البيـان الأول للحرب العالمية الثانية
عندما خرج العالم من الحرب العالمية الثانية وجلس الغرب الرأسمالي يدخن سيجارة وفي وسطه استالين يحتسي الفودكا التي جلبت لمزاجه خصيصاً قررا أن تكون الكيكة على قسمين أفريقيا والعالم العربي والاسلامي منطقة محررة للغرب يفعل فيها ما يشاء والجمهوريات الاسلامية للاتحاد السوفيتي وما سقط من جمهوريات بلشفية في أوربا.
ودار الزمان وبعد أزمة خليج الخنازير وسحب روسيا لصواريخها ودخول الجميع في الحرب الباردة وبعض الاحتكاكات على مناطق النفوذ الضئيلة التأثير بدأ الجميع يكتشفون أن الاشتراكية المادية هي وجه العملة الآخر للرأسمالية.
حينها أتفقت أمريكا مع أوربا لارهاق الاتحاد السوفيتي داخل حدوده بالكنيسة والاعلام والصرف البذخي على المشاريع الثورية الحالمة وحرب الفضاء والنجوم واقتناص بعض الأفراد من النجوم ليحكوا لأهاليهم من بعيد عن جنة الغرب والديمقراطية الممكنة المستحيلة.
وكلما أزدادت تقنية الاعلام والاتصال ومهاراته انهارت تقنية الأسلحة والشعارات خاصة وأن السلاح النووي أصبح لا قيمة له حين امتلكه الجميع وتساووا في شرور الردع (والتهويش) به عند الضرورة.
وأصبح في حكم الظن اليقيني عند المعسكر الحر الليبرالي أن أوربا الشرقية عائدة للناتو وأن مسألة ضم روسيا نفسها للمعسكر الغربي مسألة وقت ولذلك فلا فائدة من محاربة (سحابة الرشيد روسيا) فحيث ما هطلت فهي عائدة لصندوق البابا السياسي والكهنوتي إن عاجلاً أم آجلاً بخراجها.
وهم يعلمون أن الخلاف بينهم وبين روسيا خلاف مقدار وليس خلاف نوع مثل حالهم مع العالم الاسلامي فهنا الخلاف خلاف نوع ومقدار ويدور الزمان دورته مع البروسترويكا وأشباحها.
وهاهم كما ترون ضموا كل أوربا الشرقية وينتظرون هبوط بوتين الاضطراري وستلحق روسيا بهم في المحطة القادمة ولأن الغرب ليس مجرد سياسة فقط فالحلم أكبر وأعم وأخطر.. الغرب أسلحة وتدريب وتخزين وجيوش وغذاء ومصانع وإعلام وإنشاءات وفنون وحلم بالامتداد الديني والحضاري وإدارة الدنيا على مساحة الصليب وتوابعه إذاً فلابد من حضارة مخالفة في المنهج ومخالفة في الثقافة ومخالفة في المزاج ليصارعوها.
الصراع أولاً من أجل إتراع غرورهم الحضاري بالانتصار والتسيد واحتلال كرسي القطبية الواحدة والدين التبشيري الأخير.
ثانياً غسل مخاوف إنتصارات المسلمين القديمة عملياً ونفسياً الإجلاء عن بيت المقدس واحتلال القسطنطينية ودك ممالك اسبانيا وإقامة حضارة الأندلس.
وهم لا ينسون أبداً أن المسلمين قد دكوا ودقوا أبواب فرنسا على يد (قتيبة) واخوة قتيبة وجعلوا في المعاصرة الدين الثاني والأكثر انتشاراً رغم الدعاية والدعاوى المنكرة.
وثالثاً فإن الصرف الملياري سنوياً على الأسلحة وحفظها ومصانع البنية الأساسية وتشغيل الملايين من العطالة والمحافظة على ترف الدولة والحضارة لابد لها من عدد مقدر ومبرر من العداء صار ثروة وموقعاً وتأريخاً.
ولكل ذلك إختاروا الرقعة العربية والاسلامية لمنازلتها.. فهم كما زعمنا صادقين يرغبون في تذوق أنخاب الانتصار الملحمي ويرغبون في إبعاد أي شبح للتهديد المستقبلي ولن يتم ذلك إلا بعد أن يدفع العرب والمسلمون تبعات انتصار الغرب وثمن هزيمة أنفسهم في ذات الوقت.
بل أنهم وبالأمر والتكاليف يجب أن يدفعوا ثمن الأوبة للحياة إن أرادوا تحت أقدام القساة.
حتى يقيلوا عثرة التهديم والتحطيم وإزاحة الأنقاض من أجل بناء الذي هدموه ويحتاجون لمائة عام جديدة ويا للأسف تسترخي فيها الأمة الشاهدة خارج التأريخ والإضافة.
