تحقيقات وتقارير

خطر يهدد البشرية

الصور الفاضحة..انتهاك خصوصية أم اشباع غرائز ؟
هيئة العلماء : معالجة الظاهرة بالطرق التربوية والردع القانوني
علم النفس : يجب عدم كبت الأبناء ومنحهم فرصة “التمييز”

لم يعد العالم قرية كما ندعي، الدنيا المتسعة أصبحت أصغر من (خرم الإبرة) بعد تطور التكنلوجيا يوماً تلو الآخر، لا أحد يأمن على نفسه من الغزو الثقافي والإجتماعي، كلنا محاصرون بفضح حالنا ومعرفة أدق التفاصيل عن حياتنا ، الخصوصية تنتهك على مرأى ومسمع كل الناس، وما يؤسف له أن من يدينون بالإسلام (ركبوا الموجة) – كما يقولون، ويتعاملون مع الصور الفاضحة بنهم يحسدون عليه، ويتناقلونها (في كسرٍ من الثانية)، يطعنون بها أعدائهم (من الخلف) ويتجاوبون معها ويتلذذون كأنها مبتغاهم، والمحصلة النهائية (خراب بيوت وعقول)..والعالم الخارجي عرف (من أين تؤكل الكتف)، لأننا ضعفاء أمام (الحداثة)، ولا نقوى على شيء، لا نصنع الحدث، وإنما ننتظر ردود الأفعال (الوخيمة).

مدخل (1)
ايماناً منا بأن رسالتنا تقتضي النصح وتبصير المجتمع بالمخاطر المحدقة به، نستعرض شيء من واقعنا في التعامل مع أدوات التكنلوجيا الحديثة التي غزت العالم؛ ومن بينها الإنترنت وما تمخض عنه من وسائل؛ أخطرها على الإطلاق وسائل التواصل الإجتماعي (الفيس بوك والواتساب وغيره).

مدخل (2)
لا تخلو وسائل التواصل الإجتماعي من نشر الصور الفاضحة لإناس يعيشون بيننا، لم نحترم آدميتهم وأنتهكنا خصوصيتهم دون النظر الى عواقب ذلك، فمنهم من ينتحر، أو يصاب بأمراض نفسية، أو (يفصل – تفصل) طالب أو طالبة من المدرسة أو الجامعة، أو تتعرض امرأة للطلاق بسبب نشر صور تخدش الحياء.

مدخل (3)
لا تفرق الوسائط الإعلامية بين صور المشاهير أو دونهم، الكل سواسية في (الفضائح)، ويعج موقع (اليوتيوب) ومن بعد (الواتساب) وما ماثله؛ بصور فتيات سودانيات غالبيتهن من طالبات الجامعات والنساء المتزوجات؛ تم تصويرهن في أوضاع مخلة بالآداب، وهن فرحات وقتها بالتصوير.. من نشر صورهن نسى أنهن ينتمين لـ(السودان أو الإسلام)، ومن بين النماذج السيئة “رجل يهدد طليقته بنشر صورها، أو العكس”، كما حدث بالفعل وذاع صيته.

مدخل (4)
أحد الفقهاء كتب على موقع اسفيري “حديثاً” يستحق النشر، رأت (المستقلة) أن تقتبس منه تعميماً للفائدة إذ قال (لا يجوز النظر إلى الصور الفاضحة التي تعرض مفاتن المرأة ، سواء في مواقع الانترنت أو في الجرائد أو المجلات أو غيرها ، وذلك لأن النظر إليها وسيلة إلى التلذذ بها ومعرفة ذات الصورة ومعرفة جمالها، وهذا قد يكون وسيلة إلى الحصول عليها فيَحرُم ، لأن الوسائل لها أحكام الغايات، ولقد تهاون كثير من الناس في النظر إلى صور النساء الأجنبيات، بحجة أنها صورة لا حقيقة لها ، وهذا أمر خطير جداً ، لأنه لابدّ أن يكون من ذلك فتنةٌ على قلب الرجل تجرّه إلى أن يتعمد النظر إلى المرأة مباشرة ، وقد قال تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ) – النور/30.

