القوة العسكرية العربية
> بالطبع، لا يمكن التسليم بأن فكرة إنشاء قوات عربية مشتركة، هي فكرة عملية وجيدة في ظل الظروف الحالية وعدم تحديد مهامها وتقاطعات السياسة العربية ومواقفها. فالفكرة في ذاتها جيدة، وظل التبشير بها والحلم بتحقيقها منذ مفتتح السنوات الخمسين من القرن الماضي، غير أنها طمرت في قاع الاهتمامات الرسمية العربية رغم الحاجة الملحة إليها في النكسة عام 1967م وحرب أكتوبر في عام 1974م، وتزايدت الحاجة إليها في الحرب الأهلية في لبنان التي شاركت فيها الجيوش العربية لحفظ السلام، ثم تلي ذلك الغزو الإسرائيلي عام 1982م للبنان، وعند الحرب العراقية الإيرانية دعت أصوات عربية الى تكوين هذه القوات لحماية البوابة الشرقية للأمة، وتمخضت كل التحركات الى الدعم المالي والسياسي للعراق للقيام بمهمة محاربة السلطة الجديدة في إيران بقيادة آية الله الخميني، ولم تجد الفكرة ما ينفض عنها الغبار..
> وفي حرب تحرير الكويت عام 1991م، غطى التحالف الدولي الثلاثيني وانقسام الساحة العربية واختلافات النظام الرسمي العربي وغياب الشعوب العربية عن منصات اتخاذ القرار، غطى كل ذلك على التوجهات الداعية في تلكم الأزمة للحل داخل البيت العربي او تدخل قوات عربية لتخليص الكوين من بين مخالب وأنياب وفكي صدام حسين..
> وكان حماس بعض الدول العربية لضرب العراق والتخلص منها أكبر من الحماس لعمل عربي مشترك ولو تم ذلك في حينه، لتغير مسار تاريخ المنطقة ولتفادت وتجنبت الكثير من الأخطار. ولكن البعض فضَّل السير في القافلة الأمريكية وتحت هدير طبول الحرب الغربية، وتحت قيادة الجنرالات الأمريكيين، حتى تم تحرير الكويت وتحطيم القوة العسكرية العراقية وخلع أنياب صدام ومخالبه، وماتت فكرة تكوين قوة عسكرية عربية لمجابهة ما تتعرض له البلدان العربية من مخاطر وتهديدات..
> اليوم وبعد أن أقرت قمة شرم السيخ التي انفض سامرها أمس، ونسبة لما يجري في اليمن، فإن الفكرة عادت من جديد رغم تجدد طرحها في سبعينيات القرن الماضي، ولكن لكل دولة من الدول العربية رؤيتها وأغراضها الخاصة، وهي تنظر لمصالحها القطرية وليست القومية، فإذا بخطر الحوثيين والتهديد الإيراني أو الشيعي للمنطقة يدفع دول الخليج لدعم هذه الفكرة والعمل على إنجازها بسرعة بالنظر للتطورات الراهنة في اليمن، فتن دول أخرى مثل مصر والأردن والعراق مثلاً تريد تكوين هذه القوات لمحاربة ما يسمى بالإرهاب، وهي بذلك تنظر الى أزماتها الداخلية وتخاطب العجز القطري للدول عن احتواء هذه الظاهرة الخطيرة بوسائل مختلفة او عن طريق الآليات الوطنية والذاتية للأقطار الموبوءة بجائحة الإرهاب..
> ولا يختلف اثنان أن استدعاء هذه الفكرة وإحيائها من مرقدها الذي كانت فيه حتى تيبست منها العظام، فرضته الظروف الراهنة والضاغطة بسبب ما فعله الحوثيون في اليمن وتهديدهم المباشر للمملكة العربية السعودية، كما لا يختلف اثنان أن قيام قوة عسكرية لبلدان تختلف فيها العقائد العسكرية ونوعية التسليح والتدريب وانعدام التنسيق الكافي، لهو عقبة تتساوى في مقدارها واتجاهها مع أعباء قيام القوات نفسها. فهناك حزم من التعقيدات البنيوية والإجرائية والتنظيمية والسياسية، تقف حجر عثرة أمام تكوين وفاعلية هذه القوات، تقتضي إيجاد حلول لها وإزالة العقبات من أمامها..
> ويثور قلق كبير من أن يكون الأمر كله، مجرد حالة ظرفية فرضتها الحرب الحالية على الحوثيين في اليمن، وسيخبو أوراها وتخفت نارها بعد حين، عندما تهدأ الأوضاع وتعود الى نصابها، كما أن القلق بسبب الجوانب العملياتية والتنسيقات السياسية لتحديد مهمة القوات ودورها وعددها وقيادتها ومقرها وتفويضها والهدف السياسي من وجودها والوظيفة الرئيسة لها، قد لا يكون من اليسير والسهل العبور فوقه، لكن في كل الأحوال، لا يبدو أن هناك خيارات مفتوحة أمام الحكومات العربية للشعور بالاطمئنان الذاتي بدون وضع قرار القمة الأخيرة موضع التنفيذ..