عثمان ميرغني

(قال جالك الفرج..)!!


قبل سنوات في التسعينيات ابتدعت الحكومة موجة حملات على إدارات الجهاز التنفيذي.. وابتكرت أسلوب (الزيارة المفاجئة)، التي يقوم بها وزير شؤون رئاسة مجلس الوزراء.
وكنا نشاهد في التلفزيون في نشرة الساعة التاسعة مساء (قبل البكور) وزير الرئاسة وهو يتجول في بعض الإدارات الحكومية.. وصوت المذيع يشرح لنا كيف أن الزيارة (المفاجئة) كشفت القصور في الأداء.. وفضحت الموظفين النائمين في مكاتبهم.. وعلى الشاشة نشاهد الوزير، وحوله كوكبة من المرافقين، الذين جاءوا معه من مجلس الوزراء.. وكوكبة أخرى من أفراد الحراسة، والتأمين- وطبعاً- خلف الكواليس لا يظهرون أمام الكاميرا طاقم التلفزيون الذي قد لا يقل عددهم عن عشرة.. كل هؤلاء هم في كتيبة (الزيارة المفاجئة).
والعهدة على الراوي.. قيل إن الوزير في إحدى زياراته (المفاجئة) إلى إحدى الوحدات الحكومية وجد لافتة ترحيب كبيرة في بوابة الإدارة الحكومية مكتوباً عليها (نرحب بالسيد الوزير في الزيارة المفاجئة).. ولم تكتفِ الوحدة الحكومية بهذا الترحيب الحار.. بل أعدت (صيواناً) احتفالياً، ألقى فيه المدير العام كلمة حماسية، أثنى فيها على فكرة (الزيارة المفاجئة)، وقال: إنها حققت نجاحاً كبيراً، ورفعت من مناسيب الأداء.. وقال: إنهم ظلوا يستعدون لـ (الزيارة المفاجئة) منذ شهر كامل؛ لتخرج في ثوب قشيب، يليق بالوزير، والوفد المرافق له..
على كل حال.. لم تكتف الحكومة- حينها- بـ (الزيارة المفاجئة)، بل ولبث مزيد من العافية في جسد الخدمة المدنية اخترعت (الصالح العام)، وطردت وشردت الآلاف من الموظفين (المحظوظين).. وانتهت تلك الحقبة بعد أن سطرت في تأريخ السودان أسوأ عهود التنكيل بالخدمة المدنية.. إلى أن جاء عهد الوزيرة إشراقة.. وزيرة العمل التي فطنت للخراب الماحق، الذي حلَّ بالخدمة المدنية.. فقررت (تثويرها) ببعض الإجراءات المستحدثة.. ومنها- على سبيل المثال لا الحصر- (حصة الفطور)..
لا أدري هل معنى ذلك أن شهر رمضان المعظم.. حيث لا فطور نهاراً في وقت العمل.. تحل فيه المشكلة تماماً، وترتفع مناسيب الأداء؟.
أمس في هيئة المستشارين بمجلس الوزراء ناقشت لجنة تمهيدية هذه المشكلة.. مشكلة السلوك الوظيفي للعاملين.. في محاولة للبحث عن صيغة تشخص العلة في الأداء العام.. لوضع الروشتة المناسبة للعلاج.
لكن من فرط هول المشكلة يبدو أن البحث عن (رأس الخيط) المفضي إلى الحل هو- في حد ذاته- مشكلة.. ما هو الأسلوب الأمثل لإصلاح الخدمة العامة في السودان.. والخدمة العامة نقصد بها القطاعين العام والخاص في الجزء المتعلق بخدمة الجمهور؟.

التعويل على المواعظ أو القسم المغلظ في بعض الوظائف لم يثبت جدواه.. فمنصب الوزير- نفسه- لا يشغله إلا من يؤدي القسم أمام السيد رئيس الجمهورية ومولانا رئيس القضاء.. اسألوا الوزراء هل يتذكرون صيغة القسم نفسها؟!.
هل يشفع القسم في تجويد الأداء؟.