حـــول خـــطـــاب الــرئيــس
من جملة المعاني التي صاحبت خطاب الرئيس أول من أمس قبل الغوص في ما ورد فيه، تلك الخاصية التي تميز بها المجتمع السياسي السوداني عن غيره، فهو يلتئم ويتلاحم في ساعة المحك والواجب مهما كان الخلاف تقاصر أم طال.. وقد تحقق ذلك في وجود القيادات الحزبية المعارضة التي حرصت على حضور اللقاء والاستماع لخطاب الرئيس، وهي تعلم مضامينه من قبل، فقد سبقت الخطاب اتصالات ولقاءات تمت في السر والعلن جعلت من معرفة ما يتضمنه خطاب الرئيس أمراً مقضياً وتحصيل حاصل.
والشاهد أن هناك تفاهمات تمت مع القوى السياسية المعارضة والمشاركة في الحكم، على جملة المحاور التي يمكن أن يبنى عليها التوافق الوطني بين كل غرماء الساحة السياسية، وكانت الأحزاب تعلم قبل غيرها ما هو المطلوب في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ البلاد، وما المرجو من الحكومة وما المتوجب فعله من جانب المعارضة.
وحدد الخطاب بالفعل المحاور الرئيسة للمرحلة المقبلة، وهي محاور لا خلاف حول مضمونها ومقصدها، ولا شك سيكون هناك اختلاف في وجهات النظر في كيفية تطبيقاتها وإنزالها على الأرض.
وحوى الخطاب أفكاراً عامة تمثل الإطار الصحيح لأي تفاهم يمكن أن يحدث بين المكونات السياسية، وتركت التفاصيل للحوارات التي ستجري بين هذه المكونات، وكان على الرئيس تقديم هذه التوطئة والتهيئة ذات الموجهات الفضفاضة، ومن ثم إفساح المجال للجان المشتركة لتعمل على بلورة هذا الموجهات والأفكار في برامج وسياسات والاتفاق على إجراءات عملية لجعلها ممكنة.
إذا كانت هناك رغبة حقيقية لدى الطرف الذي طرح هذه الأفكار والتوجهات وهو المؤتمر الوطني، فعلى الجميع ألا يترك هذه الفرصة تضيع والسانحة تتسرب من بين الأيادي.
فالدعوة التي أطلقها الرئيس بشأن الحريات العامة وإشراك الجميع في الهم الوطني وبناء الدولة السودانية وتحقيق السلام والحوار تتطلب جدية وخطوات عملية من جانب الحكومة، لكنها في نفس الوقت تستلزم تجاوباً من الأطراف الأخرى لتشجيع الحزب الحاكم وحكومته للإيفاء بها ومساعدته على اجتياز المسافات التي تجعل الجميع في ساحة العمل الوطني سواسية وشركاءً.
وإن فهم الناس شيئاً واحداً، فهو الرغبة الملحة في إحداث تحول وإصلاح للشأن العام وفلاحة الأرض لبذر بذرة جديدة في العمل الوطني وتنقية السياسة من أدران الماضي وحفز السودانيين على إدارة شؤونهم بروح فاعلة وعزم قوي وعلى أرضية صلدة وقوية من التجانس والاتفاق على أن القضايا التي حاول الخطاب معالجتها هي أس المشكل المعقد.
لقد حاول خطاب الرئيس ألا يتعمق في تفصيل الوضع في البلاد، خاصة الجانب الأمني والعسكري والاقتصادي والاجتماعي، التي يتشكل منها الوضع الراهن في البلاد، وهي سبب العقبات التي أعاقت تقدم السودان وشلت حركته، وهذا الوضع معلوم بدقة لكل سوداني، وكون خطاب الرئيس ترك الخوض فيه بكل ما يحمله هذا الوضع من بثور ودمامل، يعني ذلك أن التقييم والتعريف والتشخيص يشمله العلم العام لكل سوداني، وينبغي جمع الإرادة الوطنية لمواجهته ووضع الحلول المتاحة والمتيسرة.
لذلك تجد القوى السياسية جميعها حاكمة ومعارضة نفسها أمام ظرف شديد الدقة، وعليها اغتنام سانحته في صناعة حوار عميق وعملي للوصول إلى حلول تنهي الحلقة الجهنمية في السياسة وتعيد للإنسان السوداني ثقته في قدراته واقتصاده، وللشخصية السودانية جوهر حركتها وأصالتها.
ومعروف في عالم السياسة والحكم، أن العلاقات السياسية وإدارة الشأن العام تتم عن طريقين أو دستورين إن جاز المعنى، دستور منصوص ومكتوب على الورق موثق ويستند إليه حبراً على صحائف، ودستور آخر يمثل جماع التعامل العرفي الموروث والمتفق عليه، وكانت هناك صيغ تتقارب من هذا المعنى في ما حدث أول أمس في ليلة خطاب الرئيس أول من أمس، وهناك وثيقة مكتوبة تعبر عن معانٍ جليلة في كيفية إصلاح تطوير العمل في الدولة وداخل حزب المؤتمر الوطني بوصفه حزباً حاكماً، قدمها رئيس المؤتمر الوطني ورئيس الجمهورية، وكانت هناك أيضاً وشيجة غير مرئية تربط بين هذه الوثيقة والتفاهمات التي تمت بين الحزب الحاكم والأحزاب التي حرصت على الحضور والمشاركة في هذه الائتمار الوطني الكبير.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة