لينا يعقوب : “الحكومة دقست”!
لا بأس من الابتعاد قليلا عن السياسة ومنغصاتها والكتابة عن مواضيع أخرى ليست بعيدة أيضا..
أعلم أن مجالسنا البرلمانية والتشريعية لا تسر بالنا أو حالنا في أحيان كثيرة، لكني استحسنت ما دعا إليه أحد نواب مجلس تشريعي الخرطوم قبل يومين وهو يطالب وزارة التخطيط العمراني والبنية التحتية بتغيير أسماء بعض الأحياء في الولاية، مثل “زقلونا وجبرونا.. وكرور وأنقولا” بحجة أن الأسماء لا تليق تسميتها على أحياء داخل الخرطوم وشدد النائب في دعوته على ضرورة تغييرها فوراً.
المعلوم أن الأحياء عادة ما يسميها ساكنوها أو تسميها جهات أخرى كالدولة وغيرها، فجبرونا مثلا سماها ساكنوها لأنهم “أجبروا” على الانتقال إليها والإقامة فيها، ومنطقة (الإنقاذ) مثلا التي تقع قرب المجاهدين والتي سمتها الحكومة حينما منحتها تعويضا لسكان ما يعرف “بالعشش” سابقا، تغير اسمها بفعل مواطنيها إلى “الحكومة دقست” بعد أن أصبح موقعها استراتيجا متميزاً مع مرور الزمن.. الاسم جاء طبعاً لاعتقاد السكان أن الحكومة إن كانت على دراية بأن المنطقة ستكون فيما بعد مميزة، لما منحتها لهم.!
أسماء المناطق في السودان تحمل دلالات مختلفة لكنها لا تعكس حقيقة الواقع، فإن كانت هناك أسماء يعتبرها البعض “راقية” لأنها مستوحاة من أسماء خارجية، كـ(الطائف، الرياض، الدوحة، يثرب، أم القرى..إلخ) إلا أنها لا تخلو من قطوعات الكهرباء والمياه، وأسماء أخرى تدل على البؤس والفقر كأم بدة كرور لكنها مع مرور السنوات كثر فيها البنيان والعمران..
وزارة التخطيط العمراني لم تُطلق الأسماء على تلك المناطق، وبالتالي حتى إن قامت بتغيير الأسماء عنوة، قد لا تجد دعوتها مجيبا، لكن إن قاد بعض سكان تلك الأحياء مبادرة لتغيير أسماء مناطقهم مع الجهات المختصة، فلا بأس..
هناك من يعتبر أن الاسم عبارة عن إرث تاريخي، ودلالة على قهر مورس على سكان تلك الأحياء.. مثلا منطقة “صابرين” بأم درمان اسمٌ جميل، يدل على “صبر” قاطنيها بالعيش في منطقة تفتقر إلى الخدمات من مياه وكهرباء ومواصلات في ذلك الوقت، لكنها الآن أصبحت منطقة بوسط ثورات أم ردمان وأسواقها.!
الرئيس الأسبق جعفر نميري، حينما زار تلك البقعة الدينية الهادية بشرق الخرطوم “أم ضبان” والتي سميت بهذا الاسم لكثرة النحل والذباب فيها، قام بتبديل اسمها إلى “أم ضواً بان”.. وامتداداً لذلك تم تحويل أسماء على ذات الشاكلة، مثل “عد الغنم” التي سميت لاحقا “بعد الفرسان”، ومنطقة “سفاهة” التي تقع على الحدود مع دولة الجنوب وسميت لاحقا “سماحة”..
لا بأس من التغيير، إن تبدل الواقع إلى الأفضل، ولكن قبل التغيير على ولاية الخرطوم والولايات الأخرى القيام بما يلزم من مستوى نظافة وتوفير الخدمات الضرورية لتلك المناطق.
وليت الأمر يمتد بعد ذلك، إلى أسماء المطاعم والمحال التجارية، فحتى في الأحياء التي توصف بالراقية، يلفت نظرنا أسماء مطاعم على شاكلة “قشقشة” و”عضة” و”شلهبة”.. وأسماء محال حلاقة مثل “زعمطة” و “أبو البتر للحلاقة”.. ونكتفي.!!