يوسف عبد المنان :تجاهل رئيس دولة
تجاهلت الصحافة السودانية زيارة أهم رئيس دولة للسودان في العام الجديد “جاكوب زوما” رئيس دولة جنوب أفريقيا، وانصرفت معظم الصحف السودانية عن تغطية الزيارة والحديث عنها لقضايا أخرى في الساحة الداخلية، مثلما انصرفت الصحافة عن تغطية زيارة الرئيس التشادي “إدريس دبي” للبلاد الأسبوع الماضي وحتى لا نرمي القول جزافاً.. ويخرج علينا غداً أحد موظفي التبرير والتجميل، فإن بعض ما ورد في صحف أمس (الاثنين) يكشف عن ما ذهبنا إليه من تجاهل الصحافة السودانية لزيارة أهم رئيس أفريقي، قبل أن نتحدث عن أسباب التجاهل، في صحيفة (الجريدة) الصادرة أمس لم تنشر الصحيفة في صفحتها الأولى خبراً عن الزيارة.. وفي صحيفة (التغيير) ورد الخبر في مساحة (بوصة × 2 بوصة) بالصفحة الأولى، وفي صحيفة (أول النهار) في عددها الأول تجاهلت الخبر في صفحتها الأولى، وكذلك صحيفة (الصيحة).. و(اليوم التالي) أبرزته كخبر ثانوي في الصفحة الأولى، أما (السوداني) و(المجهر) فقد تطابقتا في اهتماماتهما بنشر الخبر بالصورة في الصفحة الأولى، ولكن بدون عنوان رئيسي.. و(الانتباهة) وضعته في الصفحة الأولى كخبر ثانوي.. و(الوطن) تجاهلته في الأولى.. بينما أبرزت (الرأي العام) الخبر رئيساً في الأولى.. وغابت (آخر لحظة) عن الصدور أو غُيبت.
فهل عدم اهتمام الصحافة السودانية بالحدث كان أمراً مقصوداً في حد ذاته؟؟ أي إن هناك أسباباً سياسية قدرتها الحكومة بأن لا تقيم للزيارة وزناً، ولا تحتفي بها؟؟ ولماذا أصبحت الصحافة السودانية بعيدة تماماً عن الانشغال بالقضايا السيادية العليا؟؟ قبل يوم من زيارة الرئيس “جاكوب زوما” جمعتني بالأستاذ “مجدي عبد العزيز” المسؤول الأول عن الإعلام في حزب المؤتمر الوطني والمقرب جداً من صناع القرار في الدولة، فسألته عن أسباب عدم اهتمام الصحافة بزيارة الرئيس التشادي “إدريس دبي” للسودان؟؟ وهل ستجد زيارة الرئيس الجنوب أفريقي ذات المصير.. بعدم دعوة الصحافيين والكُتاب لمتابعة الزيارة؟؟ قال الأستاذ “مجدي” إن مؤتمراً صحافياً مشتركاً سيعقد في ختام الزيارة ويمكن للصحافة الحضور وتغطية الحدث؟؟ سألته مباشرة لماذا لا ينظم المسؤولون في القصر عند زيارة الرؤساء الكبار ملتقيات مع رؤساء التحرير وأساتذة الجامعة والنخب والمفكرين لجلسات حوار قصيرة مع الرؤساء الزائرين مثلما كان يفعل “صفوت الشريف” في مصر، والتي تحرص دائماً على إبراز وجهها الثقافي والفكري.. وتقدم رموزها للآخرين، بينما في السودان نعتبر حجب الرؤساء عن الإعلام والتعمية على الزيارات حتى تبدو كأنها زيارات سرية هي الأصل؟؟ ولأن “مجدي” صحافي منذ الثمانينيات في (ألوان) وخريج مدرسة “حسين خوجلي” الديمقراطية والليبرالية.. أبدى موافقة (حذرة) على تنظيم مثل هذه اللقاءات مستقبلاً، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث؟؟ حتى الرئيس “البشير” وهو مقبل على انتخابات عامة كان حرياً بالقائمين على أمر الإعلام إتاحة المنابر وفرص لقاء الرئيس بالإعلاميين ورؤساء التحرير والكُتاب لا عن طريق (اللمة) الكبيرة والمهرجانات الهتافية.. ولكن من خلال حوارات مباشرة لمجموعات صغيرة.. ولقاء أساتذة الجامعات والمطربين والتشكيليين والروائيين والمسرحيين والمزارعين والتجار.. والرئيس “البشير” يملك ناصية البلاغة والتعبير عن نفسه وحكومته ولكن!!
زيارة “جاكوب زوما” للخرطوم ما هي إلا مثالاً فقط لعشرات الزيارات لمسؤولين أمميين ورؤساء دول لم يهتم الإعلام السوداني بمخرجات وأسباب تلك الزيارات وينتظر إعلامنا عودة الرؤساء لبلدانهم وإفصاحهم هم عن سبب زيارتهم للخرطوم ليعلم الناس شأن بلادهم برواية غيرهم!!
أخشى أن ينصرف الإعلام الوطني عن الانشغال بأية أنشطة حكومية في مقبل الأيام إذا تمادى المسؤولون في تجاهل الصحافة.. والتطاول في حوائط الحجب والمنع وصد الأبواب.. ومن المفارقات أن وزير الدفاع في السودان الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” يسهل الوصول إليه والحديث إليه عبر الهاتف أو في منزله ومكتبه، ولكن لا يمكن الوصول لوزير الإعلام والمالية ويستطيع أي إنسان الحديث لبروفيسور “غندور” وتبادل الرأي معه، ولكن من رابعة المستحيلات أن تلتقي أمين الشباب أو الطلاب في حزب المؤتمر الوطني.. هذه هي دولتنا التي نباهي بها ونفتتنُ.
المجهر السياسي