إذاً لابد من حرب عالمية ثالثة يمارسها العالم الاسلامي بأيد وأقدام مستيقظة وبعقول مغيبة تماماً وفعلاً بدأت الحرب العالمية الثالثة تماماً بذات الخسائر من البشر والحجر والناس والأرباح والفوائد الاستراتيجية والتاكتيكية التي وضعها المخرج والمدير الفاجر
ولكن بسيناريو مغاير للقديم بتخطيط الغرب وبمشيئة الغرب ولأهدافه وبسلاحه وببرنامجه دون أن يفقد دولاراً واحداً ودون أن يعرض واحد من مشاة الاحتلال للموت المباشر.
نعم نحن الآن في حالة حرب عالمية ثالثة تدور رحاها بذات شراسة الحرب العالمية الأولى والثانية وبذات الخسائر عدة وعتاداً بل أكثر بشاعة ولؤماً.
السيناريو الخفي الظاهر هو إختيار الغرب لأعدائه ليحاربوا أنفسهم بأنفسهم فهذه حرب لا حلفاء فيها ولا محور. ولا ألمانيا ولا إيطاليا واليابان وأخواتها تبع وسواقط.
المسلمون يقاتلون بعضهم البعض ويدفعون الثمن ويدفعون معها الفواتير العاجلة والآجلة ويدفعون أخطر من هذا فاتورة الشرف والعقيدة والحكمة.
باكستان دولة فاشلة تحكمها الانقسامات والصدامات والعصبيات ودهاء البقاء. والخريطة أمامكم حيث تمضي جارتها الهند صوب الثريا وتمضي هي صوب الثرى أو بالأحرى الحضيض.
أفغانستان صممت لتكون خارج التأريخ وداخل المناورة والاحالة الى مربع الاستيداع والفصل من الخدمة بلا معاش ولا مستقبل.
الجمهوريات المسلمة السوفيتية إحتلال وتغريب وإفقار وترصد وترغيب وترهيب بأموال وشعوب مدخرة للاستعانة والايجار والتحقير مع تجميد الانسان والثروات.
أما العالم العربي فكل العواصم العربية التي يمكن أن تحارب من أجل اشراف الأمور أو تداوم على الحضور المتمدن هي الآن أما في حالة تدمير كامل مثل سوريا والعراق وإحتلال بالقوة والضرورة مثل فلسطين أو إحتلال مثل لبنان وإما ما طالته ثالثة الأثافي جسدياً ومعنوياً أو مادياً سوريا والعراق واليمن تماماً.
وهم يعلمون أن أي تفجير كبير أو مدوي أو حتى غضبة مستمرة سوف تزلزل السعودية وكل الخليج العربي.. فهذه دول قائمة على معادلات دقيقة جداً وخطيرة جداً وتحسب سلامتها بمعايير الماس المقدس وأنفاس المسدس.
أما مصر فانها رغم ضخامتها فإن أحلامها على قامة الخبز والغاز والشقق السكنية والجيش الضخم الذي إن لم يحارب عدوه الاستراتيجي فسوف يوجه لمحاربة شعبه أو يحارب نفسه. ولأن مصر لا تملك مشروعاً قومياً ولا استنارة لقيادة دور ريادي فإن كفاءاتها سوف تنكفئ أو تهاجر أو تتمرد حتى التلاشي.
أو تصبح لقمة سهلة للارهاب أو اليأس الحضاري والانكفاء والذعر من القادم.
أما المغرب فهي بعيدة كلما تماسكت أطلقوا عليها وباء الصحراء والتمزيق والتخويف بالديمقراطية الميتة فتستكين.
أما الجزائر فهي تعيش مأساة الثرى الذي ارتضى دور الشحاد وقام بتجويده حد الاعجاز لدرجة استحق عليها نجمة الاوسكار كأعظم مخرج ودور ثانوي.
وتونس اسم ضخم لدولة صغيرة شرها وخيرها عند ريتشارد قلب الأسد مقدور عليه.
أما السودان فقد أعدوا له أبناءه ليقوموا بدور تفجيره وكل قطاع أو قطيع منه يمتلك بين جنبيه حزمة من الأنبياء الكذبة والمرافعات (المضروبة) والأسلحة التي تسدد فواتيرها على قدر الرؤوس المقطوعة والأرض المحروقة. فالسودان عندهم خمسة أقاليم متناثرة لا قيمة لها إن رفعت اعلامها أو اقليم ضخم محتضر مثل جنازة البحر الموعودة أو مبعثر مثل الصومال خارج إهتمام الجغرافيا والتأريخ.
أما ايران المتمرسة في فقه الذرائعيات على طريقة (التقية) الكبرى المنتقلة من السلوك الفردي الى سلوك الدولة فقد رتبت أمرها تماماً في مقصورة المتفرج المستفيد من الحرب العالمية الثالثة وأعدت حتى وريقة مغانمهها.
