الصادق الرزيقي

الوثبــة والوثــوب… جــوهــر خطــاب البشــير

[JUSTIFY]
الوثبــة والوثــوب… جــوهــر خطــاب البشــير

توفرت بالأمس ولاحت فرصة وفي لحظة تاريخية حاسمة للسودان، أن يلتقي فرقاؤه وأحزابه وكياناته السياسية على كلمة سواء، ويبدأ خطوات في سبيل تعزيز السلام والحوار والوفاق الوطني.
وجاءت كل القيادات الحزبية ذات الوزن والثقل وكل خصماء الساحة السياسية، للاستماع لصوت ومواقف وتفكير المؤتمر الوطني، الذي نجح بامتياز في جمع الصادق المهدي والترابي وغازي وقيادات الامة والاتحاديين والمؤتمر الشعبي وبعض الأحزاب المعارضة والشخصيات الوطنية والرموز الاجتماعية وقادة الفكر والرأي، فضلاً عن الأحزاب المشاركة مع الحكومة والحركات المسلحة الموقعة على اتفاقيات السلام.
كل أطياف المجتمع السياسية والإجتماعية والفكرية والمهنية، احتشدت بقاعة الصداقة مساء أمس للاستماع لخطاب الرئيس الذي انتظرته جموع الشعب السوداني وتأملت فيه آمالاً عراضاً.
الخطاب في أفكاره العامة كان جيداً في شأن التطلع نحو المستقبل أو الوثوب والوثبة التي تحدث عنها الخطاب بهذه المفردات أكثر من عشرين مرة تقريباً، وغلب عليه توجه نحو البناء والطموح في تحقيق الإجماع وإصلاح السياسة والاقتصاد ومقاتلة الفقر والسعي بين الناس بالحسنى ومعالجة أخطاء الماضي وجمع كلمة السودانيين، وحصر خلافاتهم في حلبة السياسة بالجدال والتنافس الشريف والاحتجاج بالحجج الدامغة.
وحملت هذه الأفكار موجهات عامة صيغت بعناية فائقة وبلغة رفيعة ربما كانت خصماً على الخطاب في منحاه الجماهيري، لكنها تضمنت بلا شك شحنة فكرية وقيماً سياسية إن التزم بها المؤتمر الوطني نفسه ربما وجد مع الآخرين فرصة للخروج بالبلاد من وهدتها والمخاطر التي تواجهها.
لكن هل كان الخطاب موجهاً لأكثر من طرف وجهة؟
نعم.. الخطاب كان موجهاً بالدرجة الأولى للقوى السياسية وقيادتها التي كانت حاضرة بأن الفواصل والحواجز التي تفصل بين الحكومة ومعارضيها يجب أن تزال في إطار تفاهم وطني كبير حول الحد الأدنى والثوابت الوطنية التي لا خلاف حولها.
وتوجه الخطاب لعامة الناس بأنه هناك فرصة واتت لنخب السياسية أن تتفق وتتوافق حول برامج عملية فعالة من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي وبناء علاقات خارجية تقدر فيها مصلحة البلاد العليا وتعاد للشخصية السودانية بريقها وقيمتها، وإذا استطاعت القيادات السياسية أن تقود شعبها وقواعدها إلى حيث الاتفاق والتعاون وتكاتف الأيدي من أجل الوطن، فإن الوثبة التي تحدث عنها الخطاب مراراً وكررها الرئيس بشكل لافت، يمكن أن تتحق لهذا الشعب الذي عانى من الانقسام والتشظي والتفتت والحروب منذ الاستقلال الخروج من مصيدة التخلف التي نصبها له الاستعمار.
المطلوب من مثل هذه الخطابات أن تطرح رؤية في عمومياتها وتترك التفاصيل للبرامج والسياسات، وتستطيع الأحزاب والقوى السياسية المعارضة وغيرها أن تحاور مع أصحاب المبادرة في إطار اللجان المشتركة واللقاءات المعمقة وصولاً إلى الغايات الكبرى التي هدف إليها خطاب الرئيس، وليس المطلوب من الخطاب الرئاسي أن يأتي مفصلاً مفككاً إلى جزئيات صغيرة للغاية، ويكتفي الخطاب من هذه الشاكلة بالإشارات الدالة وترسيخ المبادئ العامة وتقديم الصورة الكلية وتشخيص الحالة.
إذا كان الرئيس قد دعا للسلام والحوار مع جميع القوى السياسية والقوى الاجتماعية والمجتمع المدني والحركات التي تحمل السلاح وجعل الحوار السلمي هو الوسيلة الوحيدة للتعامل بين السودانيين، فإن هذه الدعوة يجب أن يلتقطها الجميع ويعملوا معاً من أجل ترسيخها، إذا توفرت الثقة وبانت دلائل تشير إلى الجدية والحرص على المضي على هذا الطريق.
من واقع الرصد والأحاديث مع القيادات السياسية وخاصة المعارضين بعد الخطاب وقبله، داخل القاعة، فإن الكثيرين رأوا فيه أشياءً جديدة ومقبولة لكنها تحتاج إلى تطبيق عملي واختبار جدي، ولصناعة أجواء للحوار والتفاهم لا بد من اتباع هذا الخطاب بخطوات عملية في مجال الحريات العامة ومعالجة اختلالات الثقة بين كل الأطراف السياسية وبدء معالجة عملية وفورية لمعالجة الاقتصاد والضائقة المعيشية.. وتحقيق السلام ونبذ السلاح وجلب السلام بأي ثمن كان.
نجح المؤتمر أمس في جمع القوى السياسية أو بالأصح أن هذه الأحزاب لبت الدعوة وحضرت، وقدم لها كتابه لتقرأه .. فكيف تكون الاستجابة؟ فهذه مسألة ستكشف عنها الأيام القادمة.
أما لماذ كان سقف التوقعات قبل الخطاب عالياً إلى درجة أن الكثيرين انتظروا غير الذي سمعوا فتلك قضية أخرى!!
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة