ثقافة وفنون

مع الروائي واسيني الأعرج: قراء السودان يُحققون لي رهان الكاتب.. الطيب صالح قيمة إنسانية تخطّت حدود السودان

++ الكاتب الجزائري الكبير، واسيني الأعرج، ضيف شرف جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي في نسختها الخامسة. هو أحد أهم الأسماء المجددة في عالم الأدب العربي ويكتب باللغتين العربية والفرنسية، وهو بالإضافة للعمل الإبداعي أستاذ جامعي يشغل منصب أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون الجديدة في باريس.
واسيني الأعرج قبل مجيئه إلى السودان التقيناه في دردشة على مقهى في العاصمة الفرنسية باريس. حيث تحدث الكاتب الكبير عن توقعاته لهذه الرحلة والجائزة.. وصاحب الجائزة الطيب صالح.
* دكتور واسيني الأعرج.. محبو أدبك في السودان يترقبون هذه الزيارة.. أنت اسم كبير في عالم الأدب العربي سيحتفي بقامة كالطيب صالح بهذا الحضور وجائزة كذلك كبيرة من الناحيتين المعنوية والمادية.. كيف تتوقع الزيارة؟
– أولاً أنا سعيد وممتن لأن هذه المرة الثالثة التي أحاول فيها الذهاب إلى السودان، وأتمنى أن تكون الأكيدة، في آخر مرة كنت مبرمجا ضمن فعاليات الجائزة، لكن لأسباب صحية لم أذهب وبعثت بمشاركتي فقط.. أكرر أنا جد سعيد بالمشاركة في جائزة الطيب صالح هذا التكريم السنوي الذي يستحقه بامتياز واسمه هو الذي يكرم الجائزة حقيقة.. وبالنسبة إلى الفائزين فهم يأخذون تكريم هذه الشخصية التي لم تعد بيننا.
* أراك سعيداً وأنت تتحدث عن زيارتك هذه للسودان؟
– بالطبع، أنا سعيد جداً، ومن أسباب سعادتي من زيارتي للسودان، أني سأذهب لمدينتين أو ثلاث بالسودان. وسأكتشف هذا البلد، والتقي بالنخب الثقافية السودانية الأدبية والفكرية. وستكون هنالك فرصة لنتداول ما يُشغلنا حقيقة في هذا الوضع العربي المعقد، وأنا في ذهني أنْ أتحدّث عن وظيفة الكتابة في زمن لم يعد يحفل بالكتابة.. وكيف تترجم هذا الحب للأدب لأنك عندما تقول حب الأدب فأنت تتحدث عن حب للإنسان وحب للإبداع وحب لقدرات الخلق وهي لحظة تأمل وتفاؤل بأن العالم لم ينغلق وما يزال مفتوحاً.
* السودانيون يُصنفون ضمن الشعوب القارئة والنهمة.. جرياً على مقولةٍ كثيرة الترداد.. والخرطوم تقرأ.. كيف ترى هذا التصنيف؟
– واحدة من الأشياء المهمة بالنسبة لي في هذه الزيارة أن التقي بعددٍ وافر من القراء السودانيين الذين يخجلونني بمدى دقة متابعتهم لما أكتب، ويتضح ذلك من مداخلاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي.. لا أبالغ إن قلت إنّ الآلاف من السودانيين يتواصلون معي على (فيسبوك وتويتر) وغيرها.
قراء السودان يُحققون لي رهان الكاتب.. فما هو رهانه في نهاية الأمر، غير أنْ يكون مع قرائه، وأنْ يُعطي ما يمكن أن يمنحهم ولو حياة موازية، حياة فن، حياة حب، وموسيقى ولغة.. هذه هي وظيفة الكاتب، لأن رهانه خارج رهانات القراءة هي رهانات خاسرة.
* دعنا نعود للمناسبة التي أتيت من أجلها للسودان.. وهي جائزة الطيب صالح.. بدءً كيف تعرفت على الطيب صالح؟
– عرفتُ الطيب صالح كصديق، والتقيت به العديد من المرات هنا في باريس، وفي بريطانيا، وكثيراً جداً في المغرب، حيث كان ضيفاً دائماً على ملتقى (أصيلة) الثقافي. كنتُ أراه بلباسه التقليدي الشعبي السوداني.. هذا الرجل المتسامح الجميل المنبسط الضاحك الملئ بالسعادة الداخلية، والخجول جداً في نفس الوقت.
* هذا على المستوى الشخصي.. كيف قرأته؟
