في أوجع فجيعة رحلت
يوم فرحه العام الماضي في تلك الصالة التي امتلأت حتى تدفق الناس، كان ابني مازن عادل عبد الغني يلف بيمناه عروسه ويرسل ابتسامة للناس ويقابل الزغاريد مبشرا بيده الاخرى، في تلك اللحظة شددت يد عادل اليسرى وأحسست إنى سواي، كبر اولادنا وتعلموا وتخرجوا وأكملوا نصف الدين على الوجه الأتم، لم تكن فرحتي تقتصر على عرس مازن بقدر ما اقترنت بعرس الزمن، الزمن ايضا يكبر لكنه يصغر من خارجه.
مازن هو الشخص الوحيد في العالم الذي ينعم بعاطفتي ابوة حقيقية، عاطفة عادل عبد الغني، وعاطفتي أنا، فهو ابن مشترك بيننا، انجبه عادل، وفطمته في عامين!!.
وأنا ايضا عمه فلا يكذبنى إحساسي أن عادل شقيقي. استبانت تلك الاخوة على وجهها الاسطع حين اعتقلت عام 89 حتى العام 91، دفع عادل بأمه وشقيقه زاكي الدين (ليحرسوا أولادي) حتى تم اطلاق سراحي بعد 22شهرا، كان زاكي الدين طالبا بجامعة النيلين، حين تسلمت منه الامانة، كان يتدرب كمحام مبتدئ، وكان مازن قد استهل مشوار المدرسة حتى تخرج في جامعة الخرطوم مهندسا معماريا، ولانني لا احتفل بانجازاته بروتكوليا فقد اوكلت له مهمة بناء منزلي بعد عودتى نهائيا من كندا فشيد لي منزلا صار حفاوة الزائرين من فرط الابداع الهندسي والحسن والزينة، كان آخر من سأل عن ذلك المهندس العبقري الاستاذ ياسر يوسف وزير الدولة بوزارة الإعلام.
حين عدت من رحلة الاستشفاء جاءني مازن برفق ستة خراف من عادل ومنه ومن بشير معاذ، كان يحفزني على المقاومة والصبر وتنمية السخرية ورعاية الوجدان الطريف وأخبرنى بأنه في طريقه القاصد نحو الابوة وبشرني بأنني سأصير جداً.
تابعت مع مازن كل مراحل الحمل مثلما تابعت خطوات زواجه منذ كان خاطرة ادناها العشق، وزودته بمصطلحات اطباء النساء والولادة من أسباب (الوحم) حتى (التاريخ المتوقع) وتكفلت زوجتى بالشق الاجتماعى المراعي للاصول مثل (كرامة التلاتة يوم) حتى خراف السماية، وانواع الريحة وطريقة فرش غرفتها والحلوى و (المديدة والبربور) وتعهدت بخرفان السماية التي ازمعت انتخابها من خراف البطانة التي حين تذبح (جدعا) منها تحس بأنه (يدوبي).
مر شهر على ذلك العهد وحينها اتصل بي مازن ليخبرني انهم في الطريق لمستشفى (إمبريال) حيث ستجرى عملية الولادة الصناعية فأخبرته بأنني سأزوره في اليوم الثاني عقب تقديم حفيدتي اوراقها للحياة كوليدة فوق العادة، لكنني حين اتصلت به لأخبره بأنني في الطريق للمستشفى اصر عليَّ بعدم المجيء في هذا الوقت وكان يحادثني بإصرار زائد، امتثلت لرغبته وعدت للمنزل فإذا برسالة نصية من مولانا الدكتور محمد طاهر قاضي المحكمة الدستورية يقول نصها (توفيت قبل قليل زوجة ابننا مازن عادل عبد الغني) فبطلت زيارتي دستوريا.
لم ار طوال حياتي احتشادا في ميدان فسيح مثلما رأيت في عزاء الناس لولدي مازن، كانت الهيئة القضائية بكاملها والمحامون والمتهمون ورجال الاعمال والصحافة والمهندسون والطلاب والسابلة وابناء السبيل ورغم ذلك كنت وحدي!
عرفت يوم أمس أن مازن هو من (برَّد) زوجته وغسلها وقرأ الفاتحة ولم تصطدم دموعه بعينيه، خرجت من مساماته ومن فروة الرأس حتى أقواس الاظافر، مازن الآن ينشط ذهنه الهندسي ليبدأ من جديد ويشرف بنفسه على رضاعة الطفلة التي تمتد بأمها، فحرام علينا الدموع ومرفوع عنا ذلك الحزن الهتون.
عظم الله أجركم وجبر كسركم وأسكنها أعلى الجنان ، قصة مؤثرة فلكأنني أعرف إبنى مازن منذ عقود مع أنني لم أتشرف بمعرفة هذه العائلة الكريمة .