إتفاقية النووي الايراني التي تم التوقيع عليها برسم الابتسامات النهائية والمغادرة للاتفاق على لون الورق والحبر وتفاصيل الاحتفال.
تمهيداً إطلاق سراح الثروة والنفط والتقنية والتطبيع مع خضوع العراق وسوريا ولبنان واليمن دون المرور بمجلس الأمن أو بمجلس النمل.
فقد وضعت طهران كل الشرق المتاح وشرق السعودية تحت الامرة الحاضرة لا الامام الغائب ووسط الصمت الغربي المريب.
وإعادة أحياء الأسد ونقل عصمة بغداد من مكة المباركة الى النجف وقم الشريف.
وترك فلسطين في جراحها القديمة فالاعلام السوداء بعيدة عن كل أنصار الدولة الأموية التي كانت في ظنهم السند الحقيقي للسنة والجماعة أو كما يزعمون.
ولأن العالم العربي قد افتقد المفكرين عند السنة والشيعة الأوفياء وافتقد الممسكات العقدية التي توجب الوحدة ولعب دور حضاري لمصلحة الإنسانية لا المسلمين وحدهم.. فإن الجميع سوف يدخلون يومياً متاحف التأريخ ليشاهدوا عبر المسرح العبثي الذي لا تدبر بعده إغتيال الإمام في 17 رمضان وتمزيق ابن ملجم وقراءة بلايا الخوارج وقبلها لعب دور وضع المصاحف فوق الأسنة والتمرغ على تراب كربلاء والبصق على وجه الكوفة وابن أبيه.
ومحاكمة عمرو بن العاص ويزيد بن معاوية بأثر رجعي إنها الدولة الحاضرة الشاهدة التي يحرسها فقط السالب من تأريخها.
أمريكا رابحة وراجحة وأوربا راجحة ورابحة واسرائيل في منجى من الحرائق لقرن كامل حسب دراسات الجدوى لأكثر بيوت الخبرة تواضعاً.
والنتيجة المرة الثالثة هي الحلم بأن يعود العرب أعراباً والناطحات خياماً والفارهات نياقاً بلا شهادة بحث أو تأمين أو طريق معبد أو حتى وقود من حسكنيت.
الحلم (الغربي) أن يعود العرب القهقهرى فلا هم يستحقون نعت الأمة الشاهدة ولا منابع الأنبياء ولا مدن الكرامة ولا مواقع المعجزات ولا خطوات الرسل ولا الشواهد والمشاهد ولا بركة مكة ولا القدس ولا الناصرة ولا يثرب.. ولا موسى ولا ابراهيم ولا عيسى ولا محمد ولا الصحابة ولا التابعين ولا تابعي التابعين ولا تابعيهم باحسان الى يوم الدين.
ولأن العقل التآمري الصهيوني الصليبي قد أصبح صافياً ليس فيه من رهق إلا صناعة فيلم وثائقي عن خيباتنا
أو ضبط حواسيب طائرات مقاتلة بلا طيار أو مضاهاة مخزوننا من التوفير الذي لا نستثمره مع مخزوننا من السلاح الذي لا نحارب به.
ساد أعداؤنا حتى أصبحوا هذه الأيام يقضون أوقاتهم في التسلية باستقطاب أذكى أبنائنا وأذكى بناتنا ليقاتلوا في مدن محروقة لا قيمة لها في صناعة النصر ولا الهزيمة حتى إذا ما خربوها جواً قبضوا على الجثث أو بقايا الأحياء ليعدموا مستقبلنا أمام أعيننا باحصاء الوقوف على المقابر والأطلال.
وببصيرة كاملة من اللواعج والقوارع والمشاهدات يمكن أن نقولها بمنتهى الثقة إن الذي يفتي هو الحاخام وأن الذي يجيش هو البطريك وأن المعترك والعراك هي الحرب العالمية الصليبية الثالثة.
وأن المتآمرين الخلص هم التحالف الخفي معهم من السلاطين والنخب والأحزاب الذين تراجعوا من كسب ثقة الشعوب العربية والاسلامية ومكاتبة هولاكو سراً نعم هم المتآمرون الخلص الذين أعيتهم برامج الفكرة والعدالة والمجد والانتصارات والمؤسسات فصاروا سربا من الطواويس يرفلون في رقش الألوان والريش المتلاصف وفي معيتهم ضاع العلم والشباب والايمان وأظلتنا خرقة الدولة القطرية والأوطان السراب والمرتجى البائس والموعود الأعجف
وصدق القائل
وباك على الطاؤوس ألوان ريشه
وعلم الفتى حقاً عليه وبالُ
وللدهر تفريق الأحبة عادة
وللجهل داء في الطباع عضالُ
لقد ساد بالمال المصون معاشرٌ
وأخلاقهم للمخزيات عيال
وبينهم ذل المطامع عزة
وعندهم كسب الحرام حلال
ولنا عودة ولا عودة لهم