– درست أعمال الطيب صالح الأدبية، وعلى وجه الخصوص حول مسألة العلاقة بين الأنا والآخر وكيف هو صورها خارج عملية التسطيح العامة (الآخر جيد وأنا سيئ)، أو (أنا جيد والآخر سيئ).. نرى كيف خرج الرجل من الازدواجية هذه.
الطيب صالح قيمة عربية وإنسانية من القيم الثقافية التي تخطّت حدود السودان وذهبت بعيداً من خلال مختلف القنوات.. نحن نعرف أنه ابن السودان الأًصيل ونعرف أنه أقام مدة لا بأس بها في بريطانيا، وأن كل هذه العناصر جعلته أولاً يترسخ في ثقافته وعمقها بحكم أنه ابن هذه المنطقة، لكن في الوقت نفسه انفتح على الآخر ولهذا هو يعتبر من الأوائل الذين أسسوا من خلال موسم الهجرة لعلاقة غير العلاقة الخرافية التي كانت موجودة بين شرق متخلف وغرب متقدم.
هذا البطل سيذهب أعني هنا بطل الرواية سيذهب من السودان إلى أوروبا وإلى بريطانيا وسيكتشف عالماً آخر وهذا العالم سيسهم في تحوله لدرجة أن يصبح قاتلاً، لكن ليس هذا المهم.. هو أراد أن يقول في اعتقادي أن هذه العلاقة إما أن تبنى على التكافؤ والاعتراف بالآخر وبتبادل الثقافات وإما ستتحول عندما تكون الاختلافات جذرية وعميقة قد تتحول هذه العلاقة إلى شيء آخر غير العلاقة الطبيعية والإنسانية، لهذا نقول إن الطيب صالح من الأوائل الذين أدركوا بعقل متبصر لا الحماس المطلق للآخر ولا العداوة المطلقة له.. في نهاية المطاف الآخر هو الآخر والأنا هي الأنا ويمكن داخل هذه الأنا أن تحدث تقاطعات باتجاه الآخر والعكس أيضاً.
ويمكننا القول إن ما تحدث عنه الطيب صالح من قبل عشرات السنين في رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) ما زلنا إلى اليوم نعيشه ونحس به، كل هذه الصراعات القائمة وما يطلق عليه بصدام أو صراع الحضارات وحتى تلك التي انتقلت من الفعل الثقافي إلى العمل الإرهابي هي جزء من هذه المقولات التي انتبه لها الطيب صالح في وقت مبكر بحاسته الفكرية والأدبية والفنية والإنسانية.
* في رأيك.. هل ساهمت ترجمة أعمال الطيب صالح في التعريف بالكوامن النفسية والتراثية الثقافية للقادم من الجنوب بالنسبة للقارئ لغير العربية.. وهل هي ذات أثر حقيقي في التعريف بالأديب العربي الأفريقي الكبير؟
– بكل تأكيد خصوصاً رواية (موسم الهجرة) لأنها تحمل هماً إنسانيا لبقية رواياته حتى وإن ترجمت بقي عندها طابعها الشعبي المحلي السوداني. أما (موسم الهجرة) فهي تحمل أحد الموضوعات الكبرى التي تشغل البشرية، لهذا نقول إن الترجمة أوصلت هذا النوع من التفكير الموجود عند الطيب صالح خصوصاً في بريطانيا. حيث إن الرواية تتناول أيضاً المجتمع البريطاني، هو عبارة عن مرآة مزدوجة نرى فيها الوجه العربي القادم من الأغوار العربية، السودان بثقافته وشعوره وأوهامه وأحلامه أيضاً، ونرى المجتمع الإنجليزي كذلك بأوهامه ويقينه وقوته وغطرسته ..إلخ.
هذه اللحظة التي ينتج عنها صدام وربما أقسى درجاته هذا الموت أو عملية القتل، الكثير من الكتاب لاموا الطيب صالح حتى بعض الكتاب الفرنسيين والإنجليز لاموه وقالوا لماذا عملية القتل والتي تبدو كأنها عملية مجانية، لكن اتضح فيما بعد أن الطيب صالح كان على حق لأن الأعماق عندما تصطدم بقوة بشيء غير مستعدة أو مؤهلة له وبالمقابل العدوانية المفرطة واليقين الموجود عند الآخر لا يمكن أن ينتج عنه شيء إلا شيء شبيه بذلك، انظر مثلاً كيف نفسر اليوم في فرنسا الاعتداءات التي وقعت مؤخراً على صحيفة (شارلي ايبدو) وغيرها من الأحداث.

اليوم التالي