السودان.. دولة مثيرة للقلق!!
بعثت إلينا السفارة البريطانية عبر البريد الإلكتروني بالتقرير السنوي لوزارة الخارجية البريطانية.. التقرير وضع السودان في قائمة (دول مثيرة للقلق).. وهو تعبير سياسي جديد لم أفهم معنى عبارة (مثيرة للقلق) إلا بعد اطّلاعي على النسخة المكتوبة باللغة الإنجليزية وهي (Country of Concern).
في تقديري أن الترجمة التي تفضلت بها وزارة الخارجية البريطانية فيها خطأ كبير.. فعبارة (مثيرة للقلق) لا تقابلها (Country of Concern).. الأصح (دولة مثيرة للاهتمام).. وهي- بالطبع- أقل حدة وتوتراً من العبارة التي ترجمها التقرير باللغة العربية.
عبارة (مثيرة للقلق) تدخل السودان في زمرة دول تعاني من أوضاع كارثية على رأسها سوريا مثلاً.. وهي الدول التي باتت على شفا جرف هار.. وتمزقت عملياً، وتحولت إلى مسرح عمليات عسكرية دولية (مثير لقلق) الإقليم والعالم أجمع..
لكن عبارة (مثيرة للاهتمام) تعني أنها دولة موضع اهتمام العالم لمطلوبات دولية تحظى باهتمام العالم، وتهتم المنظمات، والدول، بمتابعتها، وقراءة مؤشراتها السالبة، والموجبة معاً..
وعلى رأس هذه المؤشرات- بالطبع- حقوق الإنسان.. وهي- بالطبع- القضايا التي ركَّز عليها تقرير وزارة الخارجية البريطانية، ورصد حالات بعينها، منها ما يتعلق بالحريات الشخصية (حسب التقرير)، والتي وضع لها مثالاً قضية السيد مريم إبراهيم الشهيرة.. وقضايا اعتقالات طالت سياسيين، وتضييق على الحريات الصحفية، وغيرها، في مجملها قائمة تقليدية، ظلت محور اهتمام عالمي، وأودت بالسودان إلى قائمة الدول التي وضعت تحت المراقبة الأممية من اللجنة الدولية لحقوق الإنسان.
التقرير البريطاني قال: إن الحكومة السودانية (هي المرتكب الأساس لهذه الانتهاكات).. ووصف الحكومة بأنها غير راغبة في الإصلاح، وأن تلك هي العقبة الكوؤد أمام إصلاح الأحوال في السودان..
طبعاً كما هو متوقع.. سارعت حكومة السودان برفع صوتها معترضة على التقرير.. وهو رد فعل عادي تتولاه وزارة الخارجية دون حاجة حتى إلى مجرد إضاعة الوقت في دراسة التقرير.. لأن الحكومة تعلم أن التقرير لا يضيف إلى أعباء السودان الدولية.. على مبدأ (أنا الغريق.. فما خوفي من البلل؟).
لكن الواقع أن شعب السودان يدفع فاتورة مثل هذه التقارير الدولية.. التي تؤكد ما ظللنا نردده أن سياساتنا الخارجية هي ضحية سياساتنا الداخلية.. وأن أقصر طريق لإصلاح صورتنا الخارجية، هو إصلاح مسلكنا الداخلي.. فهذه التقارير الدولية تقتات ممّا نزرع في الداخل.. كثيراً ما تتورط الحكومة في إجراءات، أو سياسيات، أو حتى تصريحات تحسبها (داخلية) يجب أن لا يسمع بها العالم.. فإذا بها تتحول إلى محاضر وتقارير وقرارات تمسك بتلابيب الوطن، وتعرضه إلى عقوبات معلنة، وغير معلنة..
الأجدر أن تستفيد الدولة من مثل هذه التقارير الدولية، وتنظر بعين الاعتبار إلى موطن الخلل- هنا- في الداخل.. مفردات حقوق الإنسان في العالم لم تعد في كنف الحكومات، ولا في طائلة (الشأن الداخلي).. هي قضية دولية صارخة..