كوميديا سياسية: لا يجدون ما يقولونه غير ترديد عبارة: يا خلف الله ما وحشتنا
الصمت سيِّد الموقف على بعد خطوات من الصندوق الذي يُحدد مسارات الوطن في المستقبل القريب، جدل الشاشة يقف في محطات البحث عن رئيس جديد للهيئة وعن إشارة نقل بطولة الدوري الممتاز.
خمس سنوات خلت وعلى ذات الشاشة كان (خلف الله) يمارس العذاب على طريقته وهو ينادي الجميع إلى صناديق الاقتراع. كانت مفوضية مولانا أبيل ألير هي سيدة الحراك آنذاك في محاولتها جلب الناخبين نحو المشاركة في استحقاق أبريل 2010 الانتخابي.
الشارع لم يكن يتحدث بغير لغة يا (خلف الله عذبتنا) وهو يستعيد السلسلة التي تعرضها المفوضية على شاشات التلفزيونات السودانية وثمة ما يحركهم في اتجاه آخر، (الدنيا انتخابات) كان أمراً ماثلاً في الشوارع ومنحنيات الونسة.
يعلن رئيس المؤتمر الوطني ومرشحه لرئاسة الجمهورية في المرحلة القادمة المشير عمر البشير أن الانتخابات ستجرى في مواعيدها ولن تؤجل مهما حدث، كان ذلك بالأمس القريب في مؤتمر حزب الأمة الفيدرالي. تكرار إعلان إجراء الاستحقاق الانتخابي في مواعيده بلسان السياسيين يبدو وكأنه لا يجد آذاناً مصغية عند الشعب، الذي لا يجد ما يقوله حين ينظر أمامه وخلفه غير عبارة (يا خلف الله وحشتنا)
يقول المسرحي إبراهيم كوميك صاحب شخصية (خلف الله) إن الانتخابات تمثل موسما يمكن من خلاله للدراما أن تنتعش وتتقدم، مشيراً إلى تجربته السابقة التي ما تزال أصداؤها موجودة فوجوده في أي مكان يمثل استعادة للعبارة القديمة من أفواه الجالسين وهم يرددون (يا خلف الله عذبتنا). لكن الموسم الجديد يبدو وكأنه موسم لخفوت أصوات المشاركة الإبداعية في العملية الانتخابية. غير بعيد عن رؤية كوميك يقول المسرحي والفنان محمود ميسرة السراج إن أحد المسرحيين رفض عرضاً من أجل إنتاج أعمال درامية تتعلق بالانتخابات إلا أنه بسبب رفضه المشاركة في العملية الانتخابية دون توفر شروطها رغم حاجته للعائد المادي الذي يعود عليه في حال إنجازه العمل.
يبدو أن بعض أهل الفنون اختاروا الطرف الآخر في معادلة التعاطي مع الانتخابات طرف المقاطعة وعدم المساهمة في العملية برمتها.
رفض تقديم عروض إبداعية داعمة للمشاركة في الانتخابات يمكن قراءته مع خطوات الفصل التي اتبعتها بعض الأحزاب السياسية مع منسوبيها ممن تقدموا للترشح بصفة مستقلة، كحزب (الإصلاح الآن) الذي خير أحد منسوبيه بين الاستمرار في الانتخابات أو تقديم استقالته من التنظيم. الأمر تبناه في اتجاه آخر المؤتمر الشعبي الذي طالب عضويته بالالتزام بخط الحزب المقاطع للانتخابات بينما انتهت أحزاب قوى الإجماع الوطني لخيار (ارحل) كتميمة تواصل من خلالها مواجهة الماضين نحو الصندوق وتحتفظ في الوقت نفسه بموقفها المعارض لتوجهات الحكومة والعمل على إسقاطها.
يرجع البعض غياب الاهتمام بالحراك الانتخابي إلى مقاطعته من قبل القوى المؤثرة سياسياً لكن الأمر يمكن الرد عليه بان ذات القوى كانت قد رفضت المشاركة في انتتخابات 2010 وأعلنت أنسحابها قبل بداية السباق. يقول المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين الدكتور عوض أحمد سليمان في تفسيره لحالة العزوف عن الاهتمام بالانتخابات ومقاطعتها من البعض إلى تفاقم حالة الاختلافات السياسية بين واقع البلاد في العام 2010 وواقعها اليوم ويضيف عاملاً آخر يتعلق بالناخبين أنفسهم وسيادة حالة عدم الثقة بينهم والقوى السياسية بتوجهاتها المختلفة وإحساسهم بأنه لا جديد يمكن انتظاره ويساهم في تحول إيجابي نحو الاستقرار، فقد شاركوا في اختيارات 2010 وكانت النتيجة تراجعا وبخطي متسارعة، عليه فإن الأمر بات وكأنه لا يعنيهم من بعيد أو قريب.
ثمة عامل آخر يمكن من خلاله تفسير غياب الاهتمام بالعملية السياسية برمتها يتعلق هذه المرة بالجهة المنوط بها تنفيذ الانتخابات (المفوضية) فغض النظر عن أحلام بعض القوى المعارضة بعملية حيادية ونزيهة واتهامها للمفوضية بالدوران في فلك الحزب الحاكم، فإن عاملا مثل غياب الاهتمام الدولي بالانتخابات القادمه أسهم في انحسار (الموجة الانتخابية)، فالحكومة قالت في وقت سابق إنها ستعقد الانتخابات حتى ولو لم يأت الدعم الدولي، فغياب السيولة المالية عن (صندوق) المفوضية والتي كانت (تنبع) في العام 2010 من (بحيرة) المجتمع الدولي ضاعف خفوت التبشير بالانتخابات عبر الوسائط المختلفة.. لكن غياب مال المفوضية يتوافق وغياب القوى الحزبية المقتدرة مالياً كما كان في السابق فرئيس حزب الحقيقة الفيدرالي ومرشح رئاسة الجمهورية فضل السيد شعيب عقب تقديمه لطلب ترشحه سارع ليطالب الحكومة بضرورة تقديم الدعم المالي الذي يمكن الأحزاب المشاركة في الانتخابات من إنجاز التزاماتها وهو أمر يوضح بشكل كبير المآل الذي يمكن أن تصل إليه العملية في نهاية المطاف.
بالرغم من استمرار الحكومة والمفوضية في الالتزام بالجدول الانتخابي وبضرورة مضي العملية إلى خواتيمها لتحدد من يدير أمور السودانيين في المستقبل ومع الخطوات المتسارعة للحزب الحاكم في سعيه من أجل حشد أصوات الناخبين، ومع اقتراب استحقاق الدعاية الانتخابية وهي تنادي على الجمهور فإن لسان حال الشعب المنتظر لحظة الحقيقة يقول في طريقه نحو صناديق 2015: (خلف الله وحشتنا)
الزين عثمان : صحيفة اليوم التالي