خالد حسن كسلا : للسد تكفي ثلاثة مبادئ لا عشرة
إذا نظرنا إلى المبادئ العشرة التي وردت بإعلان سد النهضة الإثيوبي لا نجد فيها ما يستدعي مصر طلبه من اثيوبيا، ولا ما كان يمكن ان ترفضه اثيوبيا منذ الشروع في تشييد السد الذي وصلت فيه نسبة التنفيذ إلى أربعين بالمائة.
أما السودان فقد قام بدور إقليمي محرج جداً لمن أراد ان تحتقر سيادته وينزلق منزلق بعض الدول التي انهارت تماماً وقامت بداخلها دويلات تحميها المليشيات مثل العراق وسوريا واليمن.. وهذا مصير مؤسف جداً طبعاً وتتضرر منه كل الأطراف. وها هو رئيس البلاد يتوسط ضيفيه بعد التوقيع على اتفاقية «سد النهضة».. التي تحتوي على عشرة مبادئ ليست ملحاحة على ان تكون في شكل وثيقة تُوقع بين ثلاثة أطراف بشأن مشروع سد النهضة. فهي مبادئ فضفاضة وأولها حسب النشر الذي أمامي «مبدأ التعاون». ومبدأ التعاون اذا كان المقصود به التعاون في كل شيء فإن المبدأ الثاني الذي يقول: «التنمية والتكامل الاقتصادي يغني عن إيراده. لأن التكامل يحتاج إلى تعاون. وإذا كان المقصود بالتعاون العمل في اطار مشروع السد وعملية حبس وتدفق المياه فإن هذا لا يحتاج إلى تعاون خاص به لأن «التنمية والتكامل الاقتصادي» كفيلان بتحقيق ما يريده السودان ومصر من إثيوبيا حيال سدها العملاق.
أما المبدأ الثالث «التعهُّد بعدم إحداث ضرر ذي شأن لأية دولة».. فإن هذا يبقى مطلباً ساذجاً لأن التصميم الذي أعدته إثيوبيا بواسطة الخبراء في مختلف المجالات لتشييد السد سيظل كما هو دون تعديل، وهو أصلاً غير مُضر بالسودان أو مصر. فالمبادئ العشرة ليس من بينها أن تعدل اثيوبيا تصميم السد الذي جهزته قبل العمل فيه طبعاً. والضرر غير محدد.. واذا كان اخلاقياً أي مقصود فهذا لم تكن فكرته موجودة اصلاً، لكن اذا كان فنياً فوق ارادة الحكومة الاثيوبية فإن «التعهُّد» لن يمنع الخطأ.. ولذلك هذا المبدأ كان افضل ان يُستبدل بفكرة حفر بحيرة احتياطية لابتلاع المياه الغزيرة في بحيرة السد حال حدوث ما هو متوقع واحتماله مثير للخوف. ويتحدّث المبدأ الرابع عن «الاستخدام المنصف والعادل للمياه». وطبعاً مثل هذا المبدأ نصه متوفر في القوانين الدولية واتفاقية الأنهار الدولية ضمناً او بطريقة مباشرة. وان يكون الآن التزام دولة تجاه حقوق دولتين ضمن وثيقة تخص هذه الدول الثلاث فيبقى هذا ترديد غير ضروري لمعاهدات معروفة وملزمة لكل الاقليم النيلي والاقاليم الاخرى التي تشق دولها الانهار.
المبدأ الخامس كان هو الاحرى بان يكون المبدأ الأوّل يليه مبدآن هما الثامن الذي يقول «مبدأ أمان السد» وقبله السابع الذي يقول «مبدأ تبادل المعلومات والبيانات. وتكفي ثلاثة مبادئ لا عشرة. وهي الخامس والسابع والثامن كما اوردتها آنفاً.
والخامس يقول: «التعاون في عملية الملء الأوّل لخزان السد وتشغيله السنوي».
وهذا مبدأ معقول. ولو طالبت به مصر قبل ثلاثة اعوام ما رفضته اثيوبيا لأنه يعني لها قبول دولة المصب بتشييد السّد. ويوفر عليها نزاع ومشكلات دبلوماسية. لكن دولة المصب ارادت ان يكون لمؤسساتها في عهد الديمقراطية والحكومة المنتخبة برئاسة «مرسي» موقفاً معيناً من قيام سد النهضة لاحراج الرئيس المنتخب. ولم يكن ذاك الموقف هو المناسب طبعاً.. وهذا ما اتضح اخيراً وتراجعوا عنه من خلال «الخرطوم» حفظاً «لماء الوجه».. إن الخرطوم إذن قدمت خدمة معنوية جليلة لمصر.. فقد جعلت تراجعها عن موقفها الأول من السد بما يحفظ ماء الوجه و«ماء النيل» محفوظة لا خوف عليها. والتعاون في عملية الملء أهم ما فيه هو الاطمئنان التام إلى عدم احتمال وقوع ضرر من سد بحيرته عميقة جداً. وتبادل المعلومات طبعاً هنا مهم. وان كان عدم التعاون هذا لا يمنع استكمال قيام السد. المبدأ السادس «بناء الثقة» وهذا كلام غير عملي وغير ضروري. المبدأ السابع هو «مبدأ تبادل البيانات والمعلومات». وهو مربوط بالمبدأ الخامس «ملء البحيرة والتشغيل».
المبدأ الثامن هو «مبدأ أمان السد». وهو من المبادئ الثلاثة التي رأينا أنها هي المفيدة بشأن السد. والأمان يتطلب الدعم والتعاون عملياً ومادياً. والأهم لأمان السد هو «البحيرة الاحتياطية» اذا فطنوا لأهميتها. المبدأ «التاسع» احترام السيادة ووحدة اراضي الدولة» .. وهذا لا ضرورة لذكره وان كان مهماً فإن تشييد السد هو السبب إذن. المبدأ العاشر «الحل السلمي للنزاعات». وهذا كلام أيضاً خارج سياق الموضوع وهو «مخاطر السد».