منوعات

قصة خجل امرأة انتهت باختراع أول سماعة طبية في التاريخ: «ما كل اللي اختشوا ماتوا»

«الحاجة أم الاختراع».. قديما كان مثـالا ملهما، دفع علماء البشرية لتقديم أفضل ما عندهم لتلبية طلبات واحتياجات مجتمعاتهم والعالم أجمع، فكم من اختراعات جاءت لتسد فراغات احتياجات الفرد، وتجعله نهم للمزيد منها للتحول من سد الاحتياج إلى الرفاهية، ومن هنا جاء اختراع السماعة الطبية في القرن التاسع عشر، بعدما وجد الطبيب الفرنسي، رينيه اينك، صعوبة في فحص فتاة شابة لبدانتها، بعدما رفضت السماح له بوضع أذنه على صدرها كما جرت العادة في ذلك الحين، لتنفي صحة المثل الشعبي «اللي اختشوا ماتوا»، وتوضح بشكل أو بآخر أن «مش كل اللي اختشوا ماتوا».

وفي عام 1816، وأثناء عمله في مستشفى «أوبيتال نيكر» بفرنسا، اخترع الطبيب الفرنسي، رينيه تيوفيل- هياسنتي اينك، السماعة الطبية، وكان صاحب الريادة في استخدام هذا الاختراع في تشخيص أمراض الصدر المختلفة.

فكرة اختراع السماعة الطبية

يحكي الطبيب «اينك» قصة اختراعه للسماعة الطبية في أطروحته الكلاسيكية De l’Auscultation Médiate، التي نشرت في أغسطس 1819، قائلا إن «في عام 1816، تم استدعائي لولادة فتاة شابة مريضة بالقلب، لكن لكونها فتاة سمينة، لم أستطع تحسس النبض بالطريقة العادية بالتحسس باليد أو وضع أذني على صدر المريضة، وكانت طريقة ااستعمال اليد عديمة الجدوى مع البدناء، والطريقة الأخرى المتوفرة هي السماع المباشر لدقات القلب، وحينما حاولت فحصها أبت الفتاة أن تسمح لي بوضع أذنه على صدرها كما جرت العادة في ذلك الحين»، وفقا لموقع NCBI «المكتبة الوطنية الأمريكية للطب».

ويضيف «اينك»، وفقا للموقع: «ما حدث أنني تذكرت في الحال بعض المعلومات البسيطة والمعروفة في مجال الصوتيات، وهي أنه من المعروف أن الصوت ينتقل بوضوح من طرف خشب يحك بدبوس إلى الطرف الآخر الموجود عند أذننا».

ويتابع «اينك»: «وفي الحال، ومن هذه المعلومة طويت ورقة على شكل أسطوانة، ووضعت طرفها على القلب والآخر في أذني، وكانت المفاجئة أنني استطعت سماع دقات القلب بوضوح أكبر مما لو كنت استمع مباشرة».

وقال «اينك»: «اكتشف أن هذه السماعة الجديدة كانت متفوقة على الطريقة المستخدمة عادة بوضع الأذن على صدر المريض، خاصة إذا كان يعاني من زيادة الوزن أو البدانة، أيضا تجنب هذه السماعة الحرج من وضع الأذن على صدر المرأة»، وفقا لموقع NCBI.

وأوضح «اينك»، وفقا للموقع نفسه، أن هذه السماعة رفعت الحرج بين الطبيب و المريض، وجعلت الفحص أدق وأوضح، ما يساعد الطبيب على إجراء تشخيص سليم، ما سيترتب عنه إعطاء دواء مناسب للحالة.

ويقال إن «اينك» كان يشاهد الأطفال يلعبون بعصي جوفاء طويلة في الأيام السابقة لاختراعه، وكان هؤلاء الأطفال يضعون آذانهم على أحد طرفي العصا بينما الطرف الآخر كان يـُخدش بمسمار، فتعمل العصا على نقل وتكبير صوت الخدش، وفقا لموقع «ساينس ميوزيم» البريطاني.

ومهارة «اينك» كعازف لآلة الفلوت ربما تكون قد ألهمته، وفقا للموقع نفسه، حيث صمم أول سماعة طبية كأسطوانة خشبية مجوفة بطول 25 سم وقطر 2.5 سم، ثم طورها لاحقا لتتكون من 3 أجزاء يمكن فصلهم، هم القمع المغلف، الخرطوم وقطعة الأذنين، ليسمع بها دقات القلب بوضوح وصوت النفس داخل الرئة وبالفعل كان هذا الاختراع مُجدي بالنسبة له .

العالم يتجاهل السماعة الطبية

وفي فبراير 1818، قدم «اينك» اختراعه في حديث لأكاديمية الطب، وقدم اختراعه للعالم في عام 1819، وفقا لـ«ساينس ميوزيم».

