أين تسهر هذا المساء
(1)
أكمل الخطاط العبارة على صندوق الحافلة الجديدة ونقش في (حرفنة) اسمه (وهاتفه) لزوم الاتصال لمن يطلب الخدمة وإعلان دائم لمن يشاهد ويركب.. تجمع السواقون حول اسم آخر عربة في الخط وأزاح الخطاط الوريقة بعد أن جف الحبر على خد السيارة فكان الاسم لدهشتهم (الإنقاذ) سألوا صاحبها ولماذا الانقاذ فقال بنصف ابتسامة (عشان ما تنقلب)!!!
السودانيون أصبحوا عباقرة في النكتة يقتلعون منك الابتسامة والدموع الهواتف تكاد أن تروي الصدر والمشاعر.
(2)
الرباطابي يطارد طفله وخرطوش عنيد يتلوى بيده اليمنى ولكن المطاردة لخفة الشافع باءت بالفشل فعمد الأب للمناورة (أقيف والله ما حأضربك)
فقالها الطفل وقد كسح خارج الدار (ومال داير تشفط مني جالون بنزين)
ومن أراد النكات والتعليقات الساخنة والشعر فعليه بدائرة أبو حمد والمناصير هذه الأيام التي أعطت للاقتراع ذائقة جديدة وعطر وتحدي.. دائرة موسومة بالرجولة والسودانوية حين تغضب في يسر وعقلانية.
(3)
لا أجد تعبيراً أصدق من عبارة علي بن أبي طالب والخوارج يفارقونه ويلومونه كيف يرضى بالتحكيم وهو يعلم أن الحكم لله وليس للأشعري ولا لابن العاص.
ولأن فيهم أصدق مقاتليه وحماته فقد قال للذي أغلظ عليهم في القول وأخرج مثالبهم
أنهم أخوتنا
طلبنا الحق فوجدناه
وطلبوه فلم يجدوه
هذا ما قاله أبو تراب
فيا ترى ماذا يقول المهاجرون أو بالأحرى المهجرون من بناتنا وأولادنا الملتحقون والملتحقات بالدواعش وماذا نقول نحن وماذا يقول التأريخ الذي استدار دورته كاملة حتى عاد كهيئته الأولى.
(4)
وعندما وطأت أقدام الشاعر الراحل محمد عبد القادر كرف أرض أثيوبيا قبل الانفصال ذهب إلى أسمرا وسال عن قبر عميد فن الغناء السوداني الحاج محمد أحمد سرور 1901- 1946 وكتب الأبيات التالية بل نقشها ومازالت موجودة (وهو بالمناسبة معلم وشاعر وباحث وخطاط)
سبّحت أول ما صدحت مغردا
باسم الديار وكنت أبرع من شدا
ولك الروائع من أغانيك التي
مازال يسري في النفوس لها صدى
يا باعث الفن الأصيل تحية
من شاطئ النيلين يغمرها الندى
تغشى ثراك وتستهل غمامة
تهمي وتسقي بالدموع المرقدا
ترى متى يقوم متحف الإبداع السوداني الذي نجد فيه أسطوانات سرور وديوان كرف والآخرين
(5)
كتب البروفيسور عبد الله الطيب مقال الحكومات الأمدرمانية الخرطومية الشللية باهتة باردة وفاشل من بها يستعين الأيام الأسبوعي 6647 السنة 19 السبت 3 يونيو 98.. ولكن بيت القصيد عبارته (عادة تضييع القوم لمن يكون مفرط النجابة من أبنائهم قديمة ولعل أصلها عربي.. وأن منشأ ذلك من حب المساواة الذي يخالطه نوع من الحسد)
ولا تعليق
(6)
الأمير والحسيب النسيب المهندس الحسن الميرغني لم يقابل الصحافة ولا الإعلام ولكنه فصل كل الذين تعرفهم الصحافة ويعرفهم الإعلام ويبدو أن (ضبح الكديسة قد انتقل من ساحة الزفاف الى ساحة العمل السياسي)
ويبدو من واقع الحال أن نتائجه أجتماعياً وسياسياً مازالت باهرة وواعدة.
(7)
أعظم إنتقاد يمكن أن يقال في حق هذا الحزب العتيق ما أستلفنا له عبارة الإمام الشيخ محمد عبده
(من الناس من يحبون أن يقعدوا في صندوق من الجهل ويقفلوه على أنفسهم حتى لا يأتي فاتح يفتحه ويفرج عنهم).
(8)
أغلى جملة قالها المحجوب وهو يغادر إلى لندن بعد إنقلاب مايو وظل يرددها حتى حفظتها وردية العمل بالدرجة الأولى
نلتقي الكثير من الرجال الذين يتكلمون عن الحرية.. إلا أن القليل منهم من لم يسهم في صنع القيود..
دعونا نستثمر العبارة ونفجر المسكوت عنه (ترى هل سكت المحجوب عن إنقلاب أولاد الهاشماب ورفاقهم رغم أن كل المعلومات (فايتة أضانو) وكان رئيساً للوزراء ترى هل أراد أن يعاقب الصادق فعاقب كل الشعب السوداني) أعزائي من يجرؤ على الكلام!!!
(9)
المعركة في كثير من الأحيان والثورات والمظالم لا تقع في الكم ولكنها تقع في الكيف وقد استوقفتني عبارة ابن السمّاك المتمرد
لولا ثلاث لم يقع حيف ولم يسل سيف:
لقمة أسوغ من لقمة
ووجه أصبح من وجه (أو أملح)
وسلك أنعم من سلك.
أرجو وفي الحصة الأولى أن يخرج أي مدرس طباشيرة الصباح ويقرأ الفاتحة ويكتب ويعاود حتى يحفظ التلاميذ
جعلي ودنقلاوي وشايقي أيه فايداني
غير ولدت خلاف خلّت أخوي عاداني
خلوا نبانا يسري مع البعيد والداني
يكفي النيل أبونا والجنس سوداني
مقال البارحة كان بعنوان
(بيان الحرب العالمية الثالثة) وليست الثانية وهي قطعاً لا تفوت على فطنة القارئ ولا المصحح إن تدبر.