عثمان ميرغني

النقيب أبوزيد

[JUSTIFY]
النقيب أبوزيد

أبوزيد عبدالله .. شاب في مقتبل العمر اليانع.. برتبة نقيب في شرطة السودان.. أمس أتم ستة أشهر كاملة خلف جدران سجن كوبر.. تنفيذاً لعقوبة حبس لأربع سنوات صادرة بحقه من محكمة خاصة بالشرطة..
لا أنوي هنا التدخل في الإجراءات القضائية التي تمارسها محاكم الشرطة ذلك أمر فني قانوني مساره الطبيعي في أروقة الهرم القضائي داخل وخارج الشرطة.. لكني هنا فقط أرسم لوحة تجريدية لحالة (النقيب أبوزيد)..
أبوزيد كأي شاب كان في وسعه أن يتطلع إلى أرغد السبل التي تتيح حياة منعمة بلا كدر.. والطريق نحو ذلك سهل وممهد خاصة لمن هو في وضعه.. ومن حظي بالموقع الذي أنعم الله به عليه في الشرطة.
لكن النقيب أبوزيد.. مارس حقه الإنساني الطبيعي في تقدير المسافة بين الخير والشر.. ثم العمل على توسيعها بأكبر ما تيسر..
وتلك بالتحديد أحد أهم القيم التي ألح الإسلام في ترسخها في (المجتمع) بل واعتبرها الرسول المصطفى الحد الفاصل بين الحق والباطل..
النص واضح كالشمس ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر..)
السلطان هنا هو أي سلطة من أدنى السلم إلى قمته.. وعبارة (سلطان جائر) سبق لي شرحها فقلت أنها غير معرفة بالألف واللام.. أي أنه ليس في الدنيا (السلطان الجائر) المطلق.. بل هناك ( سلطان جائر) أي في لحظة ما.. في قرار ما.. في مسلك ما.. هو جائر.. (الجور) هو حالة أو قرار أو سياسة.. وليس أمراً مستديماً.
والحجاج بن يوسف الذي يوصف بأنه (أظلم من ظلم) كان حافظاً لكتاب الله وأفضل من يفسر القرآن ويتحدث في الفقه.. وفي عهده توسعت الفتوحات الإسلامية ودخلت بلاد كثيرة.. لكنه في لحظة ممارسة الظلم فهو (سلطان جائر).. حالة كونه جائراً في تلك اللحظة. ولذلك الحديث النبوي يحض على التعامل اللحظي المباشر مع حالة الظلم .. فاستخدم الحديث كلمة (عند سلطان) أي (عند) لحظة صدور القرار أو المسلك.. تأجيل ممارسة فضيلة (قولة حق) تنجب قرارات ظالمة تكبد المجتمع ويلات كثيرة..
النقيب أبوزيد مارس فضيلة (كلمة الحق) و(عند!!) اللحظة التي رأى فيها ما قدره جوراً وظلماً.. ربما كثيرون رأوا مارآه.. لكنه اختار أن يتطلع لدرجة (أفضل الجهاد).. ودفع ثمن ذلك حريته.. في غياهب السجن.
في مثل حالة النقيب أبوزيد.. حساب الأرباح والخسائر بائن.. تشرحها حكمة الشيخ ابن عطاء الله السكندري (إذا اتسع الفهم.. يصبح المنع.. هو عين العطاء..) .. الحرية التي (مُنع) منها أبوزيد.. هي في الحقيقة (عين العطاء).. منتهى الحرية..
وعلى رأي شاعرنا الفيتوي.. (جاهل من ظن الأشياء هي الأشياء..)
جاهل من ظن أن الحقيقة.. يحجبها ظلام السجن..!!
وصبراً أبا زيد.. فإن موعدكم فجر الحقيقة.. !!

[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي