موقف حركات دارفور وقطاع الشمال من الصراع في جنوب السودان
رمال السياسة المتحركة طمرت وقضت على أحلام أولاد قرنق في دولة جنوب السودان وفي قطاع الشمال بالحركة الشعبية، وبات مشروعهم السياسي في قعر المزبلة في تطورات المنطقة وصراعاتها، وكانت هذه الثلة من السياسيين الحالمين المتوهمين يظنون أن الشراع والبالونات التي نفخ فيها عرابهم جون قرنق ستحملهم إلى آفاق السيطرة على السودان كله، فلما عجزوا جعلوا انفصال جنوب السودان وفق رؤيتهم مرحلة أولى، كانوا يقولون عنها «تم تحرير جنوب السودان وتبقى شماله».. وتعلقت الجوقة التابعة من قطاع الشمال بالحركة الشعبية وبعض حركات دارفور المتمردة لهذه المجموعة بأمل طائش شريد.
ثم دهمت الأحداث الحالية في دولة الجنوب جميع اللاعبين في الحلبة الجنوبية، وتداعت الأوضاع بشكل مزرٍ إلى درجة اختلطت فيها المواقف والتحالفات والتكتيكات والإستراتيجيات في كامل المنطقة.
والذي يهمنا هو موقف حركات دارفور وقطاع الشمال من هذا الصراع، ولماذ اختاروا الضفة الأخرى، وباعوا حلفاءهم من أولاد قرنق ورعاتهم وأولي نعمتهم في دولة الجنوب، واختاروا الوقوف مع الرئيس سلفا كير؟!
ولتوضيح جوانب هذه الصورة، لا بد من الإشارة إلى أن تحالف أولاد قرنق مع رياك مشار قائد التمرد الحالي في الجنوب، هو الذي احتضن حركات دارفور المتمردة وساهم في تكوين الجبهة الثورية التي تمثل تحالفاً لقطاع الشمال في الحركة الشعبية مع الحركات الدارفورية. وكانت ولاية الوحدة في عهد حاكمها السابق تعبان دينق رئيس وفد التفاوض الحالي لمجموعة مشار، هي القاعدة التي انطلق منها العمل العسكري ضد السودان في جنوب كردفان، وأقيمت فيه المعسكرات لتدريب وتجميع قوات الجبهة الثورية، وكان رياك مشار ومجموعة أولاد قرنق هم الظهر الحامي للجبهة الثورية وقياداتها، وسهل من وجودهم في العاصمة جوبا ونسق لهم علاقاتهم مع حكومة الرئيس اليوغندي موسيفني ومخابراته.
فالسؤال لماذا اختارت الجبهة الثورية بمكوناتها المختلفة وخاصة حركات دارفور المسلحة، مساندة الرئيس سلفا كير وحكومته.. وتتلخص الإجابات حوله في ما يلي:
أولاً: لا يغفل هنا الدور اليوغندي الرئيس في تحديد موقف الجبهة الثورية ومكوناتها، فقيادات وكوادر هذه المجموعات المتمردة مقيمة في العاصمة اليوغندية كمبالا ويتحركون في أرجاء العالم بجوازات ممنوحة من حكومة موسيفني، وتبعاً لموقف يوغندا جاءت مواقف هذه الحركات التي لا تستطيع أن تتخذ خياراً آخر إلا وتعرضت إما للاعتقال أو الطرد أو حتى القتل، ومعروف أن يوغندا نفسها وما تحتضنه من الحركات المسلحة هم أدوات في يد قوى دولية توظفهم في الوقت والمكان الذي تريد، وما التورط اليوغندي في دولة الجنوب اليوم إلا تجسيد واضح لهذه الحقيقة.
ثانياً: اختارت هذه الحركات والجبهة الثورية مصالحها ووجودها، فهي مع السلطة التي تسمح لها بالبقاء على أراضي الدولة الجنوبية وحرية الحركة، فتخلت عن حلفائها مباشرة واصطفت وراء حكومة الرئيس سلفا كير وقاتلت معه كما تقول بعض التقارير لاستراد مدينة بانتيو، وقد اتهمت مجموعة مشار حركتي العدل والمساواة وحركة مني أركو مناوي بالمشاركة في هذه المعارك.
والسرعة في تحول مواقف هذه الحركات والجبهة الثورية وقطاع الشمال، تعود إلى أن الظروف تبدلت بسرعة قواعد اللعبة مما اقتضى التعجل بتغيير التحالفات، وإلا كان الطوفان الذي سيبتلع هذه المجموعات المتمردة واللاجئة والهائمة على وجهها، وستكون بلا مقر أو أرض أو عنوان.
وطبقاً لهذا يطل سؤال مهم، حول ما الثمن الباهظ الذي سيدفعه سلفا كير من تحالف هذه الحركات معه، وهو كما يبدو تحالف مرحلي اضطراري لا يقوم على سيقان متينة.
فهذه الحركات والمجموعات السودانية المتمردة هل ستواصل أعمالها العدائية ضد السودان الذي يبدو مسانداً لسلفا كير وشرعية الحكم في الجنوب.. وتنطلق من أراضي الجنوب، أم ستلتزم بموقف صارم وتوجيهات واضحة من جانب جوبا.. مقابل موقف الخرطوم؟ وفي هذه الحالة ما هي الخيارات المتاحة لهذه الحركات؟
ولا يختلف اثنان حول أن حركات دارفور المسلحة والجبهة الثورية التي باعت حلفاء الأمس، يمكن أن تتخلى عن حليف اليوم في ظل أية تطورات قادمة في الجنوب إذا مالت الكفة إلى الحليف القديم.. فكيف سيتعامل سلفا كير مع مثل هذه المجموعات غير المأمونة المواقف؟
لذلك صورة الوضع في دولة الجنوب فيها من التعقيدات الكبيرة ما يجعل المرء ينظر إلى فسيفساء مركبة من الحيثيات والوقائع والمعطيات يصعب الإلمام بكل جوانبها والتكهن بمآلاتها، فالحرب «الجنوبية ــ الجنوبية» لها أكثر من وجه وتتغير مع الأيام ولا تستقر على حال وسيستمر نزيفها واشتعالها زمناً ليس بالقصير.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة