تحقيقات وتقارير

“استراتيجية خروج” لا تحبّذ الحكومة الربط بين “تابت” ومساعيها لمغادرة يوناميد.. لكنّها عازمة بقدر مساو لعزم الأمم المتحدة إجراء تحقيق للمرة الثانية

لا تحبّذ الحكومة الربط بين مطلبها من الأمم المتحدة مغادرة يوناميد ومزاعم الاغتصاب الجماعي في تابت، لكنها عازمة على خروجها بقدر مساو لعزم الأمم المتحدة إجراء تحقيق ثان حول الواقعة. وبهذا التداخل بدأت الأحد الماضي لجنة ثلاثية مكونة من الخرطوم والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي مناقشة إعداد استراتيجية خروج متدرج بعد 4 أيام من تجديد بان كي مون طلبه بإجراء التحقيق والذي صدر بعد سويعات من تقرير نشرته هيومان رايتس ووتش زعمت فيه توثيقها لمزاعم الاغتصاب بمقابلات أجرتها مع ضحايا.
في سبتمبر الماضي طلبت الحكومة رسميا من الأمم المتحدة إعداد استراتيجية خروج للبعثة المشتركة مع الاتحاد الأفريقي وقيل وقتها إن الأطراف الثلاثة سيشرعون في بحث الطلب الذي أخذ منحى آخر عندما أعلنت يوناميد في الأسبوع الأول من نوفمبر أن الحكومة منعت فريقا تابعا لها من الوصول لقرية تابت بولاية شمال دارفور للتحقيق في مزاعم اغتصاب جماعي طالت 200 من نساء القرية بينهن قاصرات.
وقتها برر المتحدث باسم الجيش الصوارمي خالد سعد منع البعثة “بعدم حصولها على إذن وفقا للقانون المعمول بها” قبل أن يعلن عن السماح لها بدخول القرية وهو ما تم فعليا في 10 نوفمبر، حيث قال فريق المحققين إنه “لم يجد دليلا” على حدوث مزاعم الاغتصاب الجماعي التي أوردتها بالأساس إذاعة دبنقا في 4 نوفمبر.
ولم تنته التقاطعات بصدور بيان يوناميد لأن وسائل إعلام غربية سرعان ما نقلت عن مسؤوليين أمميين أن “البعثة قالت في تقرير سري بعثته إلى رئاستها في نيويورك إن وجود قوات حكومية أثناء عملية التحقيق خلق حالة ترهيب لدى الشهود” وبالمقابل بررت الحكومة وجود قواتها بأنه “كان ضروريا تحسبا لأي ردود أفعال غاضبة من المواطنين ضد فريق البعثة نظرا لحالة الامتعاض الواسعة وسطهم من هذه المزاعم التي يرون أنها تسيء لهم”.
ولم تكتف الحكومة بذلك إذ استدعت الخارجية السودانية في 14 نوفمبر رئيس البعثة بالإنابة ونقل له وكيل الوزارة عبد الله الأزرق احتجاج الحكومة على تعاطي البعثة مع مزاعم الاغتصاب، وبعدها بيومين أعلنت الخارجية رفضها السماح ليوناميد بزيارة المنطقة للمرة الثانية، وبررت قرارها بأن أبدت “شكوكها حول الدوافع وراء الإصرار على قيام البعثة بزيارة ثانية لمنطقة تابت” فضلا عن مخاوفها من حدوث صدام بين أهالي القرية والبعثة لأن “نظرة الأهالى ليوناميد يشوبها الكثير من العداء نظرا لما لحق بسيدات المنطقة من وصمة لطخت سمعتهن”.
وردا على رفض الحكومة أصدر مجلس الأمن الدولي بيانا نشر بإجماع أعضائه الخمسة عشر جاء فيه أن أفراد البعثة المكلفين بالتحقيق يجب أن يدخلوا القرية “فورا ودون عوائق لإجراء تحقيق شفاف وكامل” وذلك بعد يوم من طلب مماثل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
ولم تكترث الحكومة لكلا الطلبين بل عمدت إلى تصعيد مطلبها القديم في خروج البعثة وقالت إنه “يتعارض” مع مصالح دوائر لم تسمها تريد الإبقاء على البعثة في السودان لذا افتعلت قضية الاغتصاب.
والحال كذلك بدأ صيت القضية يخفت شئيا فشيئا حتى تلك الأيام التي قضاها مساعد الرئيس إبراهيم غندور في واشنطن بدعوة من الإدارة الأمريكية، حيث غادرها إلى نيويورك لمقابلة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وعدد من كبار معاونيه.
لكن قبل ساعات من لقاء مون وغندور أصدرت هيومان رايتس ووتش تقريرا زعمت فيه توثيقها عبر شهادات من الضحايا لعمليات اغتصاب جماعي ارتكبها جنود حكوميون في تابت. ولم يكن التقرير مهما بذات أهمية إصدار مكتب الرجل الأول في المنظمة الأممية بيانا أبدى فيه “ترحيبه” بتقرير المنظمة الحقوقية ذات النفوذ الواسع وجدد مطلبه للحكومة “السماح للأمم المتحدة الوصول إلى تابت للتحقيق في مزاعم الاغتصاب في أجواء آمنة وخالية من أي ضغوط”.
الحكومة بدورها لم تتزحزح عن موقفها القديم حيث رد وكيل الخارجية عبد الله الأزرق على الطلب الأممي قائلا إنه “يتناقض مع ما جرى عليه التقليد في مثل هذه التحقيقات”.
وبهذه الحيثيات بدأ الأحد الماضي وكيل الخارجية مباحثات بالخرطوم مع نائب مفوض الأمن والسلم بالاتحاد الأفريقي ونائب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لقوات حفظ السلام بشأن استراتيجية الخروج.
وظهر أمس بينما كانت الاجتماعات لا تزال مستمرة رجحت مديرة العلاقات الثنائية والأقليمية بالوزارة سناء حمد خلال حديثها للصحفيين التوصل إلى اتفاق بنهاية اليوم – أمس – حول “مرجعيات” استراتيجية الخروج. وبالفعل انقضى الاجتماع ولم تفصح الخارجية عن مخرجاته لكن لا يبدو هذا مهما مادام أن الاجتماع يهدف إلى التوصل بشأن “مرجعيات” تبدو مبهمة للغاية وهي تقارن مع اصرار الحكومة على خروج البعثة وتصريحات سابقة لمسؤوليين أمميين يقولون صراحة إن “هذا لا يمكن أن يحدث الآن”.

اليوم التالي