د. يحيي حماد فضل الله : السعودية بين ماضي الملك عبد الله وحاضر خلفه سلمان
رحل مساء الجمعة الملك عبد الله بن عبد العزيز عن عمر يناهز 90 عاماً عاش خلالها عاملاً ومطيعاً في بلده التي حكمها عام 2005م خلفاً لشقيقه الملك فهد، وكان الملك عبد الله بن عبد العزيز هو الحاكم الفعلي منذ عام 1996م بعد أن أقعد المرض الملك فهد، وهذه الفترة في الحكم منذ عام 1996م قد مكنت الملك عبد الله من الوقوف على حقيقة الأوضاع في العالم الإسلامي والعربي، فقد عاصر في هذه الفترة انتفاضة واحتجاجات الشعوب العربية على الممارسات الغربية وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية، هذه الموجة بداية لقوة الاحتجاجات للشعوب العربية كانت أقوى من موقف الأنظمة العربية في معظم القضايا في الساحة العربية والإسلامية، وكانت بمثابة ظاهرة الربيع العربي التي اجتاحت الدول العربية، والثورات التي غيرت بعض الأنظمة الحاكمة في تونس وليبيا ومصر واليمن، ولازالت ملامحها قائمة في سوريا، كان أبرز ما قام به الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز استيعابه للأوضاع فرتب أمره السياسي وفق خطط العائلة المالكة ليتسق مع الرؤية الوطنية للخروج من القضية، وما يؤكد فهمه للأوضاع انئذ إنها نتيجة للفوضى الخلاقة التي رتبت لها القوى الغربية، تدخل درع الصحراء في دول الخليج وحسم الأمر الذي تجاوزت به المنطقة الفوضى التي نشاهدها اليوم في بعض الدول العربية ومازالت قائمة.
رحل الملك عبد الله بن عبد العزيز عليه رحمة الله، وبقيت المملكة العربية السعودية شامخة تواجهها التحديات في عهد الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز أعانه الله، من ظواهر ملوك السعودية، ونتيجة لضوابط وخطط العائلة المالكة في المملكة دائماً تأتي بالملوك وهم في سن متقدمة من العمر، ولم يستثن من ذلك الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز الذي جاء دوره في الحكم وهو في 79 من عمره، ولكن مقابل ذلك جاء وهو على قدر كبير من الخبرة والمعرفة والدراية الكافية بتفاصيل المملكة العربية السعودية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، فالرجل منذ شبابه الباكر هو أمير منطقة الرياض وفي الفترة ما بين ميلاده وحتى تولي الحكم في المملكة قد ثقلته تجارب وطنية كبيرة من خلال توليه مهام عديدة وخطيرة أهلته ان يخلف الملك عبد الله ملكاً في الترتيب السابع في نظام الحكم الملكي القائم في السعودية، وجاء الملك سلمان في وقت عصيب تجسده كثير من التحديات العالمية على مستوى الوطن العربي والإسلامي، والمملكة مسؤولة عن الوطن العربي والإسلامي على السواء في جل القضايا القومية التي هي غالباً ما نجدها مشتركة بين الوطن العربي والعالم الإسلامي، وذلك للتداخل والتصاهر والبعد الديني والثقافة العربية والمواطنة، فإن المملكة العربية بهذا التوصيف تعتبر مرجعية لكثير من الشعوب في الجزيرة العربية والشرق الأوسط والشرق الأقصى ودول العالم الثالث. وبهذه الأهمية والمكانة للمملكة العربية السعودية، فهي بالضرورة هدف كبير وغرض مستهدف من عدة دول في إطار المرجعية الدينية فهي أرض المقدسات الإسلامية وفي إطار المال هي منبع البترول، أما جانب الصراع الدولي في أبعاده المحلية والإقليمية والعالمية فالمملكة نقطة محورية في تلك الأبعاد سواء كانت هذه الأبعاد دينية أو مالية أو مواقع إستراتيجية، ولأنها مركز ديني واقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي، وكل ما ذكرت هو مطلوب اليوم، ومن أجله جاءت التحديات للمملكة العربية السعودية من شتى الاتجاهات والكيانات، وقد جاءت التحديات في وقت تتطلب فيه الجهود الكبيرة والقراءات للواقع العربي بالنسبة للعالم اليوم، خاصة الدول الغربية التي تعرف مصالحها جيداً في الوطن العربي والعالم الإسلامي، فالمرحلة التي تمر بها المنطقة من التحديات الحقيقية لا يكفي معها مجرد التحالفات القديمة، التي تجاوزتها التطورات مع الزمن، والأحداث المتلاحقة التي تتغير معها مسارالسياسات والمصالح الدولية، لذلك ستواجه المملكة العربية السعودية في عهد الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز تحديات عديدة وحيل دولية وأطماع في مكتسبات المملكة.