ويمكنك أيها الأخ أو الأخت مساعدة صديقك للابتعاد عن هذا الأمر بإدامة النصح له وتخويفه بالله تعالى، وأنه مطلع عليه لا يخفى عليه من أمره شيء ، وتذكيره بنعمة الله تعالى عليه بأن رزقه بصراً يرى به ما ينفعه ، وحرم عليه أن يستعمله في النظر إلى ما حرّم الله ، وهو جلّ جلاله سائله عنه ، ولذلك ختم الله تعالى الآية السابقة بقوله : ( إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور/ 30 ، وقال تعالى : ( كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) الإسراء/36
ولو تأمل العاقل وهو ينظر إلى هذه الصور المحرّمة الفاتنة لأدرك أنه لا يجني من وراء هذه النظرات إلاّ الحسرات والآلام والآهات ، إذ لا يستطيع أن يظفر بحقيقة هذه الصور ، وصدق الشاعر إذ يقول :
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً *** لقلبك يوماً أتعبتك المناظرُ
رأيت الذي لا كلَّه أنت قادرٌ *** عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ

وقال آخر :
كم نظرة فتكتْ في قلب صاحبها *** فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلّبها *** في أعين الغير موقوف على الخطر
يسّر مقلتهُ ما ضرّ مهجته *** لا مرحباً بسرور عاد بالضّررِ
فتبيَّن أنه ليس من وراء النظر إلى هذه الصور الفاضحة إلاَّ سخط الله وضياع الوقت والمال في غير مرضاته ، وتعذيب النفس..والواجب على المسلم أن يقبل على طلب العفاف بالنكاح ، وبذل الأسباب لذلك، وترك رفقاء السوء الذين قد يكون لهم أثر سيء في التعرف والحث على تصفح مثل هذه المواقع السيئة، وليشغل الإنسان وقته بما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه ، كحفظ كتاب الله وحضور مجالس الذكر ، وتصفُّح المواقع التي تعرض الفائدة والعلم الصحيح النافع.

آراء المواطنين :
(المستقلة) رأت استطلاع المواطنين حول الظاهرة؛ التي وصفها الشيخ عتيق أحمد المصطفى رئيس الرقية الشرعية بشركة النيل للتداوي بالأعشاب، بأنها من الظواهر السالبة في المجتمع، وتمثل خرقاً كبيراً للقيم والأخلاق، وتؤدي الى هدم الأمة “وهو مخطط من مخططات اليهود والنصارى”، واستشهد شيخ عتيق بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (من ملأ عينه من حرام، ملأ الله عينه من جمر جهنم يوم القيامة)، منوهاً الى أن المؤمن عفيف اللسان والقلب والنظر، ولا يليق بمسلم أن يفعل ذلك، لافتاً الى أن قضية الصور الفاضحة من القضايا التي تحتاج الى بحث مستفيض ومعالجات، ورأى أن المعالجة تكمن في ترسيخ القيم الإسلامية في نفوس الناس وتحديد الرؤية المستقبلية لدور الأمة في تغيير المستنقع الذي وقع فيه الكثير من الناس، وأضاف (يجب أن تنتقل الأمة الى تصدير الإخلاقيات الى الأمم الأخرى، بعدما صرنا أمة منهزمة بفقد الهوية وسلبية الإنتماء الى ديننا الإسلامي)، وزاد في حديثه بالقول : (كثير من الناس أصبحوا كالنسخ المشوه، لايدرون لماذا يأكلون، ولماذا يعيشون)، وبحسب اعتقاده فإن الأمر لا يخرج من الإبتلاء وضعف الإيمان.
المواطن محمد عباس شهاب الدين، قال إن الظاهرة دخيلة على المجتمع السوداني، منوهاً الى أن المسلم لا يحق له التجسس على عورات أخيه ونشرها، داعياً الى ضرورة صون عروض الناس، وأضاف (الشيء الذي لا نرضاه لأختنا وأنفسنا يجب أن لا نرضاه للآخرين)، ورأى أن الرجوع الى كتاب الله وسنة رسوله هو العلاج للحد من الظاهرة أو القضاء عليها، مشدداً على تكثيف التوعية والإرشاد للمواطنين.
وقال المواطن أحمد محمد علي، “إن نشر الصور الفاضحة من القضايا التي تسيء إلينا كمجتمع مسلم”، مشدداً على ضرورة التمسك بالعادات والتقاليد الإسلامية، داعياً الجهات المختصة الى تشديد العقوبات على المخالفين، وتأسف على حال المسلمين الآن؛ الذي عده بأنه ” لا يسر”، وأضاف (ما يحدث من تطورات في أشكال الفساد لا يرضينا، ويجب على علمائنا معالجة الأمر).

