متاحا من قبل بهذا القدر.
وتتمثل التحديات الاقتصادية التي يلزم تجاوزها بغية الخروج من أزمته وتصحيح مساره الاقتصادي،لابد من استعادة التوازن الاقتصادي الداخلي والخارجي من خلال السيطرة على التضخم وخفض معدلاته ، واستقرار سعر الصرف عند سعر موحد ومنخفض نسبياً.
ولابد من تحقيق تنمية متوازنة قطاعياً وجغرافياً تستهدف تحسين مستوي المعيشة والحد من الفقر وخفض معدلات البطالة. ويتطلب ذلك جهداً تنموياً كبيراً يتضمن إصلاح القطاع الزراعي والإستفادة من كل الفرص المتاحة فيه، وتطوير القطاع الصناعي استناداً إلى فرص التصنيع الزراعي المتاحة في السودان، وكذلك إيلاء اهتمام أكبر وجاد لقطاعي التعدين والسياحة. ولتحقيق كل ذلك لابد من جذب الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية، وتقوية الجهاز المصرفي بمزيد من الإصلاحات على مستوى السياسات وعلى مستوى الوحدات المصرفية، والعمل علي تحقيق مزيد من التحسينات والتطوير على مستوى البنيات الأساسية. وفي جانب الخدمات الاجتماعية فإن مزيداً من الجهد يجب أن يبذل لتحسين أوضاع التعليم والصحة لارتباط ذلك بشكل مباشر بتنمية الموارد البشرية.
اخيرا لابد من الوقوف الجاد على تجارب الماضي الخاصة بمسار الاقتصاد السوداني واستخلاص الدروس والعبر منها وتجنب تكرار أخطائها.ولابد من العمل بجدية ومسئولية على معالجة الاختلالات الهيكلية التى ظل يعاني منها الاقتصاد السوداني منذ الاستقلال بتبني استراتيجيات وبرامج تنموية واقعية تعمل على تقوية البناء الهيكلي للاقتصاد وتنويع قاعدته الإنتاجية.ولابد من بذل الجهد الخالص لتجاوز التحديات السياسية والاقتصادية الماثلة أمام الاقتصاد السوداني، والتي تحول دون تحسن أوضاعه.
واخيرا لابد إتخاذ التدابير والسياسات المناسبة والفاعلة للإستفادة من الفرص الاقتصادية الواسعة المتوفرة للاقتصاد السوداني
الخرطوم 31-12-2014(سونا) كتب – سعيد الطيب