على المستوى المحلي أو الداخلي، ومع بدء جيل الأحفاد في العائلة المالكة في الصعود إلى الحكم، هذا من شأنه ان يثير كثير من المتشددين الذين يرون ضرورة تغيير الحكم في المملكة العربية السعودية، أي النظام الملكي برغم ان هذا النظام قد ساهم في تطور المملكة، وساهم في تماسكها، وذلك واضح من خلال اختيار الملك الجديد لم يثر نعرات قديمة أو حديثة بشأن الحكم في المملكة فقد كان الاختيار منساباً بشكل يجعل أي إنسان يتعاطف مع النظام الملكي الذي يحكم السعودية، ولكن الاستقرار الذي بلغته المملكة والبناء الذي طالها والتطور الذي حدث هذا لا يفيد الكثيرين ولا يعجبهم في إطار سياسات دولهم تجاه وجود فرص متاحة في المملكة العربية السعودية، هذا إلى جانب شعور المتشددين من منسوبي الإرهاب الذي واجهته سلطات المملكة بشدة الأمر الذي أدى لالتحاق كثير من المتشددين بدول الجوار، ومن التحديات الداخلية فإن المرأة السعودية وضعها بين الدول العربية، وماحققته المرأة في هذه الدول تحديداً صار من القضايا التي تتطلب المعالجة الجذرية بالنسبة للمرأة السعودية، هذا إلى جانب التباين بين الإسلام السني السياسي والإسلام السني السلفي الذي اتخذ شكل المفارقة مما جعل سياسة الدولة ترتبك بهذا الخصوص، إلى جانب سياسات المد الشيعي في شرق المملكة العربية السعودية، مواقع إنتاج النفط وتصديره.
أما على مستوى المحيط الإقليمي، فإن المد الشيعي ينطلق من إيرن التي ترى في انها الدولة المركزية في الاقليم، وذلك خلال محاولتها الانضام الى النادي النووي خاصة في العالم الاسلامي، وبالتالي واضح ان توسيع نفوذها من اجل خطة استراتيجية مدروسة، كما انها ترى لا بد لها من السيطرة على المد الشيعي في المنطقة، فهي كدولة مركزية في الاقليم كله، أما كدولة مسيطرة على الشيعة فذلك يعني السيطرة الاسلامية الامر الذي لايتسق مع سياسة المملكة العربية السعودية التي تضم اكبر مدينتين مقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وقد اعتاد الناس منذ مئات السنين على هذا الوضع الذي حتم المملكة العربية السعودية في ريادة وقيادة الاسلام السني، الذي هو الغالب في العالم الاسلامي، كذلك ترى ايران ان حل الصراع العربي الاسرائيلي لا بد ان يكون بإزالة اسرائيل من المنطقة، لذلك لم تتجاوب ايران مع أي حل سقفه دون ذلك، واستمرارية الصراع العربي الاسرائيلي من شأنه ان يحفاظ على الريادة الايرانية التي على وشك الحصول على القنبلة النووية، ومن ثم تقنين المناورة مع الولايات المتحدة الامريكية التي تشد ثم ترخي النزاع مع إيران لأسباب غير معلومة للجميع، ربما هي محاولة الولايات المتحدة تبني التحالفات الجديدة في العالم الاسلامي، بين ايران وتركيا وكل منهما اخذت منهجاً جديدًا واصرارًا قوياً في اللحاق بالمستوى الدولي القائم وفق ما توفر لها من فرص.
