الصادق الرزيقي

قــبل أن يفــتـرســنا الــيأس

[JUSTIFY]
قــبل أن يفــتـرســنا الــيأس.

حالة الارتباك العام منذ التغييرات التي حدثت في مؤسسة الرئاسة والحكومة وقيادة المؤتمر الوطني، مازالت هي التي تجثم على صدر الأحداث والتحليلات السياسية والقراءات لراهن ومستقبل الأوضاع في البلاد.
ونلحظ أن الظل الكثيف للقيادات التي ترجلت واختارت فسح المجال، مازال كذلك ماثلاً وثابتاً وقوياً، كما أن الحكومة التي ولدت خديجاً إثر حمل لم يكتمل في رحم الإنضاج وعمق التشاور، مازالت تتعثر ولا تشي بأن الأداء العام لها سيكون أفضل من سابقتها بأي حال من الأحوال.
وكثير من الناس بدأوا ينظرون إلى التغييرات الراهنة وكأنها لن تعطي الثمار المطلوبة، ولربما كان التغيير من أجل التغيير فقط، هو الذي دفع إلى ما جرى برغم المبررات والتبريرات التي تقال.. فإن كان التغيير الذي حدث مطلوباً لذاته دون أن تكون من ورائه نظرة عميقة ورؤية تستبطن ما وراءه .. فتلك مصيبة!!
ومن حظ هذه الحكومة الجديدة أنها لم تختبر بشكل وافٍ في فترتها القصيرة، ومن كراماتها أن الحرب الضروس التي اندلعت في دولة جنوب السودان صرفت الأنظار والاهتمام بالكامل من الأداء الداخلي، وانشغل الرأي العام المحلي بمتابعة امتدادات وأمدية الحريق الجنوبي وأثره علينا، وتركت ما للحكومة للحكومة.. وتركت حتى مجالس المدينة الثرثرات اليومية عن الوزراء والوزارات، وانشغلت الصحف بأخبار الجارة الجنوبية وأشاحت بوجهها عن الجهاز التنفيذي الذي يعيش كما قلنا متفيئاً الظل السابق الذي مد أجنحته من البوابة الأولى سقفاً عليه.
ويجب ألا تلهنا الحادثات الجسام حولنا، عن متابعة الأثر الذي خلفته تغيرات الحكم الأخيرة على الحياة العامة في مجالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فهل نحن خلال هذه الفترة القصيرة في تراجع أم تقدم في أداء الجهاز التنفيذي وفي الأداء السياسي؟
وحتى نكون منصفين، لا نطلب تقييماً نهائياً وكاملاً وقاطعاً.. لكن نريد المؤشرات العامة ودلالاتها على أن الطريق الذي نسير عليه هو الذي يفضي إلى المقصد المطلوب من هذه التغييرات.
إذا كان الوضع الاقتصادي يزداد سوءاً ولم تستطع العقلية الاقتصادية التي أدارت دفة الاقتصاد طيلة الفترات الماضية، أن تقدم حلولاً ناجعة وتضع يدها على الجرح وتضمده وتهدي للترياق والمرهم المعالج، فكيف نثق في أن ما يجري الآن في إدارة وتنفيذ الميزانية الحالية والمعالجات والتدابير غير الناجحة التي تجرب في جسد الاقتصاد ستؤدي إلى إخراج اقتصادنا من غرفة الإنعاش المسجى داخلها؟
ويمثل التحدي الاقتصادي أكبر عقبة تواجه الحكومة الحالية التي من ناحية الفكرة المركزية الجوهرية يجب ألا ترهن اقتصاد البلاد ببترول الجنوب أو أية مصادر أخرى غير المرتبطة بمواردنا الذاتية وإنتاجنا، فالمطلوب ليس حديثاً ديوانياً تقريرياً كالذي يقوله الوزراء وهم يتحدثون عن الاقتصاد وإدارته، المطلوب أفكار خلاقة وابتكارات جريئة وشجاعة تبعد الاقتصاد عن النمطي السائد والمسلم به كأن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. ولا توجد رؤية صمدية في الاقتصاد، لا تقبل التوالد والتكاثر والتنقيح والتصحيح والإبداع والأخذ والرد والكشط والإزاحة والانتخاب للأفضل.
ما ينقصنا هو كيفية ترويض الأفكار الجامدة وجعلها أكثر مرونةً، والبحث بعقل مفتوح عن بدائل ممكنة تتوافق مع ظروفنا وقدراتنا ومواردنا وطبيعة إنتاجنا في مجالاته الزراعية والحيوانية والمعدنية وكيفية تحريك قطاع الخدمات.
السياسة عندنا مثل الاقتصاد تحتاج إلى بعث روح جديدة في أوصال ميتة في كل الأحزاب والتكوينات السياسية، فقد توقف العقل السياسي المنتج للأفكار والتصورات والبرامج والرؤى، فالأحزاب عندنا إما قابضة على السلطة كزهرة الشمس تدور مع وهج السلطة أينما ذهب وتعيش داخل مسامات جلد الحكم «التخين»، أو أحزاب معارضة فقدت بريق التجدد وأفقرت بيادرها من القادرين على التمام.
وما تعيشه السياسة عندنا من انحدار في الممارسة واستسهال تجاوز الخطوط الوطنية الحمراء والتعاون مع الأجنبي، تحتاج بالفعل إلى روح جديدة تسري في أوصالها وتعيد لها فاعليتها ودورها، والحكومة وحزبها معنيان بشكل رئيس بتجريد السياسة من شوائبها وإهداء من يهتدي للطريق القويم .
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة