(فلانة) بت جيرانا.!
(بت الجيران)-في سنوات مضت- كانت إحدى الشخصيات المجتمعية المؤثرة للغاية في التكوين العاطفي الاول للشباب، فمن منا لم يقع في حبائل تلك الفتاة (ذات الخمار المسدل على رأسها).؟..ومن منا لم يساهر الليالي لكتابة (جواب) لها بأصابع مرتجفة تحت ضوء (لمبة فاقعة الصفار)..؟…قبل أن يجلس ويفكر لساعات طويلة في كيفية إيصال ذلك (الجواب) وسط تلك الحراسة المشددة التي تخضع لها من قبل اشقائها ومن قبل اولاد الحلة، وحتى تلك الرقابة (غير المباشرة) من (سيد الدكان).
و(بت الجيران) في ذلك الزمان، لم تكن محض فتاة جميلة تراقبها اعين (اولاد الحلة)، بل كانت (قيمة ذاتية) بالنسبة لهم، فكان (حلالاً) على (ود الحلة) أن يبدي إعجابه بها، بينما كانت (الحرمات) تطارد اي (ود حلة آخر) يبدي ذات الإعجاب، وربما يصل الامر الى (العراك بالايدي) حال اصراره على موقفه وتمسكه بإعجابه (المرفوض).
والإعجاب بـ(بت الجيران) نفسه كانت له في ذلك الزمان (اصول)، فكان (ود الجيران) الاقرب لها-جغرافياً- هو الاحق بملاحقتها، وكان (اولاد الحلة) يقومون مقام (الساتر) لتلك المحاولات الغرامية حتى تكلل بالنجاح، فيما لم يكن الامر يخلو من بعض (المكايدات) من الاشقياء منهم، تلك (المكايدات) التي كانت تدور في فلك (تهديد صبياني) وحيد آنذاك وهو: (لو ماعملت لي الحاجة دي انا بكلم).!
لن انسى ما حييت تلك الايام الجميلة والتى كانت (بت الجيران) فيها تمثل لنا-نحن اولاد الحلة- (مارلين مونرو)، ولن انسى كذلك تلك (الشفقة) التي كانت تنتابنا في الاعياد للوصول لمنزلها ومصافحتها امام اهلها-بكل قوة عين- بينما نقابل بسخط وغضب كبير من اقربائنا في الحي والذين كنا نتجاوز منازلهم ببساطة شديدة في سبيل الوصول اولاً لمنزل (فلانة) بت جيرانا لنبارك لها العيد.
اليوم تغيرت المشاهد، فلم تعد (بت الجيران) تمثل تلك الشخصية المجتمعية القديمة، وصار من القليل جداً، بل ومن النادر أن تصادف مثل تلك المشاهد القديمة، بل وصار بالامكان أن تتغزل في (بت جيرانكم) امام رهط من اهل الحي دون أن تجد من يقول لك (بغم)، ليس لأنهم (غير حمشين)، ولكن لأن المجتمع بأسره بات يتعامل من مبدأ: (ونحنا مالنا).!
جدعة:
الاغنية السودانية في فترة ما، فطنت الى تلك الشخصية المجتمعية (المؤثرة)، فأنتج الشعراء والفنانون العديد من الاغنيات التي تتغزل في (بت الجيران)، وفي مقدمتها (جاري وانا جارو)، و(غزال الحي)، و(احلى جارة)، اما الآن فلم يعد بالامكان استعادة ما كان، حتى في الاغنيات والالحان.
شربكة أخيرة:
جاري وانا جارو…بتمنالو الجنة…واتعذب بنارو.