ولذلك كان الوجود الايراني على مستوى المحيط الاقليمي، في العراق أصبحت الحكومات شيعية، وفي سوريا ايضاً الوجود الايراني يشكل الخطورة خاصة أن المملكة العربية السعودية قد دعمت الجماعات الجهادية على حساب النظام السوري، وكان هذا الدعم واضحاً هذا اضافة الى سياسة المملكة العربية السعودية لاتمانع في دعم الجماعات الاسلامية من خلال المقتدرين، ولكنها أي المملكة قد حاربت الدولة الاسلامية «داعش» حرب لا هوادة فيها، باعتبارها انها حركة ارهابية الأمر الذي تدعمه الولايات المتحدة الامريكية، ووجود ابوبكر البغدادي الذي يصنف الأب الروحي للمسلمين، هذا التوصيف ايضاً يخصم من المملكة العربية السعودية التي ترى انها الخادم الاول للاسلام على مستوى الوطن العربي والعالم الاسلامي، وهذه حقيقة يعرفها المسلمون على وجه الارض، إلا ان الأجيال القائمة قد تتأثر بذلك فهي ترى الإسلام وفق ما تتسق توجيهاته مع المفاهيم العالمية الجديدة، والمملكة تواجه نفس الحصار من الجنوب دولة اليمن التي كانت البعد الخارجي للمملكة في حكم عبد الله صالح، ولكن تقدم الحوثيون الذين ظلوا طيلة فترة حكمه محصورين في الجبال، خرجوا بهذه القوة التي هددت العاصمة اليمنية، وجعلت قيادة النظام ترتبك وتقدم استقالتها، الأمر الذي يؤكد ضعف الفكرة المركزية، في دولة اليمن الدولة الحليفة للمملكة العربية السعودية، الأمر في جله وواقع دولة اليمن من تقدم الحوثيين اكثر ما أقلق المملكة، خاصة ان سيطرة الحوثيين من شأنها ان تسهم بقدر كبير في النشاط الشيعي تجاه مركز الإسلام السني المملكة العربية السعودية، وهذا النشاط سيعمم بشكل ان يصبح الضغط على المملكة من كل الاتجاهات وربما شمل بعضاً من المتشددين من الذين فروا من المملكة على أثر محاربتها للارهاب في الداخل، خاصة عناصر القاعدة التي على النقيض من توجه المملكة العربية السعودية وإذا كان هناك ثمة موانع في دخول مثل هذه العناصر، فإن وضع اليمن بالنسبة للمملكة وموقعها يوفرذلك دون جهد كبير لعناصر على قدر من المعرفة بالداخل بالنسبة للمملكة، وكذلك انها مدربة تدريباً عالياً مصحوباً بتجارب فعلية في قتال المدن والصحراء.
لكل ذلك والأطماع الدولية في المنطقة، والمملكة على وجه الخصوص، فإن المملكة العربية السعودية ستواجه تحديات عديدة في عهد الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز، تحديات بحجم الأطماع في الموارد الاقتصادية والمالية والمعتقدية، فالمملكة العربية بحكم حمايتها للاسلام وتبني القضايا في الوطن العربي والعالم الاسلامي، قد اكتسبت درية عملية في الدفاع او الوقوف مع القضايا الاسلامية العالمية، وتوجيه النصح الى حلفائها من الدول الغربية، بان معظم قيام الحركات الارهابية نتيجة لتصرفات غربية محضة، تجاوزت فيها الحد المعقول في العقاب والحساب والنصاب، فبرزت اول ما برزت ظاهرة الانتحار القاتل لدى الشعوب المظلومة من قبل القوى الغربية وبرز الانتقام التلقائي الذي يسمى بالارهاب، وتنامت الروح العدائية لدى الشعوب الاسلامية والعربية في وجه الغرب والغربيين لدرجة اليأس من الحياة، وحتى لايصل هذا اليأس نفوس الشباب، نسأل الله أن يعين الملك سلمان بن عبد العزيز في إدارة المملكة وأن يستعين بكثير من قيادات الدول الإسلامية لأن أمر المملكة أمر العالم الإسلامي، وأن يتقبل الله الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز قبولاً حسناً ويسكنه فسيح جنانه بقدر ما قدم للبشرية.
المصدر : صحيفة الانتباهة –