الطيب مصطفى: ماذا بقي من الحوار يا غندور؟
لو لم يكن غندور مشاركاً في صنع خريطة الطريق بل رئيساً للجانب الحكومي في آلية الحوار لربما وجدنا له العذر فيما جرى ويجري من انقلاب دستوري كامل الدسم ومن (سواطة وخرمجة) لم تشهد البلاد مثيلاً لها منذ الاستقلال، لكن أن يشهد غندور الذكي اللماح كل هذا والتضليل و الخداع بل إنه يشارك في صناعته ويسوقه (وينجر) له المبررات فإنه لمما يثير الدهشة بأكثر مما يثير الغيظ ويقدح في مصداقية الرجل وكثير ممن كنا نظنهم من الأخيار الذين لو كانوا في المعارضة بمرجعية تلك الأيام العطرات قبل الانقلاب على الحركة الإسلامية لأقاموا الدنيا وأقعدوها إنكاراً واستنكاراً لما يفعلون اليوم من سقوط يندى له الجبين وتجنٍّ واستهانة بهذا الوطن الجريح المتقلب في مستنقع الأزمات والحروب والاضطراب السياسي والانهيار الاقتصادي والفساد والافساد.
والله إني لمندهش هل كان غندور وقيادات المؤتمر الوطني جادين عندما أعلنوا عن الحوار ودعوا له القوى السياسية وقبل ذلك أود أن اسأل فيم كان هؤلاء يفكرون وهم يطرحون ذلك الأمر أي ماذا كانوا يريدون من الحوار؟ هل تراهم كانوا يريدونه مجرد ونسة من أجل تزجية الوقت أم كانوا يفكرون فيما تفكر فيه المعارضة التي ما دخلت الحوار إلا من أجل تحقيق أهداف وأجندة وطنية تنقل هذه البلاد إلى مرحلة سياسية جديدة لن تتحقق إلا عبر وضع انتقالي أو سمّه حكومة انتقالية بترتيبات معينة تمهد لانتخابات تشرف عليها تلك الآليات الانتقالية بما يضمن نزاهة الانتخابات وينقل البلاد إلى بر الأمان بعد أن خرجت عن مسار التاريخ وانعزلت عن ركبه كبعير أجرب معزول عن الدنيا من حوله.
خريطة الطريق التي وافق عليها المؤتمر الوطني والتي من المفترض أن تمهد للحوار الوطني الذي يرتب للوضع الانتقالي كانت بمثابة الخطوة الأولى نحو تحقيق تلك الأهداف ولكن هل صدق المؤتمر الوطني في التعامل مع خريطة الطريق؟
هل صدق المؤتمر الوطني في إنفاذ مطلوبات تهيئة المناخ التي كانت تهدف إلى جمع الصف الوطني وإقناع الرافضين للحوار بمن فيهم حملة السلاح حتى يلتئم الجميع حول مائدة الحوار وتتوقف الحرب وينخرط المحاربون في العملية السلمية تحت مظلة الوضع الانتقالي الذي يهيئ للانتخابات التي ستكون الفيصل بين الجميع بعيداً عن الحرب والاحتقان السياسي الذي يهدد أمننا الوطني بل يهدد بانفجار الأوضاع ودخول السودان في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر؟
يقول غندور بدون أن يطرف له جفن أنه دخل بيوت السياسيين ودور الأحزاب لعشرات المرات مبشراً بمبادرة الوثبة، مضيفاً أنهم (تكبدوا السهر والقهر ووجع الظهر لأجل إنجاح الحوار) وتساءل عن الذي فعلته الأحزاب في المقابل هل عقدت مؤتمراتها؟ هل شاركت في التسجيل للانتخابات؟
والله العظيم إن غندور يعلم علم اليقين أنهم هم الذين عوَّقوا الحوار وحطموا الوثبة لكن عندما يكون الكلام ببلاش أو قل عندما لا يكترث قائله كثيراً لتأثير كلامه على من يستمعون إليه أو على صورته أو صورة حزبه لدى الشارع السوداني فإنه لا يبالي كثيراً للكلمات التي تصدر عنه.
إن أكثر ما يحزنني أن يأتي الإنسان سلوكاً يعلم يقيناً أنه يهز من ثقة الناس فيه ويغير الصورة الذهنية التي ارتسمت في نفوس من كانوا يحترمونه ويثقون في أقواله وأفعاله بما يعيد رسم تلك الصورة ليجعله مجرد (…..) إن المحزن بحق أن يواصل قادة المؤتمر الوطني في تشويه صورتهم وصورة مشروعهم الذي أحالوه إلى ملطشة يتندر بها الناس في مواقع التواصل الاجتماعي فماذا تراهم يقولون لله تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين؟!
الأحزاب يا غندور ليس مطلوباً منها أن تكون جزءاً من حزبكم تفكر فيما تفكرون فيه وترى ما ترون وترضى بما تفعلون حتى لو اعتقلتم قياداتها وكبلتم حركتها وخرجتم على خريطة الطريق التي كانت بمثابة العهد المبرم بينكم وبينها وحتى لو أحدثتم انقلاباً دستورياً يمهد لقيام نظام عسكري أمني محمي بالقانون والدستور؟
الأحزاب يا غندور والتي رضيت بالحوار معكم شمّتّم بها الأحزاب الأخرى الرافضة للحوار والقوى الحاملة للسلاح .
الطيب مصطفى- الصيحة