خالد حسن كسلا : «الترابي» لماذا تتهمه الحركة الشعبية الآن؟!
وأتيم قرنق وهو النائب السابق لرئيس البرلمان ضمن محاصصة اتفاقية نيفاشا عن الحركة الشعبية، كان في ذاك الوقت يعتبر أن الطيب مصطفى ومنبره منبر السلام العادل من خلال الندوات والصحيفة هذي يدعون إلى فصل الجنوب عن السودان، ومن أجل حسم المشكلة الأمنية التي يفجرها من حين إلى حين بعض أبناء الجنوب بحجة تقرير المصير.
وأتيم قرنق لم يحدّثنا نحن في الشمال وأهله وغيرهم في الجنوب عن أول صوت شمالي انطلق للدعوة للانفصال وهو صوت «يوسف مصطفى التني»، وكان حينها كل السياسيين تقريباً مع وحدة السودان «شمال جنوب».. لكن التني كان يلخص بدعوته تلك مشروع حل الأزمة الأمنية.. وقد لخصه في ضرورة الانفصال الجغرافي ليتبع الانفصال الثقافي والوجداني الذي أسس له الاحتلال البريطاني، وكانت نتيجته أحداث الثامن عشر من اغسطس عام 1955م. وأتيم قرنق بعد مذكرة التفاهم بين حزب الترابي والحركة الشعبية.. وهي المذكرة التي حوّلت منفى على الحاج من «اختياري» الى «اجباري» في ألمانيا.. تلك المذكرة ما كانت في أجوائها تلك تكفل لأتيم قرنق أن يقول ما قاله الآن بأن «انفصال الجنوب» من أفكار الترابي».
و «أفكار الترابي» ندرسها ونعرفها ولم نجد فيها لا وحدة ولا انفصال.. وأن قضية الجنوب فيها كانت فقط عام 1964م.. كان في عهد عبود.. يقول الترابي في الميدان الغربي بجامعة الخرطوم: «إن مشكلة الجنوب تُحل بتغيير الحكم في الخرطوم».. يقصد الحكم العسكري الذي دعمه وسانده في 30 يونيو 1989م.
لكنه رفضه بشدة في ذاك الوقت. وهذه هي الأفكار افكار الترابي . والترابي الآن إذا سرّه انفصال الجنوب.. يكون هذا من باب الكيد السياسي والشماتة السياسية ضد المؤتمر الوطني. والترابي بالضرورة يريد أو كان يريد استمرار الوحدة حينما كان يتفاءل بأن يحكم البلاد أو يترأس حكومتها على الأقل.. وهو في عام 89م قد اقترب من هذا المنصب، فقد كان في التشكيلة قبل الأخيرة لحكومة الصادق المهدي «86 ــ 1989م» نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية.. وبعدها تململ الجيش وتنهد الحزب الشيوعي وتألمت الحركة الشعبية وتشاءمت مصر واستاء القذافي إلى أن استلم السلطة «عبود آخر».. وهو «عبود» المقبول وقتها بالنسبة للترابي. لكن ما الفرق؟! فعبود ذاك اراد ان يحسم التمرد بطرد المبشرين من جنوب البلاد باعتبارهم دعاة فتنة.. و«عبود الآخر».. وهو البشير اراد ان يؤهل القوات المسلحة ويدعمها برافد المجاهدين وباستقطاب الدعم من حكومة الشهيد صدام حسين لكي يطرد المنظمات الأجنبية ويدحر التمرد ويجبره على الجلوس للتفاوض لكي يكون تقرير المصير سلماً لا حرباً. فأين أفكار الترابي هنا؟!. ثم لماذا يريد الترابي فصل الجنوب اصلاً؟!.. ربما تكون الاجابة إلى حد ما مفهومة لكنها ليست صحيحة. فأفكاره لا يخدمها انفصال الجنوب ولا استمرار وحدته مع الشمال، ويخدمها فقط الوصول إلى السلطة.
وأتيم قرنق ربما كان يقصد الترابي ككيان وتنظيم سابق قبل حزبه ليقول إن مصلحة الإسلاميين في انفصال الجنوب، ولذلك يمكن أن يخططوا له.
فهل كانت إذن نتيجة الاستفتاء رغم انفصال الجنوب قبلها عملياً واخلائه من الجيش والشرطة والقضاء والمراجعة العامة والأمن وحتى الدورة المدرسية.. هل كانت نتيجة الاستفتاء رغم كل هذا مزورة؟!
أصلاً ما كان هناك داعٍ لاستفتاء حول تقرير مصير، فقد كان بالفعل تحصيل حاصل بعد اخلاء الجنوب من كل المؤسسات القومية آنفة الذكر. لكن يبدو أن أفكار أتيم قرنق ورفاقه في الحركة الشعبية «الحاكمة والمتمردة» الآن بقيادة سلفا كير ومشار.. يبدو أن افكارهم هي أن يكون الجنوب مستقلاً عن الدولة السودانية دون أن يكون منفصلاً عنها.. حتى ينعموا بامتيازات اقليم مستقل ودولة في جغرافيتها الاقليم. لكن ما هو مفهوم ومعنى الانفصال عند أتيم قرنق؟! وقد مر الجنوب بثلاثة أشكال من الانفصالات.. انفصال وفق سياسات الاحتلال البريطاني بقوانين المناطق المقفولة، وانفصال غير معلن لمدة ستة أعوام ونصف من 2005م إلى 2011م.. وانفصال باستفتاء تحصيل الحاصل للتمتع بعضوية الأمم المتحدة التي ما أفادت الآن الجنوب في شيء. فقد انهار رغم هذه العضوية واتهم «أتيم» «الترابي».