ورغم عظمة هذا الاختراع، جاءت ردة فعل الأطباء وقتها مخيبة للآمال، لدرجة أن مجلة «نيو إنجلاند» الطبية الشهيرة عالميا،New England Journal of Medicine، لم تذكر هذا الخبر إلا بعد عامين من تقديمه للعالم، أي في عام 1821، وفقا لـ«ساينس ميوزيم».

وما جعل «اينك» يشعر باليأس الشديد وخيبة الأمل الذي أصيب بها، إلى جانب عدم اهتمام أي جهة باختراعه، هو مهاجمة أحد أساتذة الطب في أواخر عام 1885، لاختراع السماعة الطبية، قائلا إن «هذا الاختراع لا جدوى له، لأن آذاننا تغني عنها»، مضيفا: «إن كانت لديك آذان للاستماع فاسمع بهما ودع عنك السماعة»، كما أن مؤسس جمعية القلب الأمريكية الدكتور كونور (1866 – 1950) كان يحمل معه طوال فترة حياته المهنية وحتى وفاته، قطعة من الحرير يضعها على صدر المريض ويستخدم أذنه مباشرة لسماع دقات القلب بطريقة مباشرة، فشعر «اينك» بإحباط شديد، وفقا لـ«ساينس ميوزيم».

اكتشف الدكتور «اينك» السماعة قبل وفاته بسنوات قليلة، وفقا لموقع NCBI، وكانت وقتها يطلق عليها «الأسطوانة»، نظرا لأنها كانت على الشكل الأسطواني، ورغم أنها لم تنل اهتمام أي من أساتذة الطب أو الصحف أو المجلات العلمية أو أي جهة ما، كانت بالنسبة له اختراع ذو قيمه كبيرة، بل هو إنجاز عظيم وله فوائد عظيمة، وقبل وفاته في عام 1826 قرر أن يورثها لابن أخيه، واصفا إياها أنها «أعظم إرث في حياتي».

تطور السماعة الخشبية البدائية

وذكر موقع «نيو أدفينت» الأمريكي، أن النماذج الأولى للسماعة الطبية صنعت من الخشب، وبشكل عام، لم يحدث أي تطور في السماعة التي اخترعها «اينك»، وظلت بهذا الشكل القديم دون أي تعديل أو ابتكار لتطويرها، حتى جاء عام 1830، وبدأت تعديلات للنماذج بالظهور عبر الطبيب الفرنسي، بيير بيوري، الذي أضاف جزءا من العاج لقطعة الأذن، وفي الوقت نفسه تقريبا، تم تبديل الخرطوم الخشبي بآخر أكثر ليونة، يصل القمع المغلف بقطعة الأذن، إلا أن الجهاز الخشبي ظل منتشرا لعدة عقود.

وبحلول عام 1900، كانت كل المخاوف قد اختفت تماما، وأصبحت سماعة الطبيب شيء يعتمد عليه معظم الأطباء في العالم، وفقا للموقع نفسه.

وفي عام 1951، جاء العالم الأيرلندي، آرثر ليرد، وطور سماعة الطبيب وجعلها سماعة ثنائية الأذن، وتم إنتاجها بشكل تجاري عام 1952، وسوقها الطبيب الأمريكي، جورج كمان، كما كتب «كمان» أطروحة رئيسية في التشخيص عن طريق السمع، وفي هذا الوقت كان لابد أن يدرس كل طبيب كيفية استماع الأصوات من الصدر وتشخيصها، وفقا لموقع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».

وفي بداية الأمر، عندما طور «ليرد» سماعة الطبيب، ظهر أن الخرطوم المعد من المطاط لم يكن على قدر كاف من المتانة، لذا توقف تصنيعه، وتم استبداله بالمعادن، كذلك كان يوجد بعض القلق من سماعة الطبيب ثنائية الأذن، بسبب الخوف من تكرار الصوت مرتين، وكان القلق أن هذا التكرار يُحدث مشكلة في التشخيص، لكن بعد فترة من الزمن اختفى هذا القلق بشكل كبير، وفقا لـ«بي بي سي».

وفي الأربعينات، طورت الشركة الأمريكية «رابابورت سبراغ» للمنتجات الطبية، الجهاز ذا القمع المزدوج، إذ جعل جانبا واحدا فقط منهما المغلف، وفي عام 1961، طور الطبيب الأمريكي، ديفيد ليتمان، الجهاز وجعله مزودا بقمع قابل للتغيير، وهي الصورة المنتشرة للجهاز في أيامنا، وما زالت السماعة الطبية التي تحمل اسم «ليتمان» أشهر وأغلى وأفضل سماعة طبية في العالم، وفقا لـ«بي بي سي».

المصري اليوم