الردع القانوني :
الأمين العام لهيئة علماء السودان، البروفسيور محمد عثمان صالح، أشار في حديثه لـ(المستقلة) الى مسؤولية الإنسان عن أعماله كلها بما فيها الأقوال، ورأى أن الظواهر المشينة والصور الفاضحة والإشاعات المغرضة تؤكد غياب الإيمان والإسلام عن نفوس الكثير من الناس، مبيناً أن الدين الإسلامي يمنع الإنسان عن الحديث عن أعراض الناس بغير علم، وأضاف (وكفى بالمرء أن يحدث بكل ما يسمع من هذا القول، واذا لم يتحقق المرء من شيء يُؤثم)، وقال “إن من يبث الصور الفاضحة والإشاعات يرتكب فعلاً محرماً يجب أن يعاقب عليه عقاباً شديداً وهو من البهتان والغيبة”.
وأطلق البروفسيور محمد عثمان صالح، تحذيرات للناس كافة، وقال (انبه الكافة كباراً وصغاراً بأن بث الصور المشينة حول خصوصيات الناس محرم شرعاً)، منوهاً الى أن حرمة المسلم في عرضه، وأرجع تفشي ظاهرة نشر الصور الفاضحة الى عدم الإيمان والمخافة من الله، وبالتالي فضح الناس وبهتانهم، مشيراً الى أن نتائج تلك الأفعال هي العقاب في الدنيا والآخرة، مشدداً على ضرورة ردع المخالفين لذلك، وأضاف (يجب أن يردع هؤلاء بالقانون، ويعاقبوا بالجلد)، داعياً الى معالجة الظاهرة بالطرق التربوية والردع القانوني.

دوافع مختلفة :
تهاني ميرغني استاذة علم النفس بجامعة الخرطوم، أرجعت تفشي ظاهرة الصور الفاضحة الى التربية والسلوك باعتبارهما يشكلان الأبناء، منوهة الى أن الأبناء الذين ينشأون في تربية أسرية متوازنة فيها نوع من اشراكهم في الحياة العامة وتركهم يختارون الجميل من السيء بإمكانهم التمييز بين الأشياء، وأضافت (يجب عدم كبت الأبناء “ما تعمل كذا أو كذا”، ومنحهم الحرية الشخصية)، وأشارت تهاني الى أن البيئة المحيطة بالشباب هي من المؤثرات على الأبناء، لافتة الى أن الأشخاص الذين يتربون في الدول الغربية تختلف ثقافتهم عن الدول العربية والإسلامية باعتبارهم ” يعرفون ماذا يفعلون”.
ورأت أستاذة علم النفس بجامعة الخرطوم، أن الحل الأساسي للحد من ظاهرة “إنتشار الصور الفاضحة” في تكثيف التوجيه والتوعية وتثقيف المجتمع عبر كل وسائل الإعلام، وقالت إن دوافع البعض من نشر الصور يتمثل في “الحقد، والإنتقام والحسد والغيرة”، وأضافت “الشخصية التي تفعل ذلك دون الدوافع التي ذكرتها آنفاً، وتقصد أمراض النفوس هي شخصية (سادية) وتستمتع بعذاب الآخرين، لأنه (لا يوجد مبرر) لما تفعله، وزادت في حديثها (ليس الحل في معاقبة الناس بالقانون، لأن أي زول له رغباته الخاصة..وفي كل الأحوال اذا داير يشوف بيشوف)، وشددت تهاني على ضرورة توعية الأمهات غير المتعلمات عبر الإذاعة والتلفاز وعرض الأشياء وتحذير الناس من خطورتها وتقديم نماذج لها.
وبحسب رأي الأستاذة تهاني، فإن التثقيف “مهم” للمجتمع بدلاً عن معاقبة الناس (وإذا عاقبنا شخص بنكون ما عملنا حاجة) – حسب تعبيرها، وقالت : (يجب أن يكون هنالك تثقيف مجتمعي، وعمل ندوات للأمهات والآباء)، منوهة الى دور الإعلام الأساسي في معالجة الظاهرة، وأضافت بأسف (في ناس ما عارفين.. الواحد لما يتداول صورة بيأخذ ذنوب) – حسب قولها، مشيرة الى مساهمتهم كأساتذة علم نفس في تثقيف المجتمع عبر وسائل الإعلام.

هيئة الاتصالات لاترد :
طرحت (المستقلة) عدداً من المحاور (كتابة) على أحد المسؤولين بالهيئة القومية للإتصالات حول تفشي ظاهرة الصور الفاضحة في المجتمع السوداني، إلا أن الصحيفة لم تستلم حتى الآن أي افادة ، رغم أن الأمر تجاوز الإسبوع.

استعراض : أمير علي الكعيك
صحيفة المستقلة