مـــا المُـــراد بالحكـــومـــة الــقــومـــيــة؟!
تحاول بعض القوى السياسية خاصة اليساريين بكل صنوفهم وألوانهم وبقدر ما حزب الأمة القومي، إفساد روح التوافق السياسي الذي لاح بعد ابتدار السيد رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني أولى الخطوات عبر خطابه التمهيدي لوثيقة الإصلاح، وتحاول هذه الأحزاب طرح رؤية عسيرة القبول حول ما تسميه الحكومة القومية بوصفها شرطاً لازماً للتصالح السياسي وتحقيق نوع من الوفاق الوطني.
وبالطبع يرفض المؤتمر الوطني فكرة الحكومة القومية وفق التعريف والتوصيف الذي تطرحه بعض أحزاب المعارضة، وليس بوصفها فكرة في ذاتها، ويرى أن المقصود ليس قومية الحكومة وتعبيرها عن كل أهل السودان وأطيافهم الفكرية والسياسية والمناطقية، إنما هي حكومة لا تعترف بالواقع الراهن.
طرح الحكومة القومية يعني في كل الأحوال إحداث انقلاب أبيض، يقيم حكومة جديدة تتناصف فيها الأحزاب المعارضة السلطة مع المؤتمر الوطني وفق محاصصات متساوية على الأقل ويعاد توزيع كل الحقائب الوزارية ومؤسسات الدولة خاصة النظامية منها والمؤسسات المالية وكل مواقع صناعة القرار، وتوضع برامج وسياسات لهذه الحكومة القومية تشتمل على الحد الأدنى من الاتفاق يقفز على ما هو موجود.
ويرفض المؤتمر الوطني هذه الرؤية المتحيزة وغير الأمينة للحكومة القومية التي تعني عنده تفكيك الدولة القائمة الآن والإتيان بصيغة جديدة تجعله يفقد السلطة تماماً، وتضيع كل كسوبه خلال ربع قرن من الزمان سدى!!
إذا كانت الأحزاب المعارضة تريد مثل هذا الطرح فمن الطبيعي أن يرفضه المؤتمر الوطني ولا يقبل به، فهو عملياً الحزب الممسك بالسلطة الآن، وظل يدير الدولة عقدين ونصف العقد، فلن يرضى بأن تنزع منه سلطته ويجرد منها إلا عبر الانتخاب الحر المباشر واختيار الشعب الطوعي.
ما بين الرؤيتين للحكومة القومية من جانبي المعارضة والمؤتمر الوطني، تبدو الحالة السياسية الراهنة أشبه بمضمار سباق طويل تعدو فيه أطراف اللعبة بقوة للوصول إلى النهاية التي يريدون، وليس ثمة اتفاق ممكن حول هذه الصيغة التي تعيد خلط كل الأوراق من جديد ورفع أحزاب لا ترى بالعين المجردة وأخرى تمتلك كل شيء، وهي مثل المساواة في لعبة الملاكمة بين اللاعب من الوزن الثقيل والآخر من وزن الذبابة أو الريشة.
إن الطرح المقبول لكل الأطراف هو التوافق على برنامج ومشروع وطني يحافظ على الثوابت الوطنية والتوجه الحضاري للأمة والحكم الاتحادي وعدالة قسمة السلطة والثروة والتداول السلمي للسلطة، ويحقق الحريات العامة، ويصون كرامة السودانيين، وتحسين علاقاتهم مع جوارهم وأشقائهم وأصدقائهم، ويقدم حلولاً ناجعة في معالجة الأوضاع الاقتصادية من أجل الرفاه الاجتماعي وزيادة الإنتاج.
على السياسيين التحلي بالواقعية في تعاطيهم مع قضايا البلاد الكبرى، وهي لا تحتمل المزايدات والمراوغات الكثيرة، فهناك تحديات حقيقية تواجه البلاد وأهل الحكم تلزم الجميع بالجلوس معاً لإنجازها إلى حين قيام الانتخابات في العام المقبل.
فالحاجة لحكومة قومية تدير الانتخابات القادمة وتتولى الحكم خلال الفترة المقبلة إلى حين الاستحقاقات الانتخابية.. حديث غير مجدٍ وغير فعَّال، فالانتخابات يحكمها قانون، وتوجد مفوضية قومية للانتخابات وهي هيئة مستقلة يمكن أن تساهم كل الأحزاب في مشاورات اختيارها وتكوينها، ولا تتدخل السلطة التنفيذية في عملية إجراء الانتخابات، فإن كانت الأحزاب المعارضة جادة فعليها الحديث حول قانون الانتخابات والدستور والحريات العامة وحرية العمل السياسي وحرية التعبير والصحافة وغيرها، وأن تتفرغ وتستعد للانتخابات من الآن في تنافس حقيقي حتى تنزع السلطة من غريمها المؤتمر الوطني.
ومن حق هذه الأحزاب أن تتحالف وتتحد في تكتل انتخابي واحد أو تتخذ من العمل الجبهوي السياسي وسيلةً من وسائلها لدخول الانتخابات وانتزاع السلطة سلمياً عبر صناديق الاقتراع.
فالخلاف حول الحكومة القومية واشتراطها بوصفه سبيلاً وحيداً للحوار الوطني وقبول الدخول في آليات الوفاق التي دعا لها رئيس الجمهورية في خطابه الأخير، سيكون هو السبب في إفساد كل المساعي الحثيثة لتجسير الهوة بين الفرقاء وردم الفجوات التي منعت أحزابنا من التعاون البناء والخلاق من أجل المصالح العليا للبلاد .
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة