مقالات متنوعة

لينا يعقوب :بس (النظام العام )

في مثل هذا التوقيت قبل عام، سألتني مذيعة بإذاعة (بي بي سي) في القاهرة عبر اتصال هاتفي: “ماذا تقولين في هذا اليوم للمرأة السودانية خاصة التي تعاني الاضطهاد؟”.. ارتبكت وصمت لبرهة فلم أكن أتوقع السؤال على هذا النمط إنما بصورة أكثر تحديدا.. لذا تحدثت بصورة فضفاضة عن يوم المرأة العالمي، وبصورة محددة عن شعوري تجاهه..
ويبدو أن المذيعة استنبطت من حديثي أنه لا تمييز بين المرأة والرجل في السودان، فقلت لها إن القانون كفل للمرأة حقوقها وهو مطبق بنسبة كبيرة وإن التمييز في إتاحة الفرص للوظائف أو نسبة تمثيلها في الدوائر السياسية (برلمان ومجلس تشريعي) تتشابه مع دول عديدة، كما أن المرأة السودانية لا تعاني من اضطهاد وظلم إلا في أمرين.
وقبل الحديث عنهما.. كنت أستغرب محاولة النساء إثبات حق المرأة في أشياء لم ينتزعها منهم أحد.. فقبل أشهر أجريت حوارا مع محاسن التازي، المرأة التي قررت الترشح لرئاسة الجمهورية، وكانت أول ضابط شرطة.. المرأة لم تكن استعدت للدخول في السباق الانتخابي بشكل كاف، ولم تضع برنامجا معينا لتجذب الناس إليه، إنما أرادت الترشح لتثبت حق المرأة في الترشح لرئاسة الجمهورية وأنها أهل لذلك..
لم ينازع أحد المرأة في أن تنال هذا الحق، ولكن ثقافة الناس وميولهم تضع الأفضلية للرجل بأن يكون رئيسا..
عدد من المنظمات تحمل لواء “نبذ العنف ضد المرأة”، غير أن هذا العنف ليس منهجا متبعا إنما يدخل ضمن الجرائم الفردية، وكذلك “القهر” الذي يقال إنه ممارس ضد النساء، ليس ظاهرة عامة، إنما يعد قهرا فرديا مورس على مجموعة من النساء والناشطات في أوقات مختلفة ولأسباب مختلفة، وثق الإعلام والناس لها.
حقوق المرأة في السودان في رأيي مصانة ومحفوظة إلا من أمرين، قانون النظام العام، الذي يتيح لبعض أفراد الشرطة التهجم على فتاة وضربها لأن ملابسها غير شرعية، ولعمري إنه أسوأ أنواع الإذلال والقهر ضد المرأة، ورغم أن هذا السلوك قل مقارنة بالأعوام الماضية، إلا أن ظهور حالة واحدة فقط كافٍ لأن تصنف حالة حقوق الإنسان والمرأة تحديدا في السودان أنها الأسوأ بين الدول..
وهي مناسبة لمناشدة الحكومة التي قننت عددا من البنود الدستورية، أن تعدل قانون النظام العام المسيء والمهين لكرامة المرأة، حتى نتمكن من قول “حقوق المرأة في السودان مصانة”.
أما الأمر الآخر، فهو إفتاء بعض علماء الدين في أشياء تتعارض مع الدستور والقانون الخاص بالمرأة، كالفتوى التي أصدرتها هيئة علماء السودان بعدم جواز تولي المرأة رئاسة الجمهورية..
حينما تصدر فتاوى من جهة رسمية معتمدة كهيئة علماء السودان وليس من أحد الأئمة والمشايخ، وتخالف الفتوى حق المرأة، ففي الأمر انتقاص لها، لأن الدولة سمحت بذلك!
عدا ذلك، بإمكان الجميع التفرقة بين الانتهاك والعنف الفردي وبين ذاك الممنهج والمقنن والمقصود ضد المرأة.. وكل عام ونساء البلاد بكل خير.