رأي ومقالات

الصادق الرزيقي : هل سينجح الحوار مع أمريكا؟!

بدأ مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطني بروفيسور إبراهيم غندور، زيارة مهمة لواشنطون تم التكتم على تحضيراتها وتفاصيلها طيلة الفترة الماضية، وقدمت الإدارة الأمريكية الدعوة لغندور، وهي ذات الدعوة التي وُجهت من قبل للدكتور نافع علي نافع عندما كان يتولى ذات المسؤولية في الدولة والحزب، ولم تتم في ميقاتها، وزيارة غندور هذه طلبتها واشنطون بغرض التحاور المباشر مع شخصية قيادية في الدولة وفي المؤتمر الوطني، حول مجمل الأوضاع في البلاد والنقاط الخلافية بين الجانبين، فللحكومة السودانية رغباتها ومطلوباتها من العلاقة مع الولايات المتحدة، ولواشنطون اشتراطاتها في تسوية ملف خلافاتها مع الخرطوم.. غير أن ترفيع مستوى الحوار والتباحث هذه المرة له مغازيه ودلالاته وربما توقعاته المنتظرة، وتكشف عنها ردات أفعال المعارضة السودانية المسلحة وأطراف إقليمية نظرت إلى ما يجري بعد وضع النظارة السوداء.
> ولم تكن هذه الزيارة لتتم لولا الضوء الأخضر الذي أعطاه السيد رئيس الجمهورية لوزير الخارجية علي كرتي في نوفمبر الماضي بالعمل على معالجة الخلل في العلاقة السودانية الأمريكية والحوار مع الإدارة الحالية في واشنطون حول كيفية إعادة العلاقة إلى طبيعتها، وشجع ذلك وزارة الخارجية الأمريكية على التحرك وتوجيه الدعوة لبروف غندور لزيارة واشنطون ليكون أرفع مسؤول سوداني يزورها بصفة رسمية منذ سنوات عديدة، وهذا وحده يعطي إشارة كافية إلى أن هناك شيئاً ما يجري وراء الكواليس ونقاشاً خلف الأبواب المغلقة يجري بين البلدين المتوترة علاقاتهما لأكثر من عقدين من الزمان.

> ومما لا شك فيه أن حقيبة البروف غندور وهو يهبط واشنطون، تحمل عدة ملفات هي عقدة الخلاف مع الولايات المتحدة، ولا يمكن تطبيع العلاقات دون التوصل إلى تفاهم حيالها، فالعقوبات الأمريكية المفروضة على السودان منذ عقد التسعينيات ساهمت بشكل مباشر في تأزيم الأوضاع الداخلية في السودان، بأثرها السالب جداً والمعيق للاقتصاد السوداني وخطط ومشروعات التنمية والنهضة والخدمات، الأمر الذي زاد معاناة الشعب السوداني، وتحمل تباعاتها وكلفتها العالية ودفع ثمنها الغالي عامة الناس والشرائح والطبقات الفقيرة وليست الحكومة في الخرطوم. وهذه العقوبات التي فرضت في عهد الديمقراطيين في تسعينيات القرن الماضي بقرار رئاسي من كلنتون ثم تبعته إجراءات الكونغرس، فاقمت الأسباب التي قادت للحرب، وزادت اشتعالها في جنوب السودان قبل نيفاشا وبعدها، وفي جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وزادت معدلات الفقر وعدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها وتعهداتها، وهي بلا أدنى مواربة عقوبات ظالمة لا مبرر لها استهدفت تدمير قدرات السودان وتحطيم إرادته وإضعاف دوره.
> ويترافق مع هذا الملف في حقيبة البروف غندور، ملف الديون التي أثقلت كاهل السودان، وبلغت حوالى خمسة وثلاثين مليار دولار، وظلت الوعود تُعطى للخرطوم قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية، ووقفت واشنطون حجر عثرة أمام محاولات السودان لإعفاء دينه الخارجي، بالرغم من أن الإدارات الأمريكية منذ عهد بوش الابن ظلت تبذل الوعود للحكومة السودانية بأن ديونها ستعفى في حال توقيعها على الاتفاقيات لحل مشكلتي جنوب السودان ودارفور. وظلت واشنطون تضغط على الدول الدائنة مخافة أن يتم إعفاء الديون على السودان، وربطتها بالإملاءات السياسية.

> وفي موضوع الإرهاب وهو من الملفات أيضاً ضمن محتويات حقيبة غندور، لم ترفع واشنطون السودان من قائمتها للدول الداعمة للإرهاب، برغم علمها بخلو صحيفة السودان من أية تهمة تدمغه بهذه الظاهرة العالمية، ومطالبة الخرطوم برفع اسمها من القائمة الأمريكية السوداء لم تنقطع، وحتى الأجهزة الأمنية الأمريكية في حقيقة يقينها تعلم أن السودان لا علاقة له بملف الإرهاب، وفتحت هذه الأجهزة من قبل تعاوناً في هذا المجال، وشهدت بما عليه الحال في السودان وعدم دعمه أو إيوائه أية مجموعة إرهابية، ولو لم يتم رفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب وما ترتيب على ذلك من إجراءات، فإن تطبيع العلاقة سيكون من الصعب تحقيقه.

> وتندرج قضيتا دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، في صلب المسائل التي ستطرح أمام مساعد الرئيس في واشنطون، وتلعب جماعات الضغط والناشطون دوراً كبيراً في تهييج الرأي العام الداخلي الأمريكي وتحريض الكونغرس ضد السودان، وهي التي تستخدم عبارات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والقصف الجوي ضد المدنيين، وكلها تهم باطلة لكنها كبلت أقدام الإدارة الأمريكية، وسجنت عقلها في قارورة صغيرة لم تستطع الخروج منها لمعرفة الحقيقة لتكون على الحياد، وتسهم بإيجابية في حل قضايا المنطقتين ودارفور.. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية تتبنى آراء الناشطين ومنهم مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، وتقوم بمساندة متمردي قطاع الشمال بالحركة الشعبية وما يسمى الجبهة الثورية وحركات دارفور، ولم تحاول على الإطلاق أن تلعب دوراً بناءً وفعالاً يحقق السلام في السودان.

> أما قضية المحكمة الجنائية الدولية، فإن الموقف الأمريكي المؤيد لها في حالة السودان بالرغم من أن واشنطون لم تصادق على ميثاق روما المؤسس للمحكمة، فستكون واحدة من المطروحات السودانية على طاولة الحوار السوداني الأمريكي، كذلك قضية ترفيع التمثيل الدبلوماسي ومنح التراخيص التي تصدر عن مكتب متابعة العقوبات «أوفاك».
> ومن كل ما سبق لا نجد غير القول بأن هذا الحوار الذي بدأ بين الجانبين سيكون شاقاً وصعباً، ولا يتوقع أن يكون خاتمة مطاف لتوترات العلاقة، لكنه قد يكون خطوة في مشوار الألف ميل.. كما يقول أقل المتفائلين!!

صحيفة الإنتباهة